عداوة الجن للإنس في ظل آيات القرآن الكريم
خلق الله سبحانه وتعالى الجن من مارجٍ من نار وهو اللهيب الأسود الشديد الحرارة من النار،
وهذا ما منح الجن طبيعتهم الفيزيائية والمادية الخفية والتي تجعل من الصعب على عين الإنسان رؤيتهم أو تحديد مكان تواجدهم
ثم خلق الإنس من سلالة من طين وكل ماورد في خلق آدم يرجع إليه....
وبهذا خلق الجن قبل خلق الإنس ويقال كما جاء في بعض الآثار أن الجن كانوا في الأرض قبل آدم بألفي عام، كما ورد بالفتوى رقم: 17360.
وخلق الجن والإنس لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، قال تعالى في سورة الذاريات :
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ 56مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
ومن أدلة خلقهم قبل آدم عليه السلام ،سماعهم للقرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم في قول الحق سبحانه في سورة الجنّ :
( قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجنِّ فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ...) اقرأ الآيات من آية 1 إلى آية 19 من السورة
وحديث: (ردهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأ عليهم سورة الرحمن، ففي سنن الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال:
( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا،
فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى:
( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد. )
ولم يأمر الله الجن بإعمار الأرض وأنهم عجزوا عن ذلك كما يدعي بعض المفسرين دون رجوع إلى قول الله تعالى في آيات الحق جل وعلا.
ومعنى الجن في معاجم اللغة هو: جَنَّ عليه الليلُ أَي ستَره، وبه سمي الجِنُّ لاسْتِتارِهم واخْتِفائهم عن الأبصار،
ومنه سمي الجَنينُ لاسْتِتارِه في بطنِ أُمِّه.
وهم الجنس الأكبر الذي يضم القوم منهم ( ويقال إن تناسلهم وتكاثرهم بالنسبة لتزاوج وتكاثر البشر 9 ؛ 1 أي 9 من الجن وواحد من الإنس
والجانُّ: أَبو الجِنِّ خُلق من نار ثم خلق منه نَسْلُه. والجانُّ: الجنُّ، وهو اسم جمع كالجامِل والباقِر.
وفي التنزيل العزيز( لم يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانّ.) سورة الرحمن
وفيهم المؤمن والكافر والطائع والعاصي وهم مكلفون بعبادة الله مثلنا .
وبدأت العداوة عندما عصى إبليس ربه ورفض السجود لآدم بعد خلقه وخرج عن التكليف والطاعة أمام ربه
فتكبر وتعالى وافتخر بأنه خلق من نار وخلق آدم من طين ، فطرده الله من رحمته
ولذا تقول اللغة في مادة ( أبلس ) أي قُطع ؛ فهو مقطوع من رحمة الله
وأَبْلَس: سَكت. وأَبْلَسَ من رحمة اللَّه أَي يَئِسَ ونَدِمَ،فهو مقطوع آيسٌ
ومنه سمي إبليس وكان اسمه عزازيلَ. وفي التنزيل العزيز:( يومئذ يُبْلِسُ المجرمون.) يقطعون من رحمة الله قال تعالى :
في آية 34 البقرة ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين )
وآية 36 البقرة قال سبحانه وتعالى : ( فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما ما كانا فيه ، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين )
، ومن يومها بدأت العداوة بين الفريقين ، أولياء الشيطان وأولياء الله المطيعون العابدون له وحده لا شريك له
ï´؟فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) الأعراف آية(20(
وقال تعالى في سورة الأنعام الآية 112 : (وَكَذَظ°لِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىظ° بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا غڑ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ غ– فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)
وهنا يتضح أن الشياطين من جنس الجن والإنس أولياء بعضهم لبعض يضلِّون الناس عن طريق الحق والهداية والتوحيد وإطاعة الله فيما أمر واجتناب مانهى عنه
إلى الباطل والشر المؤدي إلى لعنة الله وغضبهم وعذابه ، و الشيطان ( وهو من الإنس والجن ) بمعنى : الحَيَّةٌ لها عُرْفٌ.
والشاطِنُ: الخبيث والشيطان معروف، وكل عات متمرد من الجن والإِنس والدواب يسمى شيطانا؛
قال جرير:
أَيامَ يَدْعُونَني الشيطانَ من غَزَلٍ= وهُنَّ يَهْوَيْنَني، إذ كنتُ شَيْطاناً
وتَشَيْطَنَ الرجل وشَيْطَن إذا صار كالشَّيْطان وفَعَل فِعْله ، وقد توعدهم الله تعالى بالعذاب يوم القيامة فقال سبحانه في سورة السجدة :من 10 إلى 14
(وَلَوْ تَرَىظ° إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ،وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا(وَلَظ°كِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ 12)
(13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَظ°ذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ غ– وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يستكبرون ) ( سجدة )
وللشياطين على أوليائهم من الإنس سيطرة وحيل ومهارة وقوة الجن فيدخلون الإنس ويتلبسونه بمكرهم ووسوستهم ،لكنها ضعيفة أمام قوة الإيمان ،
ودليل ذلك القرآن الكريم وقول الحق فيه :
( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) آية 275 البقرة
قال ابن كثير رحمه الله : " لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له "
ودليل ضعف مكر الشيطان وحيله في حربه مع بني آدم من الإنس قول الله تعالى : في سورة النمل آية 39 :
ومن دلائل الضعف مع صفة السرعة والقوة عند الجن ما ورد في قوله تعالى :
(قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ غ– وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39 )
وقد تفوق عليه الذي آتيناه من لدنا علمل ) وهو من الإنس بشر مثلنا له من الإبداع والقوة من الله ما فاق به العفريت فأتة بعرش بلقيس قبل العفريت
وقد حذرنا المولى سبحانه وتعالى من اتباع الشيطان في أكثر من آية في القرآن الكريم :
كقوله في سورة الأعراف آية 27 الآية: ï´؟ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا
لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَاتَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
(وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ 212 ( الشعراء )
فهم يكيدون ، ولكن كيدهم ضعيف لايخيف المؤمن قوي الإيمان ، قال الله تعالى :
( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء/76). فكيد الشيطان ضعيف أمام كيد الله ، وكيد النساء قوي أمام كيد الرجال ) وكيد الله ومكره أقوى من جميع خلقه
وجنس الجن كله يعيش معنا على الأرض ويتناكحون ويتزاوجون ويتناسلون مثلنا من حيث يروننا ولا نراهم ، وأماكنهم في الأشاوش وهي ( مواضع الخبث والرداءة )
من الأرض ( كالمباول ودورات المياه ) ويأكلون العظم والروث وبعر الإبل ويسكنون معهم ، ويغشون الأسواق ويزينون للناس الغش ونقص المكيال والتدليس على الناس
ولذا توجهنا الآيات القرآنية و السُنُّة النبوية للاستعاذة منهم في تلك الأماكن
قال تعالى : (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ غ– إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) فصلت
وقوله سبحانه : (في سورة المؤمنين عند قوله : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون
)، وقال عليه الصلاة والسلام عند دخول مكان الخلاء لقضاء الحاجة : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )
ومن ظهورهم لنا في تلك الأماكن ، ومن حديث لرسول الله (أن الملائكة خلقوا من النور وهم خلقوا من النار )
وأتاهم الله قوة لا تعجزه سبحانه وتعالى في تضليل ضعفاء الإيمان بقدراتٍ لا مبالغة فيها ،ولا استهانة منها وعلينا أن نعترف بوجودهم بيننا من الإنس والجن ،
لكن الله يحفظ عباده المؤمنين من وسوستهم بالاستعاذة وذكر الله اقرأ قوله تعالى في سورة الناس :
(وقوله: ( مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ ) يعني: من شرّ الشيطان ( الْخَنَّاسِ : الذي يخنِس مرّة ويوسوس أخرى، وإنما يخنِس عند ذكر العبد ربه.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:( ما من مولود إلا على قلبه الوَسواس، فإذا عقل فذكر الله خَنَس، وإذا غَفَل وسوس، قال: فذلك الشيطان )
وترى بعض الناس يطلقون على أبنائهم اسما من أسماء الجن فيقول : ابني عفريت شقي ...
فما معنى عفريت ؟
هو من جنس الجن ولكل اسم صفة يعرف بها كما وضحنا كثير النشاط والسرعة والحركة الخبيثة المنكرة
والعفريت : الخبيث المنكر الداه ،، وقال الخليل بن أحمد : شيطان عِفْرِيَّة أو عفريت والعَفارةُ: الخُبْث والشَّيْطنة.............
قال ذو الرمة:
كأَنّه كَوْكَبٌ في إِثْرِ عِفْرِية= مُسَوّمٌ في سوادِ الليل مُنْقَضِب ..........................والعِفْرِيةُ: هي الداهية.
وفي الحديث( أَول دينكم نُبُوَّةٌ ورَحْمة ثم مُلْكٌ أَعْفَرُ) أَي مُلْكٌ يُسَاسُ بالدَّهاء والنُّكْر، من قولهم للخبيث المُنْكَر: عِفْر.
وورد ذكر اسم العفريت في قصة سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عندما سأل جنده من الجن والإنس من يأتيه بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين :
قال تعالي في سورة النمل آية 39: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ غ– وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
ومع ذلك كان المنتصر من الإنس في تنفيذ طلب سليمان وهو رجل: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِأَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ..)
ونخلص من مقالنا هذا أنه على المرء المسلم ألا يغالي ويبالغ في إعطاء الجن من الصفات أكثر مما جاء عنهم في كتاب الله تعالى وآياته الكريمة
وأن يعرف أنه في حِرز الله ورعايته من كيدهم وشرورهم باتباع آيات القرآن الكريم ففيه شفاء للناس أو من مسته الشياطين فالجميع راجعون إليه لحسابهم على الخير والشر ، والعمل بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بما ورد عنه في هذه الأمور الغيبية .
=====
والله تعالى أعلى وأعلم