الفصاحة
في اللغة: بمعنى البيان والظهور، قالى تعالى: "وأخي هارون هو أفصح منّي لساناً"
وفي الإصلاح: عبارة عن الالفاظ الظاهرة المعنى، المألوفة الإستعمال عند العرب.
وهي تكون وصفاً للكلمة والكلام والمتكلم يقال: كلمة فصيحة، وكلام فصيح، ومتكلم فصيح
فصاحة الكلمة
فصاحة الكلمة هي: خلوص الكلمة من الأمور التالية:
1. من تنافر الحروف، بأن لا تكون الكلمة ثقيلة على السمع، صعبة على اللسان،
2. ومن غرابة الاستعمال، وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى، ولا مألوفة الاستعمال عند العرب، حتى لا يفهم المراد منها، لاشتراك اللفظ، أو للإحتياج الى مراجعة القواميس، فنحو (مسرّج) و(تكأكأتم) غريب. قال الشاعر:
ومـقلةً وحاجـباً مـرجــّجا
وفــاحماً، ومــرسِناً مسرّجاً
3. ومن مخالفة القياس: بأن تكون الكلمة شاذة، على خلاف القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب، فنحو (الاجلل) مخالف للقياس، والقياس (الأجل) بالإدغام.
قال أبو النجم:
الــحمد لله الـعلي الاجـلل
الواحـد الـفرد الـقديم الأول
4. ومن الكراهة في السمع، بأن تكون الكلمة وحشية، تمجّها الأسماع، كما تمجّ الأصوات المنكرة، نحو) الجرشى) بمعنى: النفس.
قال المتنبي:
مــبارك الاسم أغــرّ اللقبْ
كريم الجرشّى شريف النسبْ
والحاصل:
انه إذا كان في الكلمة شيء من هذه الأربعة، كانت غير فصيحة، فاللازم على الفصيح اجتناب هذه الأمور.
فصاحة الكلام
فصاحة الكلام هي: خلوص الكلام من الأمور التالية:
1. من عدم فصاحة بعض كلماته، فإذا اشتمل كلام على كلمة غير فصيحة ـ كما تقدّم ـ سقط الكلام عن الفصاحة.
2. ومن تنافر الكلمات المجتمعة، بأن يكون بين كلماته تنافراً، فتثقل على السمع، وتَعسر على النطق، نحو هذين البيتين:
وقـب رحـرب بـمكان قفــرُ
وليس قـربَ قـبر حـرب قـبرُ
وقال أبو تمّمام:
كـريم متى أمـدحه والـورى
معي وإذا ما لمته لمته وحدي
3. ومن ضعف التأليف: بأن يكون الكلام جارياً على خلاف قوانين النحو المستنبطة من كلام العرب، كوصل ضميرين وتقديم غير الاعرف نحو: (اعاضهاك) في قول المتنّبي:
خلت البلاد من الغزالة ليلهـا
فاعاضهاك الله كــي لا تحزنا
4. ومن التعقيد اللفظي، بأن تكون الكلمات مرتّبة على خلاف ترتيب المعاني. قال المتنبي:
جفختْ وهم لا يجفخون بها بهم
شيمٌ على الحسب الأغر دلائل
والأصل: جفخت بهم شيمٌ دلائل على الحسب الاغرّ وهم لا يجفخون بها.
5. ومن التعقيد المعنوي: بأن يكون التركيب خفي الدلالة على المعنى المراد بسبب ايراد اللوازم البعيدة، المحتاجة الى إعمال الذهن، حتى يفهم المقصود.
قال عباس بن الاحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا
وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
أردا بجمود العين: الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء، وهذا خلاف المعنى المتفاهم.
6. ومن كثرة التكرار، بأن يكرر اللفظ الواحد، فيأتي به مرتين أو أزيد. قال الشاعر:
اني واسطار سطرن سطرا
لقائل يا نصر نصر نصرا
7. ومن تتابع الاضافات، بأن تتداخل الإضافات.
قال ابن بابك:
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي
فأنت بمــرأى مـن سعاد ومسمع
والحاصل:
انه إذا كان في الكلام أحد هذه الأمور السبعة كان غير فصيح.
فصاحة المتكلم
فصاحة المتكّلم عبارة: عن أن يكون المتكلم ذا ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود، بكلام فصيح، والملكة تحصل بطول ممارسة الكلام الفصيح، بأن يكون في بيئة عربية فصيحة، أو يمرّن نفسه بكلمات الفصحاء كثيراً، كل ذلك وللذوق مدخل عظيم.
في بيان الفصاحة
حكي أن رجلاً كان أسيراً في بني بكر بن وائل وعزموه على غزو قومه، فسألهم في رسول يرسله إلى قومه، فقالوا: لا ترسله إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم وتحذرهم، فجاؤوا بعبد أسود، فقال له: أتعقل ما أقوله لك، قال: نعم إني لعاقل، فأشار بيده إلى الليل، فقال: ما هذا؟ قال: الليل. قال: ما أراك إلا عاقلاً، ثم ملأ كفيه من الرمل وقال: كم هذا؟ قال: لا أدري وإنه لكثير، فقال: أيما أكثر النجوم أم النيران؟ قال: كل كثير، فقال: أبلغ قومي التحية، وقل لهم يكرموا فلاناً يعني أسيراً كان في أيديهم من بكر بن وائل، فإن قومه لي مكرمون، وقل لهم إن العرفج قد دنا وشكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب بأمارة ما أكلت معكم حيساً، واسألوا عن خبري أخي الحرث. فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملاً أصهب، ثم دعوا بأخيه الحرث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم، أما قوله: قد دنا العرفج، يريد أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح وأما قوله: شكت النساء أي أخذت الشكاء للسفر، وأما قوله: أعروا ناقتي الحمراء أي ارتحلوا عن الدهناء، واركبوا الجمل الأصهب، أي الجبل. وأما قوله: أكلت معكم حيساً، أي أن أخلاطاً من الناس قد عزموا على غزوكم لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا أمره وعرفوا لحن الكلام وعملوا به فنجوا.
-----------------
ودخلت امرأة على هارون الرشيد وعنده جماعة من وجوه أصحابه، فقالت: يا أمير المؤمنين: أقر الله عينك، وفرحك بما آتاك، وأتم سعدك لقد حكمت فقسطت، فقال لها: من تكونين أيتها المرأة. فقالت: من آل برمك ممن قتلت رجالهم، وأخذت أموالهم، وسلبت نوالهم. فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله، ونفذ فيهم قدره، وأما المال فمردود إليك، ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه، فقال: أتدرون ما قالت هذه المرأة، فقالوا: ما نراها قالت إلا خيراً. قال: ما أظنكم فهمتم ذلك، أما قولها أقر الله عينك، أي أسكنها عن الحركة، وإذا سكنت العين عن الحركة عميت، وأما قولها: وفرحك بما آتاك، فأخذته من قوله تعالى: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة" وأما قولها: وأتم الله سعدك، فأخذته من قول الشاعر:
إذا تم أمر بدا نقصه ترقب زوالا إذا قيل، تم
وأما قولها لقد حكمت فقسطت، فأخذته من قوله تعالى: "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" الجن: 15،، فتعجبوا من ذلك.
-----------------------
سأل هشام أبن عمر صبياً عربياً عن عمره..
فقال له: كم تعد يا فتى العرب ؟
قال الفتى: أعد من واحد إلى ألف وأكثر..!
قال هشام: لم أرد هذا, بل أردت كم تعد من السن ؟
قال الفتى: اثنان وثلاثون سناً في فمي, ست عشر فوق ومثلها تحت..!
قال هشام: لم أرد هذا أيضاً, كم لك من السنين؟
قال الفتى: قدرها الله سبحانه وتعالى..!
قال هشام: يا بني إنما قصدت أبن كم أنت؟
قال الفتى: طبعاً أبن أثنين, أب وأم..!
قال هشام: يا الله, أريد أن أسألك عن ما عمرك؟
قال الفتى: الأعمار بيد الله, لا يعلمها إلا هو..!
قال هشام: ويحك يا فتى لقد حيرتني, ماذا أقول لك؟
قال الفتى: قل كم مضى من عمرك؟!
-----------------
ذكر العتبى انه كان ماشيا في شوارع البصره , فاذا امراه جميلة
من اجمل النساء تلاعب شيخا سمجا قبيحا , وكلما كلمته تضحك في
وجهه
فدنى منها وقال:
من يكون هذا منك ؟
قالت : هذا زوجي.
قال لها : كيف تصبرين على سماجته وقبحه مع حسنك وجمالك ؟
ان هذا لعجب!!!
فقالت : ياهذا لعله رزق مثلى فشكر , وانا رزقت مثله فصبرت
والصبور الشكور من اهل الجنه , افلا ارضى بما قسمه الله؟
قال : اعجزني جوابها ومضيت لحالي...
المصادر
- مدونة نوادر التاريخ
- الفصاحة والبلاغة : محمد أبو الفتوح غنيم
من الايميل