مَنْ لا يشكر الناسَ لا يشكر اللهَ
تدوينة بقلم : د. محمود نديم نحاس
عنوان مقالتي حديث نبوي كريم عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقد ورد عن غيره من الصحابة بعبارات أخرى، بعضها مشابه وبعضها أطول من هذه العبارة كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه (من لم يشْكر القليلَ لم يشْكر الْكثيرَ، ومن لم يشْكر النَّاسَ لم يشْكر اللَّهَ عزَّ وجلَّ، والتَّحدُّثُ بنعمةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ شُكرٌ، وترْكُها كفرٌ، والجماعةُ رحمةٌ، والفرقةُ عذابٌ).
تذكرت هذا الحديث عندما جاءتني رسائل على البريد الإلكتروني من بعض البلدان يذكر أصحابها ما لاقاه السوريون النازحون من إخوانهم من حفاوة وتكريم.
ولأبدأ بالأقرب. فالسوريون الذين وفدوا إلى المملكة بعد بدء محنتهم لاقوا تفهماً لوضعهم وصدرت الأوامر السامية الكريمة بتسجيل أولادهم في المدارس وبتمديد إقاماتهم. ولذا فهم لا يتوانون عن الدعاء لمن واساهم وشد من أزرهم. وقد قال أحدهم: لئن كانوا هم كالأنصار فلا أقل من أن نكون كالمهاجرين، فنقول لهم كما قال المهاجر لأخيه الأنصاري: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق، فقد تعلمنا من الحديث النبوي (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه).
وأنتقل إلى مصر، أرض الكنانة، لأنقل مختصر رسالة جاءت من هناك يقول كاتبها: ولقد وفقنا الله الى مدرسة ضمت ما يزيد عن 1500 طالب وطالبة في مراحل دراسية متعددة، ووفقنا الله تعالى إلى تأمين الكثير من الشقق المجانية في مناطق مختلفة، وإلى تأمين تحويل طبي لأي مريض سوري الى المستشفيات الحكومية، وموعودون بفرص عمل... ونحن عاجزون عن الشكر لكل الأخوة المصريين الذين يقدمون لإخوانهم السوريين ما ليس متوقعا من كل النواحي.
أما تركيا فقد استقبلت أكثر من مائة وخمسين ألف لاجئ في مخيمات خاصة بالسوريين، وأكثر من مائة ألف لاجئ خارج المخيمات. وألزمت نفسها، حسب القوانين الدولية الخاصة باللاجئين، بأن تقدم لهم الخدمات الصحية والتعليم والأمن وحاجاتهم اليومية. وعيّنت والياً خاصاً لرعاية شؤونهم. كما أعطت الذين يسكنون خارج المخيمات الإقامة لمدة سنة، ومنحتهم المزايا التي تعطيها للأسر التركية ذات الدخل المحدود، فمثلاً تمنح طناً من الفحم للتدفئة لكل أسرة، وسمحت لهم بمراجعة أقسام الطوارئ في المستشفيات.
وإضافة إلى المدارس التي أنشأتها داخل المخيمات سمحت للمنظمات الإغاثية بإنشاء المدارس الخاصة والمستشفيات الخاصة بهم، كما دعمت كل المؤسسات التي تقدم خدمات للمهاجرين. وفي مدارس المخيمات وظّفت المدرسين السوريين لتدريس أبناء بلدهم من الطلبة. وفي التعليم الجامعي سمحت للطلاب السوريين بدراسة المواد الجامعية المكملة لدراستهم إلى حين أن تنحل مشكلتهم ويعودوا إلى جامعاتهم. كما إن بعضاً من الطلبة السوريين حصلوا على منح دراسية من ضمن المنح التي تقدمها تركيا للطلبة من الخارج.
السوريون المغتربون بدورهم هبّوا لنجدة أبناء بلدهم النازحين، فأسسوا عدداً من المنظمات الإغاثية التي نشطت في تقديم الخدمات للمهجرين في مختلف البلدان، وبعضها امتدت نشاطاتها إلى الداخل السوري. وقد حدثني شخص يعمل في إحداها بأن منظمته تقدم خدماتها داخل الأراضي السورية لإغاثة الذين نزحوا من بيوتهم وسكنوا العراء هرباً من القصف النازل فوق رؤوسهم. ومن هذه الخدمات: البطانيات، وسلات الطعام، والخبز، والكساء، وتجهيز المدارس، وكفالة الأرامل والأيتام، والرعاية الصحية، والدواء، وحليب الأطفال. هذا عدا عن توزيع إفطار الصائم في رمضان، والأضاحي في عيد النحر.
وكتب أحد السوريين يقول: عندما اضطر بعض العرب يوماً للنزوح من بلادهم، من الكويت والعراق ولبنان، استقبلناهم في بيوتنا، واليوم يرد لنا بعضهم الجميل، فجزاهم الله خيراً، فهو وحده القادر على مكافأتهم.