من قال ان التاريخ لايعيد نفسه؟ومن قال ان الفتن لاتخدم العدو؟ ومن قال اننا حذرون وواعون لهذا المكر؟
**************
مقال يشرح هذه الفكرة ميدانيا:
3صحيفة الشرق القطريه الأحد 30 المحرم 1433 – 25 ديسمبر 2011
بحر الدماء في سوريا – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/12/blog-post_25.html
كل نشرات أخبار العرب صارت مجللة بالدم السوري. ما عدنا نرى في سوريا غير مدرعات تتحرك وشبيحة يقتلون وتوابيت محمولة على الأعناق، وجنازات تسير في الشوارع تجأر مستغيثة بالله وبضمائر العرب وأحرار العالم.
خلال الأسابيع الأخيرة أصبح معدل القتلى اليومي يتراوح بين 20 و40 سوريا. في آخر الأسبوع الماضي وبعد التوقيع على بروتوكول الجامعة العربية تضاعف عدد القتلى، حتى وصل إلى مائة في اليوم الواحد.
وبذلك وصل عدد الذين قتلهم النظام السوري خلال الأشهر العشرة الماضية إلى أكثر من خمسة آلاف شخص، حسب مصادر الأمم المتحدة. بمعدل خمسمائة مواطن كل شهر، الأمر الذي يستدعي إلى أذهاننا صور الإبادات الجماعية في صربيا ورواندا.
قبل يومين هاجم الجيش أهالي قرية كفر عويد المحاصرة منذ أسبوع، الذين لجأوا إلى الاحتماء بأحد الوديان، انقض عليهم بقذائف المدفعية والدبابات والقنابل والرشاشات، حتى أوقع مذبحة راح ضحيتها أكثر من مائة شخص، حسب تقدير المرصد السوري لحقوق الإنسان. حدث ذلك وحبر التوقيع على بروتوكول الجامعة العربية لم يجف.
الخلاصة أن النظام السوري مصرٌ على قتل معارضيه والقضاء عليهم، رغم تعاطيه مع أغلب الجهود التي تحاول البحث عن حلول سلمية للمشكلة. وهو في ذلك لا يمانع في المناورة وكسب الوقت أملا في أن تكلل بالنجاح محاولات سحق المعارضين والقضاء عليهم. وعلى الأرض أثبت أنه ليس على استعداد لأن يتراجع خطوة واحدة إلى الوراء.
على صعيد آخر، فالواضح أن النظام السوري عاجز عن تحقيق ذلك الهدف. ومن الواضح أيضا أن الجماهير الثائرة مصرة على موقفها ورافضة للتراجع. خصوصا بعدما انتشرت شرارة الثورة إلى مختلف المحافظات السورية، ولاحت بعض بوادرها في دمشق وحلب، كما ظهرت بوادر الانشقاق داخل صفوف الجيش، وتزايدت أعداد المنضمين منه إلى الثوار، كما تزايدت أعداد الهاربين من الخدمة العسكرية.
معطيات المشهد تدل على أن الثورة مازالت عاجزة عن إسقاط النظام، كما أن النظام غير قادر على إنهاء الثورة، ومع تزايد أعداد القتلى والمعتقلين والمختفين، فإن فرصة التوصل إلى حل سلمي بين الطرفين صارت شبه منعدمة. حيث بات بفصل بين الجانبين بحر من الدماء يتسع حينا بعد حين، بما يستحيل معه إقامة أي جسر من التواصل فوقه.
في حدود المعلومات المتاحة فإن موقف النظام السوري لا يزال قويا بصورة نسبية على الأرض، فالنخبة القابضة على السلطة لا تزال متماسكة،
والأجهزة الأمنية سيطرتها قوية على دمشق وحلب.
والدعم الإيراني الكبير يساعد النظام على الثبات في الداخل ويوفر له القسط الأكبر من متطلبات الصمود والاستمرار. كما أن التأييد الروسي يقدم للنظام غطاء في الخارج يطمئن إليه. ويحول دون المضي قدما في تدويل الأزمة.
ولا غرابة في ذلك، إذ فضلا عن التحالف الاستراتيجي بين طهران ودمشق، الذي يوفر للطرفين وضعا أفضل أمام التهديد الإسرائيلي، فإن إيران التي ملأت الفراغ في العراق بعد انسحاب الأمريكيين منه، تخشى إذ ما سقط النظام السوري أن يهدد ذلك مكتسباتها في العراق.
وكما أن روسيا لن يكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط إذا سقط النظام السوري الذي يوفر لها قاعدة بحرية في ميناء طرطوس.
الخلاصة أن الصراع في سوريا مرشح لأن يطول أجله، خصوصا في ظل ضعف المبادرات والضغوط العربية، واستبعاد احتمال التدخلات الدولية في الوقت الحاضر على الأقل. الأمر الذي يعني أن شلال الدم سوف يستمر وأن تحدي النظام غير قابل للتراجع، خصوصا أنه نجح في إذكاء الحس الطائفي واستنفر العلويين ضد «خطر» أهل السنة، وتبادل الطرفان الخطف والقتل. وبدا أن العلويين أصبحوا مقتنعين بأن سقوط النظام يعني نهاية نفوذهم وربما وجودهم، ولذلك فإنهم أو أغلبيتهم أصبحوا يخوضون معركة حياة أو موت. بل إنهم شكلوا ميليشيات مسلحة باتت تجوب الشوارع في بعض القرى.
ورغم أن أفق الحل يبدو مسدودا في الأجل المنظور، فليس مستبعدا أن يحدث انشقاق مفاجئ في النظام خصوصا إذا تم إنهاك الجيش والشبيحة، وانتهزت عناصر «الجيش الحر» هذه اللحظة لتكثيف الضغط عليه.
وهناك همس مكتوم يتحدث عن حل للأزمة شبيه بما حدث للرئيس علي عبدالله صالح في اليمن، يسمح بنقل السلطة إلى طرف مقبول، ويمكن الرئيس بشار الأسد وجماعته من مغادرة البلاد في «خروج آمن» يجنب البلاد إراقة مزيد من الدماء.
وقد يكون هناك مخرج آخر لا نراه، لأنهم إذا كانوا يمكرون فإن الله خير الماكرين