ما ذنبُه الوردُ يذوي في نَضارتهِ=وقد تمايلَ زهواً حين تلقاهُ
لو كان يعلمُ أن الترْبَ مرجعُهُ=ما هنّأ الطرفَ في البستان مرآهُ
يحمرُّ حيناً كأن الشوق ألهبهُ=وباصفرارٍ تناغي البدرَ عِطفاهُ
لطائف اللون لم تشفعْ لنضرته=أن تستبيح جيوشُ الموتِ دنياهُ
ما ذنبُه العشبُ تكسو الأرضَ خضرتُهُ=وتبهج العينَ في البيداء بُرداهُ
مسارحُ الطير في ساحاته بُسُطٌ=ومرتعُ الريم بادٍ في حناياهُ
ما جنَّ ليلٌ ولا غارت كواكبُهُ=حتى تَبدلَ من ذا الحسنُ مغناهُ
وصار بلقعَ تِيهٍ في عمايته=وجاءه الموت زحفاً في سراياهُ
ما ذنبُه البدر شاقَ الليلَ مطلعُه=فأضحكَ الماءَ من ضحضاحِ مجلاهُ
يؤانسُ الدربَ للسارين في دلَج=وتحفظ السرَّ للعشاق عيناهُ
ألا تطولُ به الأيامُ أم خُتمتْ=أيامه البيضُ بالتنغيص يغشاهُ
وعادَ يصغرُ أدراجاً لتنهشهُُ=مخالبُ الموت ليت الموت ينساهُ
ما ذنبهُ الطير في العلياء نرمقه=جذلانَ ماجتْ ببحر الكون أصداهُ
يراود الزهرَ بالإنشاد في ولهٍ=من كل فن يهادينا تحاياهُ
في رنة الصوت للمشتاق تسليةٌ=وللمصاب تناسٍ في رزاياهُ
لو كان يعلم بالصياد يرقبُهُ=لما تغنّى سوى الآهاتِ مرثاهُ
ما ذنبه الغيم يهمي الدمعَ من فرَحٍٍ=فتَضْحكُ الأرضُ إبشاراً بسقياهُ
قد عانق الروضَ لثْماً في مباسمهِ= وضخَّ في العرق ماءَ العيش يحياهُ
وبات ينْظِمُ سِلكَ الودْقِ تحمله=سفائن الريح جرياً في ثناياهُ
هل أدرك الغيمُ أن الفرْح آخرُهُ=سمومُ حرٍّ جلتْ للغيم أشلاه
ما ذنبه الليل غطتنا عباءتُهُ=نستودع النجمَ فيه السرَّ يرعاهُ
ونُغمِضُ الجفنَ في أحضان مرقدهِ=كأنَّ بالليل مهداً فيه سكناهُ
ما أقصر الليل والإصباح يطلبُهُ=إذا تفجر كالبركان أفناهُ
وتم ختمٌ على بدءٍ وودَّعَنا=ليلٌ بزاكٍ من اللقيا قضيناهُ
ما ذنب ذا القلب قد تاهتْ مداركهُ=فأبصر السعد فيما فيه بلواهُ
قد خانه الحظُّ في خلٍّ يصاحبه=والخلُّ أضحى كحلم النوم ملفاهُ
ما أندر الصدقَ في ظنٍّ يحسِّنهُ=وأضيق النفُس في حالٍ تبنَّاهُ
رجعتُ بعد ظنوني مثل مؤتملٍ=قد خاب سعياً وأهدى القفرَ يمناهُ
ما ذنبه الشّعر يبكي إلفََه ولعاً=ويستحثُّ خطا الأيام لقياهُ
رأيتُ كل حبيبٍ من أحبته= قريرَ عينٍ وحِبي الدهرَ أنعاهُ
لا أستريحُ بهجرٍ عنه يبعدني=ولا أُمَنّى بوصل منه أهناهُ
لا أغزر الله دمعاً سحَّ من مقََلٍ=أبان مني كرسم النهر مجراهُ