مجلة العربي تحتفي بيوبيلها الذهبي
--------------------------------------------------------------------------------
مجلة (العربي)
جسر الأجيال والخارطة العربية
تحتفي بيوبيلها الذهبي
عبده حقي
شكلت مجلة العربي مدرسة للأجيال العربية التي نهلت من فكرها وعلومها وآدابها وتقاريرها واستطلاعاتها على مدى نصف قرن من الزمن العربي ... فمن من جيلنا من لم يتلهف لاقتناء مجلة العربي الغراء وسارع إلى تلقفها عن بكرة أبيه قبل أن تنفذ من مكتبة الحارة ؟
وكم من مرة إقترضنا دريهمات وأودعناها تسبيقا عند المكتبي ليحتفظ لنا بنسخة من العدد القادم قبل أن تطلع عليه شمس الكويت ...
وكم من مرة أعرنا واستعرنا مجلة العربي الغراء من أصدقاء الدراسة .. وكم من مرة كانت مجلة العربي
مهرا قدمناه لبنت الجيران عربون محبة وعشق ممهور برومانسية السبعينات .. وكم من مرة إختلسنا مجلة العربي من الأصدقاء ولهم أن يغفروا لنا اليوم أولايغفرون بعد هذا العمرالطويل زلاتنا السبعينية لأن اختلاس قنديل المعرفة أهون وأخف وقاحة من إختلاس المال العام .
كانت مجلة العربي بلغة الشعرتلك الشرفة الفسيحة وبلغة الهندسة تلك النافذة العالية وبلغة زمن الرقمية ذلك الوينداوز الورقي الصقيل لإطلالة السابق واللاحق من الأجيال العربية على أسرارالكوكب الأزرق وعلى الخصوص عالمنا العربي والإسلامي ... مجلة( العربي) كانت عدسة فتوغرافية وتقارير روبورتاجات غنية وثمينة تنقل لنا بعين ميكروسكوبية تخوم القبائل والمجتمعات والجغرافيات والأمصار، بل إننا كثيرا ما إستغنينا بفضلها عن الإنتصاب كالتماثيل أمام شاشات التلفازالذي كان باللونين الأبيض والأسود، كما أنها ظلت وفية لخطها التحريري المتفتح على مختلف الأقلام والمعارف والآداب والعلوم الحديثة ... فاتحة ذراعيها للإبداع الأدبي والفني من الماء إلى الماء ...
والآن جاء العدد التسعون بعد الخمسامئة لشهر يناير 2008 وقفة ومدارة واسعة للتذكاروالونستالجيا والحنين والتأمل وتقليب للرصيد التاريخي الثري ومسح سطحي أولي لتضاريس الإنجازات التي حققتها المجلة بإصرارعلى مدى نصف قرن من الزمن العربي ... وهكذا يعود سليمان إبراهيم رئيس تحريرالمجلة في
ركن حديث الشهرإلى أسئلة البدايات التي تفجرت قبل خمسين عاما ... أسئلة بدايات (النهضة) العربية بعد أفول آخرالجزمات العسكرية الإستعمارية في معظم أقطارالعالم العربي ، في مقال موسوم ب( العرب عام جديد وأسئلة قديمة ) من قبيل هل تعتقدون أن نهضة الأقطارالعربية قائمة على أساس وحيد يضمن لها البقاء ؟ أم هي فوران وقتي لايلبث أن يخمد ؟ هل تعتقدون بإمكان تضامن هذه الأقطاروتآلفها ؟ ومتى ؟ وبأي العوامل ؟ وما شأن اللغة في ذلك ؟ هل ينبغي لأهل الأقطارالعربية إقتباس عناصرالنهضة المدنية الغربية ؟ وبأي قدر ؟ وعند أي حد يجب أن يقف الإقتباس في الأنظمة السياسية في الأدب والشعر في التربية والتعليم في العادات ثم يورد الأستاذ سليمان إبراهيم مقتطفات من إجابات بعض المفكرين والكتاب المتألقين على هذه الأسئلة النهضوية القلقة كمخائيل نعيمة وطه حسين . وقد ذكرتني كل هذه الأسئلة وغيرها بمقال صدرعلى صدر نفس المجلة في شهرسبتمبر من العام 1996 تحت عنوان ( النهضة العربية بين الواقع والمثال ) بقلم خليل علي حيدريقول فيه : هل نحن بحاجة حقا إلى مشروع نهضوي دقيق التفاصيل لننهض وندخل العصر والقرن القادم ، أو أن فكرة المشروع هذه وحتمية دقة الصياغة مقتبسة بوعي أو دون وعي من الفكر الإشتراكي
والتوجه الشمولي الذين تأثرت بهما التجربة العربية المعاصرة ؟ ) وبعد مرور زهاء خمسة عشر سنة على تساؤل خليل علي حيدر لن نعود نحن أيضا إلى الوراء ونبحث في الأبعاد السياسية خلف هذه التساؤل الملغم الذي تفوح منه رائحة دخان حرب الخليج الثانية ... والشيء بالشئ يذكر كما تقول العرب فمن الصدف الغريبة أن نفس العدد الذي تضمن المقال السابق كان عددا خاصا باحتفاء الكويت بعيد النفط ، اليوبيل الذهبي بمناسبة مرورخمسين عاما على تصديرأول شحنة نفطية كويتية وكان عنوان اليوبيل هو : نصف قرن على تصدير أول شحنة من نفط الكويت من منطقة الأحمدي ومما جاء في سطورالعدد ( النفط ليس مجرد كنز من الثروة الطبيعية تكتنزه الأرض ، إنه وسيلة خير تتطلب الكثير من المعاناة والصبر ومع إحتفال الكويت باليوبيل الذهبي لتصدير أول شحنة من نفطها تتجاور صورة الحاضر مع ذكريات الماضي وتطلعات المستقبل لترسم قصة الإنسان الكويتي من المعاناة والأمل .
لقد ضم العدد اليوبيلي الحالي في أحد أبهائه الثابتة منذ نصف قرن رحلة أسطورية متسربلة بطيلسان العراقة وعبق التاريخ الشامي تحت عنوان : من دمشق إلى حلب في إستطلاع ثري لإبراهيم المليفي وبعدسة المصورحسين لاري من خلال صور بانورامية للمدينة الصامدة دمشق من على جبل قاسيون المشرف على العاصمة وصورة أخرى ناطقة عن سوق الحميدية وبوابة الجامع الأموي وقلعة سمعان وجسرعبدالقادر الكيلاني وقد تم إنجاز هذا الإستطلاع بمناسبة تشريف دمشق كعاصمة للثقافة العربية هذا العام .
الصفحة الستون شكلت الخيمة الشامخة الرئيسة لاحتفاء مجلة العربي بيوبيلها الذهبي بقلم أشرف أبوزيد الذي يقول في المقدمة : منذ نصف قرن من مسيرة مجلة العربي وهي تبدأ هذا العام مشوارالقرن دشنته في العدد الماضي بإصدار خاص إستعادت فيه ذاكرة الأمة العربية خلال خمسة عقود وتحدث فيه إليها الذين حملوا مسؤوليتها وأحلامها خلال هذه العقود الخمسة . ويضيف : أما هذا الشهر فيبدأ التوقف عند المحطات المحلية والعربية والدولية التي ستشارك العربي الإحتفاء والإحتفال باليوبيل الذهبي وستكون طبعا رحلة الإنطلاق من الكويت مهد إشعاع المجلة أما الدكتور أحمد زكي أول رئيس تحرير للمجلة فمازال يتذكرصرختها الأولى حين أعلن أنها ــ العربي ــ للوطن العربي من الخليج شرقا إلى المحيط غربا وأنها ضد الجهل ومع المعرفة ، وكانت معرفة العربي لأخيه العربي من الأولويات لذا حرصت في الأعداد الأولى أن ةنقدم رحلاتها العربية تحت شعار ( إعرف وطنك أيها العربي ) كما لم تتوقف راحلة العربي في حدود الجغرافيا العربية بل إنها إمتدت إلى الآفاق الأوروبية والأمريكية من مبدإ الحوار والتواصل مع الحضارات الأخرى والحضارة الغربية على الخصوص .
وبالإضافة إلى إحتفائها بيوبيلها الذهبي ضم العدد اليوبيلي حوارا مع رائد الحركة النقدية العربية الدكتور جابرعصفور أجراه محمد بدوي وهو ناقد وأكاديمي وكاتب ومحاضر بجامعة القاهرة وجامعات أخرى خارج مصر كما ضم العدد ملفا خاصا عن الروائية الأنجليزية دويس ليسينج الحائزة على جائزة نوبل للآداب لسنة 2008 وأخيرا تم تذييل هذا اليوبيلي الورقي المتوهج بقائمة بأسماء الكتاب والأدباء الذين أسهموا في إنتاج مواد المجلة على مدى خمسين عاما بلغ أكثر من ثلاثمئة كاتب عربي .
واعترافا منا ببصمة مجلة العربي على تراكمنا الثقافي في القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة نحتفي معها اليوم بهذا اليوبيل الذهبي من خلال هذه القراءة الكرونولوجية ... خمسون عاما مضت إذن من العطاء والجهد والبحث والتثقيف ... نصف قرن من الإستمرارية قد لاتكون حققته فيما أعتقد مجلة عربية أخرى بهذا الولع العظيم المهووس ببناء النهضة العربية على أسس الأصالة والمعاصرة ومهما أنسى فلن أنس ذلك العدد من مجلة العربي الذي خصص إستطلاعه السياحي في ركن (إعرف وطنك أيها العربي ) لمدينة مكناس بالمغرب المدينة التي أطلقت بها صرختي الأولى أيضا منذ خمسين عاما وترعرعت فيها ، فبفضل ذلك العدد عرفت عن حاضرة مكناس العاصمة الإسماعيلية مسقط رأسي ما لم أعرفه وأنا أكبروأرتع بين بواباتها وأسوارها وسراديبها وساحاتها وبساتينها وحدائقها المعلقة وأحواضها وجنانها وكل علامة من عتاقتها وعراقتها وعبقها التاريخي السحيق ، لكن لابأس كما بدأت مجلة العربي مشروعها التثقيفي بالسؤال نختم نحن معها بأسئلة حثيثة ، في هذا الإستذكار المهيب : ماذا تحقق من كل الأسئلة العربية النهضوية القديمة الجديدة على عهد بدايات النهضة ؟ وما هي إستراتيجية المجلة مستقبلا للمصالحة مع زمن الكوكل والياهو والرقمية والأقراص المدمجة والفضائيات والنت الجوال وأخيرا ماهي مساحة الإستقلالية السياسية والإعلامية التي تتمتع بها هيأة التحريربعيدا عن وصاية وزارة الإعلام الكويتية... وعيد سعيد وعمرمديد وعقبال ألف سنة .
عبده حقي
كاتب من المغرب
www.alarabimag.com