منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    اللعب بالنار - قصة - نزار ب. الزين

    اللعب بالنار


    قصة واقعية


    نزارب. الزين*


    عندماشاهدت سامر مضرجا بدمه ، كدت أفقد وعيي لهول ما رأيت ، كان أنفه ممزقا غطت بقاياه خثرة مجمدة بغير إنتظام أخفت أيضا جزءا من عينه اليسرى الجاحظة بخواء ، بينما تجمدت عينه اليمنى في نصف إغماضة و كذلك بقي فمه نصف مفتوح بعد أن تسربت من طرفه نصف دمائه قبل أن تتخثر . ذلك كان باديا من الفراش و الأغطية المشبعة بالسائل القاتم و الذي تسرب أيضا تحت السرير مشكلا بقعة كبيرة دالة على نزف طال . لن أستطيع إكمال الوصف فالمشهد مفجع مرعب ، صورة مشوهة لسامر ، الفتى الذكي المعافى الذي كان يضج بالحيوية و النشاط ، ذلك الفتى الذي عرفته رضيعا و حابيا ، ثم فتيا قاب قوسين أو أدنى من النضوج .

    *****

    ظل سامر منذ منذ نعومة أظفاره ملفتا النظر بألمعيته ، و لكن عندما تقدم نحو المراهقة أبهر من حوله بشعلة ذكائه ، حتى أن جدته كانت كثيرا ما تبدي قلقها عليه من عيون الحساد و كأنها كانت تطلق جرس إنذار ، فكانت تكرر القول : " الله يستر هذا الولد من شر حاسد إذا حسد " و كأن الذكاء بنظرها – و ربما بنظر الكثير من العامة – طاقة شيطانية أو طاقة خاضعة لإستهداف شيطاني ، بل كانت تعتقد أن الذكي قصير العمر !!! و الغريب أن تتحقق مخاوف الجدة رغم كافة الإحتياطات ، بما فيها ذلك الحجاب ( الرقيّة ) المعلق بقميصه الداخلي ، فقد وقع سامر ضحية فضوله الشديد ، كل حادث ، كل حديث ، بل كل أحدوثة ؛ كانت تلفت نظره فيطلب لها تفسيرا و لم يكن يكف عن السؤال حتى يجد الإجابة الشافية .
    أما بالنسبة لجدته فقد إكتشف منذ وقت مبكر غموض إجاباتها و إحاطتها بالغيبيات و عدم منطقيتها فكف عن سؤالها فأراحها ، أما مع أمه فقد إختلف الوضع ، فهي قادرة على إرواء غليله ، لولا عصبية مزاجها التي كانت تتفجر بين حين و آخر و التي كان بعضها بسبب أسئلته الكثيرة و بعضها بسبب تقاعد والده المبكر ، و مع الأيام إستطاع سامر أن يعالج ذلك فقد أتقن عمليات الإلتفاف و تبديل الصيغ و تخير الأوقات المناسبة ، و كأنه أخضع مزاجها القلّب إلى دراسة ما ، استثمرها لصالح فضوله .

    *****

    الوالدة في الغرفة الأخرى منهارة تماما بين يدي الطبيب . كانت قد دخلت المنزل بعد مجاملة إجتماعية ، ثم توجهت رأسا إلى غرفتها ، أبدلت ثيابها و إنطلقت إلى المطبخ ، و بدأت تعد طعام الغداء، تذكرت سامر ، نادته فلم يجب ، نادته ثانية فلم يستجب أيضا لندائها ، توجهت إلى غرفته : " ماهذه الفوضى يا سامر ؟ " ، صرخت متذمرة ثم أضافت غاضبة : " أخرج حالا من مخبئك و أعد كل شيء إلى ما كان عليه ؛ ثم صاحت بدهشة و غضب أشد : " حتى بطانيتي الجديدة تستخدمها في عبثك ، ألا يكتمل جنونك إلا بخيمة ؟ سوف أكسر يديك يا ملعون ! "
    إنتزعت الأغطية واحد إثر الأخرى ، رائحة غريبة تنبعث ، و لكن أين سامر ؟ و بصوت أعلى صاحت : " سامر أنت تفقدني أعصابي ، هيا أخرج من تحت السرير " و لكن سامر لم يخرج أو يجيب ! أحنت جسدها و ألقت نظرة تحت السرير ، صاحت : " دم دم دم " علقت الكلمة المرعبة بفمها ، رفعت الفراش فإزداد رعبها ، كان سامر جثة هامدة غارقة بدمائها " دم دم دم دم " ، إندفعت نحو الهاتف ، سمعت صراخها الرهيب : سامر سامر سامر سامر أنجدوني " و أغلقت السماعة بعنف دون أن أفهم ما القضية : " لعله أغاظها في أمر ما " قلت ذلك لنفسي و أنا أرتدي ملابسي على عجل و اندفعت إلى هناك بأقل من عشر دقائق ، كانت خلالها قد فتحت باب دارها و أخذت تصرخ مستنجدة أو متحسرة أو نادبة أو ربما كل ذلك معا ، هرع إليها الجيران فوقعت بين أيديهم فاقدة الوعي بعد نوبة تشنج كادت تفقدها حياتها .
    إقترح عليّ أحدهم :" يجب إستدعاء والد الصبي ، أتعلم أين هو ؟ " هززت بكتفي علامة النفي و أنا مأخوذ بهول الفاجعة ، الكل من حولي يتساءل بمزيج من الدهشة و الحزن الشديد و كنت أتساءل معهم : " كيف لصبي في الثالثة عشر أن ينتحر ؟ إته آخر ما يخطر على البال ، إنني لم أشهد في حياتي إنسانا محبا للحياة ، منفتحا عليها عاشقا لكل ما فيها مثل سامر " . قال لي أحدهم : " والد الصبي يجب أن يحضر ، أفق يا أخينا من ذهولك ، الصبي فارق الحياة و لا يجب تركه على هذه الصورة ، و أمه بين الحياة و الموت ، و يجب إخبار الشرطة كذلك ، أنت الوحيد يا بني قريبهم ، إهدأ رجاء و تصرف! " فأجبته و الأسى يعتصر قلبي : " والده في اللاذقية "


    *****

    الوالد ؟!
    حتى مرحلة بلوغ سامر ظل لاهيا عنه ، كان ضابطا كبيرا في الجيش و مديرا لإحدى المؤسسات العسكرية – التي نظرا لحساسيتها البالغة – إستحوذت على كل إهتماماته ، مهملا جانبا كبيرا من شؤون أسرته الوجدانية ، إلى أن جاء يوم إضطر معه لأن يقول لرؤسائه ( لا للسياسة) ، فلم يحتملوا ذلك منه فأحالوه إلى التقاعد المبكر .
    كانت صدمة زلزلت كيانه ، فضابط مثله حفل سجله بالمنجزات و إمتلأ صدره بالأوسمة ، لم يحتمل هذا العقوق و لم يشده من إكتئابه الذي كاد يتحول إلى مرض نفسي سوى سامر الذي أخذ يسري عنه بأسئلته الذكية الطريفة و المحرجة أحيانا و التي لا ينضب معينها ، فأخذت جلساتهما تطول معا و مناقشاتهما تتشعب ، بحيث بدا أن كلا منهما إكتشف الآخر و سعد بإكتشافه .
    سأله ذات مرة :
    - كيف حدث أنك ضابط كبير مع أنك لم تشترك بأي حرب ؟
    - ليس كل أفراد الجيش مقاتلين ، هناك ضباط إتصال ، ضباط تموين ، ضباط تعبئة ، ضباط تصنيع حربي ، ضباط هندسة ؛ تقع عليهم كل الأعباء التي تسمح للمقاتل أن يقاتل و أن يستمر في قتاله .
    - و لكنني أعتقد يا أبي أن الضابط المقاتل أفضل ، لأن حياته أكثر تعرضا للتهديد ، ألا تشاطرني هذا الرأي ؟
    - لا أبدا ، هذا أمر خاطئ تماما ، لأن كل الضباط و الجنود تحت الخطر ، ألم تسمع بالغارات الجوية – خلال حرب تشرين - على خطوط التموين و التي بلغ مداها حتى ميناء اللاذقية ؟

    *****

    و في مناسبة أخرى جرى الحوار التالي :
    - كيف حصلت على كل أوسمتك و أنت لم تقاتل قط ؟
    - إسمع يا بني ، ضباط الأركان يديرون المعارك في حروبنا المعاصرة من غرف العمليات و ضمن مخابئ محصنة و مواضعها محاطة بأعلى درجات السرية ، إنهم ليسم في المواجهة و مع ذلك تتوقف على درايتهم و علمهم و ذكائهم مصير المعارك ، فهل برأيك لا يستحقون التقدير لأنهم لم يشتبكوا مع العدو مباشرة ؟
    و نهض إلى خزانة أوسمته و أحضر منها أحدها و ما لبث أن إستأنف حديثه بكل الجدية المعروفة عنه :
    - هذا الوسام ثبته لي رئيس الجمهورية ، في أعقاب إنحسار العدوان الفرنسي ( أيار 1945 ) في إحتفال عام مهيب ، مع أنني لم أقاتل خلال العدوان ، فاصغ جيدا إلى قصته
    كنت مع عدد من الضباط و الجنود السوريين ، كانوا يطلقون علينا حينئذ اسم القوات الخاصة – و هي قوات سورية بقيادة فرنسيين - ، و كنا ملحقين بثكنة المدفعية في قلب دمشق – في مكان مبنى الهاتف الآلي اليوم - و كنا نتابع الأحداث التي سبقت العدوان .
    كان رؤساؤنا الفرنسيون يرغموننا على إقامة التحصينات في الثكنة و على نقل الذخائر و تجهيز المدافع ، و عندما أصدر رئيس الجمهورية نداءه بضرورة إنسحاب أفراد الكتيبة للإنضمام إلى المتطوعين و رجال الدرك ، بدأ الجنود يتسللون هاربين من الثكنة و الثكنات الأخرى ، و حالما كان ينتبه إليهم الحراس كانوا يمطرونهم بوابل من الرصاص فيصاب البعض و ينجو البعض . فقررنا أنا و بعض زملائي أن نقود عملية هروب جماعية منظمة و بكامل أسلحتنا ، و عصر التاسع و العشرين من أيار ، إنقضضنا على حراس الثكنة فشللنا حركتهم و من ثم صادرنا أسلحتهم و إنطلقنا نحو قلعة دمشق حيث رجال الدرك و المتطوعون ، و لكن ما أن ابتعدنا قليلا حتى إنهمرت القذائف حولنا ، و بلمح البصر استطعنا الإختفاء في الأزقة و الحواري المجاورة لشارع النصر ، و عندما تبعنا الدراجون الفرنسيون قاومناهم و أجبرناهم على الإنكفاء من حيث أتوا . و لكن للأسف الشديد شذ قائد المدفعية السوري الذي اصطدمنا معه قبل تنفيذ خطتنا فاضطررنا إلى تكبيله أيضا ، و يا ليتنا تخلصنا منه ، هذا الضابط هو من أمر باستخدام المدفعية ضدنا بداية ، ثم عشوائيا فوق القلعة و ما حولها .
    - ألا يسمى هذا التصرف خيانة ؟
    - بنظرنا نحن نعم ، و لكن بنظره إلتزام بقوانين الجندية .

    *****

    و في يوم آخر سأل سامر والده :
    - كيف تمكن الإسرائليون من الوصول إلى سعسع ، و كيف تحول نصرنا إلى هزيمة ؟
    - نحن ضحية مؤامرة أنكلو فرنسية منذ عشرينيات القرن العشرين ، هدفها الوحيد زرع إسرائيل بيننا و حمايتها ، ثم إنضمت إليهما الولايات المتحدة الأمريكية بعيد الحرب العالمية الثانية . و تهدف الخطة أيضا إلى تجزيء العالم العربي ، إلى دويلات ضعيفة ، يحكمها شيوخ عشائر أو أشباههم ممن لا يدركون سوى مصالحهم الشخصية ؛ و مما يضمن قيام ربيبتهم إسرائيل و توسعها ، ثم ظهرت مافيات الحكم لتكمل المأساة ؛ المهم أن القصة طويلة و يحتاج شرحها إلى أيام .
    أعددنا للحرب و أتقنا الخطة و كان النصر حليفنا بداية ، إلا أن السادات لسبب لا زال مجهولا ، توقف عند منطقة قناة السويس مما أتاح للإسرائيليين أن يلتفتوا إلينا بكل قوتهم حتى أصبحت دمشق في مرمى مدفعيتهم ، و عندما أنجدتهم أمريكا بجسر جوي يحمل الجنود و العتاد الثقيل عادوا إلى الجبهة المصرية و أعادوا إحتلال الجزء الجنوبي من مدن قناة السويس و وصلوا إلى نقطة تقع على بعد حوالي مائة كيلومتر تقريبا من القاهرة .
    - أليست هذه قمة الخيانة ؟
    - هذه دكتاتورية القيادة و إغتصاب الحكم و غرور الحاكم و يمكن أن نسميها أيضا خيانة !


    *****

    و في مناسبة أخرى ، رجا سامر والده أن يعلمه كيف يستخدم المسدس ، فنهره و قال له بحزم : " إياك أن تفكر بذلك قبل بلوغك العشرين على الأقل ، حمل السلاح كاللعب بالنار ، يحرق أصابعك و قد يؤذي غيرك بدون مبرر ، هذه المسدسات المذهبة و البنادق المزخرفة ، و الخناجر و السيوف كلها هدايا أعتز بها ، و هي الآن للذكرى و المشاهدة و ليست أبدا أبدا للإستعمال ! "


    *****

    صحت الوالدة من تأثير المهدئ فعادت إلى الصياح و لطم الخدين و شد الشعر ، أما الجدة فقد وصلت لتوها و أخذت تشاركها هياجها ، فعاد الطبيب ليحقن وريدي المكلومتين بالمهدئ .
    كان سامر أقرب أبنائها إليها ، فحسام بكرها كان أول تجارب أبيه التربوية فنشّأه تنشئة جافة شبه عسكرية ، أما إبنها الثاني ماجد ، فكانت شخصيته مهزوزة مما جعله مثار تندر أخواله و زملائه في المدرسة التي كان تقدمه فيها بطيئا . أما سامر فنجا من صرامة أبيه و تدليل أمه ، فبدت شخصيته القوية واضحة للعيان منذ وقت مبكر يزينها قدراته العقلية الشاملة و يتممها ذكاؤه الإجتماعي ، فقد أفلح بإقامة علاقة حميمة مع أمه رغم عصبية مزاجها ، كما تمكن من زحزحة والده عن صرامته ، حتى أصبح أقرب إلى الصديق منه إلى الوالد و كثيرا ما كان يصحبه معه في سفراته المتكررة إلى اللاذقية ليشرف على تخليص بضائع استوردها لحسابه ، ذلك أنه لم يطق حياة الفراغ فأنشأ مكتبا تجاريا آخذا في النمو .


    *****

    - هل تعلم في أي فندق يقيم عادة عندما يسافر إلى اللاذقية ؟
    سألني ضابط الشرطة بعد أن عرف أن أبا حسام في اللاذقية ، فأجبته :
    - لديه شاليه في مكان ما ، أظنه الشاطئ الأزرق.
    فالتفت إلى أحد أعوانه آمرا : " أرسل إشارة إلى اللاذقية و ليدعوه يحضر في الحال " ثم سألني الضابط ثانية : " من أين حصل صبي كهذا على مسدس من أحدث طراز ؟ " فأجبته : " والده كان ضابطا كبيرا ، المقدم نذير الملاح ، ألم تسمع به ؟ و لديه خزانة ملأى بجميع أنواع الأسلحة أهديت إليه بمناسبات متعددة عندما كان مديرا لإحدى المؤسسات العسكرية . "
    حضر الآن متخصصون بالأدلة الجنائية و معهم مصور بدأ للفور بالتقاط صور للقتيل و ما حوله، فأمر الضابط حشد النساء و الرجال من الجيران بالمغادرة كي يتمكن هؤلاء من القيام بمهامهم و لكنه أبقى على سيدة مسنة و رجلين لأغراض التحقيق .
    سأل المحقق السيدة : " ماذا شاهدت عندما دخلت غرفة المجني عليه ؟ أجابت بأسى : " كان تحت الفراش ! "
    " تحت الفراش ؟ " لم غيرتم وضعه ؟ " سأل مستاء ، فأجابته : " رفقا بأعصاب أمه " فصاح المحقق غاضبا : " هذا خطأ ، عند حدوث جريمة يجب ترك كل شيء على حاله ، نبهنا إلى ذلك بواسطة الإذاعة و التلفزة " فأجابه أحدهم : " إنها ليست جريمة سيدي ، إنه إنتحار ! فصاح في المحقق في وجهه حانقا :" و ما يدريك أنت يا أخانا ؟ تفضل و خذ مكاني إذا لم يعجبك كلامي "
    دخل الآن ماجد ، ما أن رأى أخاه حتى أخذ يصيح و يبكي و يضرب رأسه بالجدار ، و عندما دخل حسام ، تسمر في مكانه فاغرا فاه و كأنه تمثال شمعي !
    قال المحقق و قد بدأ ينفذ صبره و بشيء من الغلظة :
    - حسام ، تماسك و أجبني على أسئلتي : " لقد وجدنا عبوة الذخائر فارغة ، فمن كان يستعمل المسدس و هل المغدور يعرف إستعماله ؟ "
    - حد علمي ، أن أسلحة أبي في الخزانة و أن مفتاحها دوما معه .
    - كانت الخزانة مفتوحة ، فكيف تفسر ذلك ؟ أين كنت أنت عند حدوث الجريمة ؟
    - الجريمة ؟
    تساءل حسام مشدوها ، فأجابه المحقق :
    - نعم جريمة، إن أحدا ما من أهل البيت ، دخل فارتكب الجريمة ، ثم غطى الضحية بالفراش ، و تسلل من ثم هاربا .
    أحس حسام كأن المحقق صفعه ، فأجابه مستاء :
    - تعني أن أحدنا مشبوه ؟ هل يقتل الأخ أخاه ؟ هل تقتل الأم ولدها أو يقتل الأب فلذة كبده ؟ نحن عائلة مترابطة يا سيدي و نحب بعضنا بعضا .
    قطب المحقق جبينه و رد عليه بما يشبه الصياح :
    - لا يخدعني هذا الكلام المعسول ، ثم أنا من يطرح الأسئلة و أنت عليك الإجابة ، و الوقائع التي أمامي تشير إلى وجود مغدور في هذا البيت ، ويجب أن نعرف من غدر به ، و سنعرف !
    كان متخصصو الأدلة الجنائية ، قد نقلوا سامر إلى مكان آخر و أخذوا يتفحصون فراشه -و سريره و جدرانه ، و فجأة نادى رئيسهم للمحقق ، فقد عثر على بعض الأدلة الهامة ، قال له بثقة :
    - وجدنا المسدس تحت الجثة ، ثم أنظر إلى هذه الثقوب في أسفل الفراش ووسطه ، كل منها كان فيه رصاصة ، يبدو أن الصبي كان يدرب نفسه على إستخدام المسدس تحت الفراش و الأغطية بحيث لا يسمعه أو ينتبه إليه أحد ، و يبدو أن توازنه خلال التمرين الأخير قد اختل لتنطلق الرصاصة إلى أنفه و ربما هي مستقرة في مخه ؛ ليس في الأمر جريمة و كذلك فإن الصبي لم ينتحر . و لكنني سأحمل كل شيء إلى المختبر كما سأرسل الجثة إلى مركز الطب الشرعي حيث سنجري مزيدا من الفحوص ثم أوافي النيابة العامة بتقريري النهائي الذي سأرسل لك نسخة منه .


    *****

    دخل نذير بك باب العمارة ، هكذا كانوا ينادونه ، و توجه رأسا نحو المصعد ، تقدم منه أحدهم : " البقية بحياتك " لم يجبه ، و استمر في صمته إلى أن بلغ داره ، و على أقرب كرسي جلس مذهولا تماما ، سأل الجدة : " كيف انتحر و ما السبب ؟
    فأجابه حسام : " لم ينتحر ، كان يتدرب على استخدام السلاح "
    - ألم ينتبه إليه أحد ؟
    - كان يتدرب تحت الفراش
    أحس نذير بك بنغزة في قلبه فوضع يده على صدره . و لكن حسام أضاف :
    - ترك لك المحقق هذه الرسالة يطلبك غدا صباحا لإستكمال التحقيق .
    - أين أمك ؟
    - منهارة تماما و حملوها إلى المستشفى .
    - و أين ماجد
    - منهار هو الآخر و أخذه أخوالي إلى بيتهم .
    نفث نذير بك زفرة حرى و هو يقول : " سامحك الله يا سامر! لطالما نبهتك أن حمل السلاح خطر على صاحبه أكثر من خطورته على الآخرين " و إلتفت إلى حسام و الجدة قائلا بأسى بالغ :" لقد قتله فضوله ! "
    أما أنا فهمست في داخلي : " و أنت أيضا مسؤول يا نذير بك "
    ---------------
    * نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
    الموقع : www.FreeArabi.com

  2. #2
    الفضول سلاح ذو حدين ولكن السؤال ماهو المصدر الذي اتى منه هذا الفضول؟
    نص انساني مؤلم جداجدا
    تحيتي لابداعك استاذنا
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    الفضول سلاح ذو حدين ولكن السؤال ماهو المصدر الذي اتى منه هذا الفضول؟
    نص انساني مؤلم جداجدا
    تحيتي لابداعك استاذنا
    أختي المبدعة ريمه
    الفضول حاجة أساسية تولد مع الإنسان
    لغرض التعرف على محيطه
    ***
    كل الإمتنان لزيارتك و مشاركتك القيِّمة
    مع عميق مودتي و تقديري
    نزار

المواضيع المتشابهه

  1. قسم - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-22-2016, 10:48 AM
  2. المتشردة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-04-2012, 10:43 PM
  3. إشاعة 3 - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-21-2011, 01:51 PM
  4. عيب - ق ق ج - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-12-2009, 08:42 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •