نشر الأستاذ على العمري تحت عنوان روح الرقمي في منتديات أقلام على الرابط:
http://montada.aklaam.net/showthread.php?t=1640
أهلا وسهلا بالجميع..
بينما يظن كثيرون بأن علم العروض –وعلى لسان أول فرسانه- قد قال كل ما لديه ومضى مغلقا الباب خلفه؛ تأكد الدراسات والبحوث العروضية اللاحقة على اختلاف مصادرها ومواردها العكس..
فمنذ زمن ما بعد الخليل وعلى يد تلميذه المشاكس الأخفش وحتى زمننا الراهن والعقل العروضي يقدم جديدا إثر جديد, ويدّشن في مسيرة الوعي بالمنهج الخليلي تقدما بعد تقدم.
وخلافا لكثير من المطروح على طاولة النقاش العروضي ؛ يأتي العروض (الرقمي) لا لليتطاول على الخليل ويحط من شأن عمله الرفيع -كما حاول بعض الدارسين بنظرياته التي ذهبت من حيث أتت- ولكنه جاء ليقول للخليل: أنت عبقري فذ, وما قمتَ به معجزة تاريخية تستحق الكثير من الإعجاب والتأمل, وعملي ليس أكثر من محاولة اكتناه وإعادة صياغة, فاسمح لي أن أغوص في نتاجك الفكري المتميز وأخرج بدرر أبعاد جديدة سيظل الفضلُ فيها كل الفضل لما أبدعته أنت, إذ ما أنا إلا متأمل حاول استبعاد السطحي الذي استعنتَ به أنت ربما للشرح والتقريب والتفهيم.
من هنا يقدم العروض (الرقمي) رسالته كأداة بحث شمولية تنظلق من العمق نحو العمق, مؤكدة التماهي التام بين البُنى الخليلية المجردة عن القوالب اللفظية (التفاعليل) وبين البُنى الإيقاعية الشعرية كما أقّرتها الذائقة العربية المنبثقة من الفطرة الناهضة كأساس لبنية العقل العربي الخالص, ومهّيئة الجو لانبعاث دراسات أخرى في مختلف جوانب التراث وأنساق المعرفة الإنسانية كما هو الحال في م/ع.
هذا يعني أن (الرقمي) يقودنا إلى استنطاق الجوهر بعيدا عن الأعراض الملاصقة والمخالطة له, وفي حين يقدم لنا ظاهريا تفاصيل عروضية غائبة , يقدم لنا فكريا حقائق وتصورات يمكننا استلهامها لمزيد من الإلمام بطبيعة بنية هذا العقل , والتيقنُ من أن فاعليته كَمُنَت في تجاوزه للجزئي بحدوده المصطنعة واعتماده في البناء والتناول على أساس الكل والشمولية, حيث لا تعدو الجزئيات (التفاصيل) والتجزئة كونها مرحلة من مراحل التدوين والوعي, وأن في اتخاذها أساس انطلاق ما يجعل الباحث لا يظفر بتصور كامل وشامل للأشياء يمكنه بواسطته فهم الفلسفة الخاصة التي تنتظمها جميعا, كما لا يقدم له قانوا مضطردا يتيح له وبواسطته اللجوء إليه كل حين مؤسسا أو دارسا.
إن (الرقمي) يتجاوز بما يخلق من آفاق ويتيح من إمكانات وطرق معالجة واستنباط وجوده الظاهري كنظرية عروضية رائدة إلى وجود يتسامى ليشّكلَ منهج تفكير شامل معنّيٍ بفلسفة الأشياء وبلورتها والربط بينها ربطا منطقيا نافيا للإبهام وفاتحا أمام مرتاده بابَ إقامة الفرضيات ومعالجتها بعيدا عن التناول التقليدي المحدود بسياقات مخصوصة دون أن يعني هذا أن (الرقمي) ينفي تأثير مثل هذه السياقات أو يمنع من الالتفات إليها, فهو لا ينفي ولا يمنع غير أنه يأّطرها ومن ثم يتعامل معها كعنصر مساعد لا كنقطة انطلاق, وهذا هو -على التحقيق- الحد الفاصل بين (الرقمي) وسواه.
وإني إذ أدون ما أدون هنا فليس لأقرر حقيقة غائبة أو أنبه إلى مغفول عنه وإنما لأسجل توقيعي كمعجب مندهش أمام هذا الفتح المبين الذي وّلده البحث العروضي الجاد على يد أستاذنا خشان خشان -أمتع الله به ونفع- والذي أرى فيه خط امتداد ونقطة تحول للخليل وللمسيرة العروضية عبر العصور.
كانت هذه إطللالة عجلى ولعلي أعود بين فينة وأخرى بحفنة من بهاء العروض متى خطرت بذهني خاطرة أو لاح من جانب العروض تساؤل متّمما أو مقّوما ما لدي بما لديكم إذ الحال كما قال الأول:
عقلُ الفتى ليس يغني عن مشاورةٍ=كعفة الخود لا يتغني عن الرجلِ..
أملي أن تنوروا هذا القسم من المنتدى بزياراتكم الدائمة, وأن تثروه بإضافاتكم القيمة استكمالا لما بُدِأَ واستحضارا لما غاب وإحياء لما اندثر في جانب مشرق من ألمع جوانب العبقرية العربية وما أنتجته من مادة ثقافية شاملة عبر أبعادها المعرفية الممتدة.
وللكل كل الود.
---------------
وأجبته هناك بما يلي:
أخي الكريم الأستاذ علي العمري
أسعدني ما تفضلت به هنا. ذلك أن قلة يدركون رسالة الرقمي وانبثاقه من مرجعية وفكر الخليل في شموليتهما كما يستنتجها الدارس لصور البحور والتفاعيل كما أوردها الخليل وكما تشير إليها بوضوح دوائر الخليل.
أتمنى أن يتنامى عدد الفاهمين لرسالة الرقمي وشموليته ليثمر حراكا فكريا يرتقي بالعروض خاصة ويشجع التناول الفكري العربي لشتى الأمور عامة. بعد أن كان الاستظهار يحظى بالنصيب الأوفر.
لك مني أعمق التحية وأدعو الله أن يكلأك بعنايته.
http://www.arood.com/vb/showthread.p...1452#post31452
[web]http://www.arood.com/vb/showthread.php?p=31452#post31452[/web]