القزمة
جلست في غرفتي ، وحيدة ، لا أقوى على الحركة ، أفكر أن أقاوم الحالة البائسة التي أنا فيها ، ولكن قدميّ لا يطاوعانني ، أظل جالسة على سريري ، لا اقدر على الحركة ، ترد الى راسي رغبة في القيام ، ولكن جسمي لا يحب الامتثال..
اسمع نداء أمي ، يأتيني ، بإلحاح ،
•- مها ، ابنتي ، هيا انهضي ، حان أوان الانصراف.
أزيح الغطاء الثقيل عن جسدي ، برهة ، تتصارع في داخلي أفكار ، متناقضة ، كل منها يأخذ بيدي إلى جانب ، نوازع مختلفة تتصارع ، يقلقني ما حل بي ..،
ولماذا اُخترت أنا من دون خلق الله الآمنين ، أن يمثل معي تلك المسرحية الهزلية ، لاستدرار الضحك من أفواه البائسين ؟
•- مها ، ابنتي هيا انهضي ، الحليب ساخن.
فجأة وعلى غير توقع مني ، اسقط صريعة للتردد ، وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب ، موقف محدد يلزمني ، لماذا أصبحت هكذا هشة ؟ ولقد عُرف عني سرعة البديهة ، والذكاء المتوقد ، هل يمكن أن تغير كلمات قليلة ، من توجه إنسان ، وتجعله عاجزا عن الحركة ، بعد أن كان الجميع يشهد بنشاطه الكبير ؟
•- مها ، ابنتي ، جميعنا ينتظر..
أحاول أن استجيب للنداء المتكرر ، ولكنّ فكرتين متصارعتين تمسكان بي ،
أنجزت كل واجباتي بمنتهى الكمال ، أدّيت امتحانات نهاية العام ، بمهارة ، أنتجت تفوقا كبيرا ، مثيرا للإعجاب ..
•- مها ، حبيبتي ، هذا آخر نداء ، أنت حرة..
اجتمعت الطالبات في الساحة الكبيرة ، وزّع المدير الشاب نتائج الامتحانات ، كل طالبة تسمع ملاحظات الهيئة الإدارية ، وكلمات الأساتذة ، عن اجتهادها ، ومستواها الدراسي والأخلاقي..
لماذا أصبحت منهكة القوى ؟ خائرة الإرادة ؟ بعد ذلك النشاط الغريب..
•- مها :طالبة مجدّة ، خلوقة ، هادئة ، تحظى بتقدير الجميع..
أحاول أن اجعل قدمي تستجيبان لإرادتي ، وتقدمان على النهوض ، والإسراع للالتحاق بركب الصديقات ، رأسي يحيط به الخواء ، لم اعتد على هذه الحالة ، ان تنازعني الهموم ، وان تسودّ الطرق ، ويضمحلّ الوضوح..
يواصل المدير الوسيم مديحه لي ، كم يستهويني كلامه الجميل ، غيث يسقط على الأرض الجديبة ، فيحيلها خضراء.
تنطلق همهمة من بعض الطالبات ، كلمات المدير تنقلني إلى عوالم سحرية..
- أحرزت مها نتائج رائعة ، درجاتها عالية ونهائية في معظم الدروس ، أخلاقها رفيعة
وأنا أطير فوق السحاب ، تنزل بي الهمهمة إلى ارض سحيقة ، اسمع صوتا مألوفا يهمس :
•- لكنّها قزمة..
تنبعث الضحكات المكتومة ، أتظاهر إنني لم اسمع ، والوصف ذاك يرعبني ، تر مّضني حقيقته..
لماذا أصبحت بهذا العجز ، وأصابني الذهول بعد كلمة واحدة ، وكنت واثقة منها ، مدركة لوجودها ، أ لأنه سمعها بملء الأذنين ؟
أحاول أن انطلق من فراشي ، والتحق بدروسي ، رنين تلك الكلمة يلاحقني ، يئد قوتي ، يبيد ما اتصفت به ، من رباطة جأش وقوة إرادة ، أفكر أن انهض ، وأبدد ما اعتراني من ضعف ، وشعور بالانهزام ، ومن تردد ، لماذا تؤلمني هذه الصفة ؟ والله قد أنعم عليّ الصفات الحسان ، أسمعوني إياها في الصغر ، وكانوا يلحّون في ترديدها حين كبرت ، استدار جسمي ، وظهرت به معالم الأنوثة والجمال ساطعة ، وبوضوح كبير..
•- قزمة ، قزمة ، قزمة
نعم. أنا قزمة ، رغم جمال الوجه ، وتناسق أعضاء الجسم ، رشاقة واضحة ، وبسمة دائمة ، وذكاء متوقّد ، ماذا كنت أتوقع ؟ حقا أنا قزمة ، وبشكل واضح لا يمكن إنكاره ، ومهما انتعلت من أحذية ،عالية الكعوب ، فانا قزمة ، وبجدارة.
ولعله يدري بهذه الحقيقة ، التي يدركها كل ذي نظر..
يصفو ذهني ، تعود إليّ إرادتي ، أنهض من سريري ممتلئة نشاطا ، عازمة على آن اخط لنفسي مسيرتها الناجحة
صبيحة شبر