بيدر فوق ظهر بعير

قطع الإسفنج الاصطناعي المستخدمة لتنظيف وتجفيف سطوح المناضد في المطابخ والمختبرات تحاكي قطع الإسفنج الطبيعي الذي قَلَ من يعرفه من الناس، فكلا النوعين ينحصر بين جدران خلاياهما فجوات تمتص السوائل. في الإسفنج الطبيعي تكون خاصية الامتصاص لها وظيفة حياتية لتزويد الكائن الحي بالغذاء، حيث ينقي ما علق بالسائل من كائنات دقيقة تتسرب الى داخل جسمه فتمده بالحياة، في حين تكون الوظيفة في الإسفنج الاصطناعي قد حددها من ابتكر هذا الصنف من المخترعات ليمتص السوائل التي يمر عليها للخلاص منها!

هناك درجة إشباع للإسفنج، فما أن تمتلئ الفجوات في نسيجه، حتى تتوقف قدرته على استيعاب أي قطرة سوائل إضافية. في الإسفنج الطبيعي يقوم الكائن الحي (بإرادته) بالتخلص من السائل الذي لم يبق به ما يُستفاد منه، حتى تتهيأ الفجوات من جديد لاستيعاب المزيد. في حين يقوم الإنسان بعصر قطعة الإسفنج الاصطناعي بقوة ليتخلص من محتواها السائل ليعود يمررها على سطح رطب من جديد.

هذه القدرة على الامتصاص، يعادلها القدرة على القوة والتحمل، ففي قضبان حديد (البناء) يحسب المهندسون قدرة الشد والتحمل للقضبان، ويضعون مخططاتهم بناء على حسابات معقدة، حتى لا تنهار (العمارات) في لحظة من الزمن عندما تحاذي تلك القدرة، عوامل أخرى كالهزات الأرضية أو الفيضانات أو أي عامل طارئ.

كنا ولا زلنا نسمع بمثل عربي قديم، يقول : (القشة التي قصمت ظهر البعير) وهو مثل يلخص ما تقدمنا به، فالقشة في المثل هي الثقل الضئيل الذي أضيف على ظهر البعير بعدما تم إشباع قدرة البعير على التحمل بأثقال موازية لتلك القدرة. وعندما توضع القشة فإن البعير يعلن هزيمته أمام تلك الإضافة التي لم تراع قدرته على التحمل. وهذا ما يفعله (الرباع) الذي يتباهى برفع الأثقال فيضيف حلقة معدنية بعد حلقة ليقرر بالنهاية كم يستطيع رفع أوزان، ولكن هذا يتم بإرادة رافع الأثقال نفسه (الإسفنج الطبيعي) في حين تكون المسألة عند البعير أقرب الى حالة (الإسفنج الاصطناعي) فالبعير لم يقرر ما يحمل.

بنظرة سريعة الى الإنسان (الطبيعي) هذه الأيام، نرى أن طبيعيته أو إنسانيته لم يتبق منها الكثير. فقد تم تحميله بما لا يطيق حمله، فهذا قهر على مستوى لقمته، وهذا قهر على مستوى كرامته، وهذا قهر على مستوى دوره. فإن كان البعير قد قصمت ظهره قشة زائدة، فكيف سيتحمل إنساننا بيدراً*؟

هامش
* البيدر: هو مكان تجميع القش بسنابله من الحقل الى ساحة ليتم استخراج الحبوب منه (لمن لا يعرفه)