القشلة بين معالم بغداد

[عثمان آل غفار]

(القشــلة) وبرجــها وســاعتها شيـدت من حجارة سور بغداد الشـرقية

تشكل عملية العودة الى التراث والآثار مصدراً لدراسة الماضي.. دراسة تعطيك الصورة والكيفية التي كان عليها النظام الذي يرتبط بهذا المعلم الحضاري ومدى جدارته بالدراسة والاطلاع عليه من خلال الفن المعماري والاشارة الى رُقي ذلك العهد الذي ينتمي اليه هذا التراث وتلك الآثار القائمة على ارض الوطن، فالقشلة رمز وطني بغض النظر عمن صنعها واقامها لكونها دخلت ضمن مفهوم الامتلاك والحيازة الوطنية وصُنفت بأنها تراث وآثار.
إنّ هذه المعالم الحضارية كثيراً ما تتواجد في العاصمة باعتبارها مقر الحكم ويجب أن توفر الظروف الموضوعية والاستعدادات الفنية والرعاية المباشرة من الحاكم المسؤول من أجل المحافظة عليها وهذه ميزة تميزت بها العواصم عن سائر المدن الأخرى.

وعليه فان الحفاظ على هذه المعالم الحضارية يكون من صلب مهمات أمانة العاصمة أو دائرة الآثار رعاية وترميماً وتطويراً، فضلاً عن إضافة ملامح عصرية اكثر حداثة، وضمن هذا المفهوم الوطني فإن الأمانة قد أولت هذا الجانب الآثاري جلّ عنايتها منطلقة من أهميته وقيمته التاريخية الحضارية ولها كادرها المتخصص الذي يقوم بايلاء هذا الجانب أهمية الاعمار والحفاظ عليه بالمواصفات التي شُيد بموجبها وتطبيق المستلزمات الآثارية حتى يبقى كما أنشئ أول مرة، وما القشلة الا واحدة من بين الآثار المادية التي تتميّز بها بغداد وهي موضع اعتزاز البغداديين لكونها تراثاً من الماضي القريب شيد بمستوى عالٍ من الفنية العمرانية، فق شيدت القشلة على شكل حرف ( ل ) العربي وأصل الكلمة عثمانية تُلفظ (بياره سي) ومعناها (ثكنة المشاة) وقد خصصت في العهد العثماني لمشاة الفيلق السادس العثماني الذي كان مقره بغداد وكانت غرفها لسجن الهاربين من العسكرية أو مرتكبي الجرائم وساحتها الواسعة للتدريب العسكري، وحينما احتل الانكليز بغداد حولوها الى مقر لدوائرهم وساحتها هُيأت لكرة القدم وعندما تُوّج الامير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق اصبح بلاطه في جانب منها وجميع وزاراته فيها على مقربة منه كان يسكن دار المشيرية المطلة على دجلة، وهي من المباني المهمة في بغداد، يطل برج ساعتها الشاهق على دجلة، وقد بدأ بتشييدها الوالي نامق باشا الكبير عام (1861) وطولها (160) متراً وعرضها (60) متراً وعرض بنائها بما فيه غرف الطابق الارضي والعلوي(25) متراً وكانت تطل على حديقة واسعة تشرف على نهر دجلة في ضلعها الجنوبي وفي منتصف هذا الضلع شُيد برج الساعة.
استغرق بناؤها عشرة سنوات تعاقب على بنائها ثلاثة ولاة فبعد نامق باشا جاء الوالي تقي الدين باشا عام 1867 ثم تلاه مدحت باشا عام 1871م فكملت في عهده، إن ارتفاع البرج ثلاثون متراً وعرض أبعاده الأربعة عند الأرض اربعة أمتار ويأخذ بالضيق تدريجياً صعوداً الى الاعلى، وقد قام الوالي مدحت باشا بهدم سور بغداد الشرقي وشيد من حجارته وطابوقه مبنى القشلة بما فيه البرج يوم فقدت الاسوار أهميتها الأمنية في الحفاظ على المدينة بعد ظهور المدافع، يوجد في داخل البرج سلّم حلزوني يحتوي على (73) درجة تطل عليه نوافذ للتهوية والإنارة وعلى ارتفاع (23) متراً من الأرض احتوى البرج على غرفة مربعة الشكل، وضع فيها مكائن الساعة التي تُدار عقاربها للجهات الأربع بحسب التوقيت الزوالي والغروبي وتُدار مكائنها بالنصب اليدوي من مختص يقوم بنصبها مرة كل ثلاثة أيام وفوق غرفة مكائن الساعة غرفة بنافذتين شمالية وجنوبية نُصب فيها الجرس الكبير الدقاق المطابق لوقت الساعة وقطره متر وارتفاعه متر ونصف مُعلق بسقف الغرفة ولدقاته رنين عالٍ جداً قيل في وقتها أنه يستخدم لايقاظ الجنود قبل الفجر ولمعرفة الوقت بالنسبة للكرخيين والرصافيين.
إنّ مفتاح نصب الجرس كبير يُدار باليد واختار المهندس تشييده بالقربة من نهر دجلة ليساعد الماء على إيصال صوته الى أبعد مكان ممكن.. وقد نصب فوق غرفة جرس الساعة وعلى قمة البرج سهماً كبيراً فوقه مزولة تتجه حسب قوة الريح لمعرفة وجهتها، وبعد انسحاب العثمانيين من بغداد اثر سقوط دولتهم واحتلالها من الانكليز عام 1917 أهمل أمر هذه الساعة حتى 1918 حيث أمر ناظر المالية الميجر سيبلتر بتصليح الساعة وتشغيلها وترميم بناية البرج الذي مضى عليه في حينه - ما يقرب من نصف قرن وأعيد تشغيلها في 13/ آب/1920 اثر مقتل الكولونيل جيرالد ليچمن قائد البادية الشمالية على يد سليمان ضاري المحمود وتأثرت الجالية البريطانية في العراق والموالين للنظام البريطاني الجديد لمصرعه مما دفعهم ذلك الى جمع مبالغ من المال على شكل تبرعات لتخليد ذكراه في العراق وأعدوا له تمثالاً بلباس بدوي على ظهر بعير وبيده عصاه المعهودة وقد صنعوا التمثال من مادة البرونز واقترحت المس بيل معتمدة الشؤون الشرقية في دار المندوب السامي البريطاني أن يوضع هذا التمثال من باب المبالغة في التكريم لعميل المخابرات البريطانية السهم المشير الى اتجاه الريح فوق حرف (n) على برج الساعة كونه أعلى موضع في بغداد فكان لها ما أرادت وتم نصبه على قمة البرج في 5/6/1923 وقد جدد ترميم البرج، بقي التمثال كأداة التعريف باتجاه الريح لمدة خمس وثلاثين سنة حتى منتصف تموز 1958 وتم رفعه وانزاله من (عليائه) وظل السهم وحده الذي يشير الى اتجاه الريح.
وفي صيف عام 1927 قام الملك فيصل الاول بزيارة رسمية الى بريطانيا بدعوة من ملكها جورج الخامس أهدى ساعة كبيرة للملك فيصل الأول قامت بنصبها شركة مكدونالد الانكليزية في غرفة المكائن من برج الساعة بمحاذاة المكائن السابقة وأبقت الشركة واجهتي الساعة الشمالية والغربية على حروفها العربية وتعمل معها المكائن السابقة وفق الساعة العربية الغروبية على ما كانت عليه، وأبدلت أرقام واجهتي الساعة الشرقية والجنوبية من العربية الى الانكليزية وصارت تعمل على وفق المكائن الجديدة المهداة من ملك بريطانيا على التوقيت الزوالي الغربي وظلت تعمل بالنصب اليدوي كل ثلاثة ايام.
وختاماً يظل الزمن مع رديفه المكان تحت اصطلاح الزمكانية الذي يصنع الحضارة والمجد من خلال توظيف فكر الانسان بما ينسجم مع عملية التوازن العامة في ادارة عجلة الحياة اليومية ويعزز الحراك السياسي والتفاعل الثقافي والتكافل الاجتماعي والبناء الاقتصادي الاعماري عن طريق تجديد الحياة وتطبيق مقولة ( لكل زمان دولة ورجال).

من اعداد عثمان ال غفار

[ظميان غدير]

شكرا لهذه الإضافة القيمة عن بغداد
حماها الله وفك كربها/حبذا لو كان هناك بعض صور..

[رغد قصاب]

اول مرة اسمع عنها...
شكرا لك واكبر تحية لشعبنا العراقي المجيد
رغد

[عثمان آل غفار]

لكم مني كل الاحترام والاجلال حما الله بلادكم وسائر بلا المسلين --امين