ماذا يجري في أوسلو
.......
انها جولة أخرى للسوري التائه في الأرض، قامت هذه المرة بمبادرة من الحكومة النرويجية ومعهد بروكينغ الامريكي للسلام، وبتنسيق وتعاون مع الموفد الأممي الجديد ديمتسورا.
الفكرة واضحة تماما… مساحة جديدة للحوار بين السوريين، على أرض محايدة، والهدف هو بناء الدولة السورية ومنع انهيار البلاد، وفي هذا المعنى لا يختلف هذا اللقاء عن عشرات اللقاءات المماثلة التي جرت في اوروبا هذا العام للوصول إلى حل ينهي عذابات السوريين.
والخارجية الترويجية معنية بالكارثة السورية فلديهم آلاف اللاجئين الإنسانيين من سوريا، ولديهم إدارة خاصة في الخارجية لازمات الشرق الأوسط، وهم يتحملون هنا جانبا من دورهم الأخلاقي والإنساني في إنهاء الصراع.
الأسلوب هو الدبلوماسية المعروفة بالمسار الثاني، تراك تو، والمقصود بالطبع الابتعاد عن التمثيل الرسمي للسلطة والمعارضة، فقد قامت جنيف من قبل بمحاولة جمع الممثلين الرسميين للنظام والمعارضة، ووسط جو انفعالي مشؤوم، حضر فيه النظام ببراميله وحضرت المعارضه بمدافع جهنم، وغاب غصن الزيتون، واكتفى الروسي والأمريكي بالتفرج على اللقاء، وقضى كيري ولافروف ليلة جميلة في مونترو ليحضرا الجلسة الافتتاحية، ويلقيا سلسلة مواعظ عند الصباح حول الوفاق والمصالحة من روح الشاعر العربي الشهير كونوا جميعا يا بني اذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا…..، ولكن الروسي لم يضغط على النظام ليرسل وفداً وفاقيا تصالحياً ببرنامج مسؤول، والأمريكي لم يضغط على المعارضة لتأتي بالفعل بمن يمثل هذا الشعب المنكوب ويملك مشاريع انقاذ حقيقية….. ولم يستطع الأخضر الابراهيمي أن يفعل شيئاً أكثر من الاعتذار للسوريين وتقديم استقالته.
وفق رؤية المنظمين للقاء فالمسار الثاني يهدف إلى تقريب وجهات النظر، ويستهدف شخصيات وطنية غير رسمية في السلطة ولا في المعارضة، وقد حضرت شخصيات وطنية مستقلة ومعارضة ذات سمعة طيبة في الشارع السوري ولكن للأسف لم يوافق النظام على السماح لشخصيات مؤيدة له بالمشاركة في هذا اللقاء….
نفس المخاوف المؤامراتية يطلقها صقور المعارضة والنظام على السواء، وهي اتهامات جاهزة في العادة وتفرض على كل من يفكر بالعمل من أجل سوريا أن يكون مستعداً لتلقي الاتهامات من كل جانب، وقناعتي أن هذا اللون من الاتهام الجاهز أمر لا مفر منه، ولم يعد في سوريا شخصية عامة لم يتشنشل عرضها على ألسنة القادحين واللمازين على قارعة الطريق.
عرضت الحكومة النرويجية على النظام السوري عدة خيارات للمشاركة في لقاء أوسلو، أن يرسل وفدا رسميا للحوار، ان يأذن بالمشاركة لسوريين مؤيدين له يمثلون وجهة نظره يحضرون من الداخل، وفي النهاية ان يرسل مراقبا رسميا ليدون ما يجري في المؤتمر، للاسف كل هذا الخيارات بدت امام النظام تدخلاً في (السيادة الوطنية) وهي السيادة التي تحميها اليوم ببسالة كتائب أبو الفضل العباس العراقية وحزب الله اللبناني والدعم الروسي والحرس الثوري الايراني، وأخيراً القوات الأمريكية التي تقصف سوريا بدون إذن ويصر عليها وليد المعلم بأن تأخذ الإذن لقصف المدن السورية ويؤكد أن الإذن جاهز، ويمكن إرساله بالديليفري حسب الطلب، ولكن الأمريكي الأزعر لم يطلبه أصلاً من النظام.
وهكذا رفض النظام الاقتراحات البناءة ورأى أن من الأفضل ان لا يتجاوب مع أي اقتراح، وان يكتفي بما يكتبه له مخبرون سريون مشاركون، هم في العادة اصحاب الطروحات الاكثر استئصالية والرافضة للحوار مع النظام في اي حلال او حرام….
داعش لم تحضر، ولم تدع أصلاً فليس للجماعة حتى الآن صندوق بريد ولا حساب ايميل ولا ناطق رسمي حتى يمكن التفاهم معهم، ولم يصدر عنهم في سر أو علن أي نية بالتفاهم مع أحد.
غاب النظام في موقف لا يمكن تفسيره بأكثر من موقف غير مسؤول، فهو يتحدث عن انتصاراته ويرى أن الأمور تجري بخطة حكيمة ومدروسة وسينتهي كل شيء في آخر الشهر…. وهو نفس التقرير الذي كان يتلى علينا في مجلس الشعب قبل ثلاث سنوات ونصف عجاف داميات باكيات، (كل شيء سينتهي في آخرالشهر)
يكتفي النظام بما يقدمه تلفزيونه عن بطولات الجيش السوري الباسل، ويصور صواريخه الرهيبة في منصة الإطلاق وأمامها عساكر شامخو الرؤوس، ولكنه لا يقول شيئا عن أماكن سقوط هذه البلاوي الزرقاء على رؤوس العباد، وما تسببت به سياسات الحل العسكري من مئات آلاف الشهداء وملايين المنكوبين والوطن المدمر.
يتحدث النظام عن انتصارات… وهو لا يملك من معابره المفتوحة على الخارج الا خمسة من اصل اثني عشر معبرا، ولا يملك قطرة نفط من ثروته الوطنية، ولا يستطيع مسؤولوه الوصول الى سبعين بالمائة من مراكز المدن السورية، ولا يستطيع وزير خارجيته ان يصل الى أي من عواصم العالم باستثناء الدول الداعمة له في الحرب.
نظام يقول انه منتصر ولكنه يعجز عن توفير الدراسة لجيل كامل من السوريين يقدر بستة ملايين، ويهرب من سياساته ومعاركه وبراميله نحو تسعة ملايين يعيشون بدون سكن، ثم يكرر لا مبالاته بالسوريين ويطل عليهم قائلاً: ان السوريين الذين غادروا سوريا هم في الواقع اما مجرمون مطلوبون للعدالة أو خونة يبحثون عن الارتهان وفي الحالتين فان البلاد تتنظف منهم بشكل طبيعي.
لا أكتب هذه الكلمات تفشيشاً أو ثأراً، وإنما أكتبه بالفعل بداعي وضع الامور في نصابها، يجب أن يدرك النظام أنه في أزمة، وأن أموره ليست بخير، وأنه بحاجة لشعبه الرافض لسياساته، والمتمرد عليه، وأن هذا الشعب على الرغم من خلافه مع النظام فإنه لا زال يؤمن بالوطن ويعمل على وحدته، والنظام التي يتوسل أمريكا لاقناعها بالتعاون من اجل ضرب الارهاب، أولى به أن يتواصل مع شعبه، وأن يصلح ما بينه وبينهم، وأن يرسل الدعوات تلو الدعوات والوسطاء تلو الوسطاء من أجل البحث عن السوريين في كل مكان وتأمين عودتهم بأسرع وقت وإنهاء الظلم والاحتقان والقهر الذي دفع الناس لاعلان الثورة.
شرح السوريون ظروفهم وظروف اهليهم من ورائهم في الخيام، منهم من اخرجتهم براميل النظام وآخرون أخرجهم قتال الفصائل، وآخرون أخرجتهم تهديدات داعش، وآخرون أخرجهم الحصار والجوع والعطش وانقطاع الكهرباء والبحث عن ظروف لحياة أقل ذلا، بعد ان فشلوا في العيش بظروف اكثر كرامة.
الاطياف التي شاركت تعكس في الواقع معظم التيارات السورية في الداخل والخارج باستثناء النظام، فقد حضرت المعارضة الناعمة والخشنة والمسلحة والتفاوضية والحربية والسلمية… بالطبع لا نستطيع ان نزعم ان الحاضرين يمثلون كل مستقل أو معارض، إنها عينة مختارة من الناس تكفي لفهم صورة المشهد، وتشكل دعوة للنظام أن سوريين كثير لا يؤيدونه ولا يدعمونه ولكنهم يدعمون الوطن ويعملون لمنع انهيار الدولة.
كم كنت أتمنى بالفعل أن يحضر مثقفون وأكاديميون مؤيدون للنظام وأن يقفوا أمام إخوتهم في الوطن ويقولوا لهم: نحن شركاء في حماية الدولة، والوطن للجميع، ونحن نحتاج دعمكم لنقوم بواجبنا في تأمين عودة السوريين وبناء البلاء، وكم كنت أتمنى أن أسمعهم وهم يقدمون حجج النظام وبراهينه في أسلوب تحقيق الأمن وأن يستمعوا بالتالي لإخوتهم في الوطن وهم يشرحون عذاباتهم من الحل العسكري والأمني، لعل منصة جديدة من الحوار تؤسس للقاء أبناء الوطن الواحد.
هل سيدرك النظام مسؤوليته الأخلاقية التي سيحاسبه عليها التاريخ، وهل يوفر ظروف الحوارالناجحة على أرض الوطن، وأولها بكل تأكيد تحييد الجيش عن الصراع ووقف التغول الأمني على حياة الناس، والاعتراف بأن الإدارة العسكرية والأمنية للأزمة هي التي تتجمل المسؤولية الكاملة عن جر البلاد إلى هذا المصير الأسود.
ذات يوم سيدرك العلم الأحمر والعلم الاخضر أن سوريا تتسع للجميع وأنه لا حل الا بالعودة إلى كلمة سواء.
http://all4syria.info/Archive/164289