اقرأها بقلب متأمل , قالها صاحب عقل فلسفي عاد به عقله إلى الشرد بعد الركض في ميادين الفلسفة والتشكيك
حتى هداه عقله إلى وجود الله فأثبت عظمته في هذه المقطوعة البديعة:
1- من مظاهر عظمة الله
إذا ما اتجه الفكر في السموات حيث انتثرت النجوم في الليل, وإذا ماكل البصر فيما لا نهاية له من الأفاق , وإذا ما خشعت النفس من رهبة السكون الشامل فأنك تشرق بوجهك الكريم , وتحس بعظمتك النفس الخاشعة المطمئنة , حينئذ تبدو الأفاق المظلمة كأنها باسمة مشرقة ويتحول السكون إلى نبرات مطربة وتتغنى النفس الخاشعة لتقول" أنت أنت الله "
2-من مظاهر عظمته وقدرته
وإذا ما كان المتأمل على شاطئ البحر الخضيم , وأرسل الطرف بعيدا بعيدا , حيث تختلط زرقة الماء بزرقة السماء , وحيث تتهادى الفلك ذات الشراع الأبيض كأنها طائر يسبح في النعيم , إذ ذاك يشعر المتأمل بعظمة واسعة دونها عظمة البحر الواسع , وإذ تقر العين باطمئنان الفلك الجارية على أديم الماء الممهد , وفي رعاية الله تعالى حيث يكون مظهر العظمة , وحيث تطمئن لرؤية ما تطمئن إليه , إذ ذاك يدق الفؤاد دقات صداها في النفس :" أنت أنت الله"
3-من مظاهر رحمته
وإذا ما انطلقت الفينة بعيدا في البحر اللجي , وهبت الزوابع , وتسابقت الرياح , وتلبد بالسحب الفضاء , واكفهر وجه السماء , وبرق البرق ورعد الرعد وكانت ظلمات بعضها فوق بعض , ولعبت بالسفينة الأمواج , وتربص بها الموت , وأشرفت على الغرق إذ ذاك يشق نورك هذه الظلمات والمسالك , وتحيط رأفتك بهذه الأخطار والمهالك , وتصل بحبال نجدتك المكروبين البائسين , وإذ ذاك يردد القلب واللسان : "أنت أنت الله"
4- من مظاهر قدرته ودوامه وبقائه
وإذا ما اشتد السقم بمن أحاطت به عناية الأطباء , وسهر الأوفياء , ونام بين أمال المخلصين , ودعوات المحبين , ثم ضعفت حيلة الطبيب , ولم ينفع وفاء الحبيب , واستحال الرجاء إلى بلاء إذ ذاك تتجلى مستويا على عرش عظمتك , والنفوس جازعة , والأيدي راجفة , والقلوب واجفة , لتقول : " أنا قضيت " ويقول الطبيب والحبيب والقريب " لك الأمر أنت أنت الله "
5-من مظاهر جماله وجلاله
وإذا ما وقعت العين على زهرة تتفتق في الأكمام , أو تلاقت العين بعين يملؤها الحسن والابتسام , وإذا أعجب المعجبون بجمال الفجر , وتغريد الطير , وعاود الصدر انشراحه , وملا القلب ارتياحه إذ ذاك يشرق في قلوبنا نورك الجميل فنراك " أنت أنت الله "
فيما يمس النفس من مظاهر العظمة , ومظاهر الرحمة , ومظاهر القدرة , ومظاهر الدوام والبقاء , ومظاهر الجمال والجلال اعتاد الناس أن يصفوك بالعظيم الرحيم , والقادر الدائم , والجميل الجليل , وأوتار القلوب تردد : " أنت أنت الله " .