اغتيال البيئة الفلسطينية
سلام مرادـ الاستيطان وأثره في البيئة الفلسطينية
إن حرب الإبادة والاستيطان صفتان متلازمتان للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين، فمنذ نشأة هذا الكيان كان مشروعه استعمارياً استيطانياً، نما المشروع الصهيوني وترعرع في الأجواء السياسية التي سادت أوروبا خلال القرن السادس عشر الميلادي، اتضحت معالمه وأهدافه بعد عام 1870. والحركة الصهيونية في الجوهر مشروع استعماري، استخدمت الحركة الصهيونية الشعارات الدينية الزائفة مثل (شعب الله المختار) و(أرض الميعاد التي وعد إله إسرائيل إبراهيم بها) وغيرها من العبارات التضليلية التي تصب في خدمة هدف تأمين الطاقة البشرية اللازمة، في ظل غياب مقومات (الحركة القومية اليهودية) لأن التجمعات اليهودية المبعثرة في جميع أنحاء العالم تفتقد الروابط الاجتماعية واللغوية والاقتصادية والتاريخية، لذا جرى استغلال ما سمي (بالمسألة اليهودية)، فقدمت الصهونية إطاراً لحل المسألة وفقاً لمقولة فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض). ولم تكن فكرة (القومية اليهودية) أساساً فكرة متجسدة في وعي يهود العالم، ولا كان اليهود يسمعون بها. واستغلت الصهيونية المناخات المتوترة بين اليهود ومحيطهم، وراحت تعمل على تجنيد اليهود وتهجيرهم ثم توطينهم في فلسطين العربية عبر التاريخ.
بينما ظهرت فكرة الاستيطان في فلسطين للمرة الأولى بعد ظهور حركة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر في أوروبا، حيث شرع أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد بالترويج لفكرة (أن اليهود ليسوا جزءاً من النسيج الحضاري العربي وإنما هم شعب الله المختار ووطنهم أرض الميعاد).
إن جرائم الصهيونية عصية على الإحصاء، كما هي عصية على التوصيف، فهي أخطر من جرائم حرب، وأبشع من حرب إبادة، وأكثر انحطاطاً من العنصرية، وباعتراف العديد من المنظرين الصهاينة بدأت تتحول إلى دولة منبوذة في نظر العالم، يقول ميرون بنفنستي (إسرائيل تختبئ خلف أسوار السامية وادعاء العدالة متجاهلة حقيقة أن أفعالها المرفوضة على الأرض تدفع بها نحو التفرقة العنصرية والتحول إلى دولة منبوذة في نظر العالم).
إن مصطلح اللاسامية استنفذ أغراضه ولم تعد إسرائيل قادرة على احتكار دور الضحية، بالنظر إلى حجم الانتقادات العالمية إزاء سجلها الحافل بالجرائم وإرهاب الدولة، لذا شهدنا في السنوات الأخيرة نشاطاً صهيونياً محموماً لتوسيع مصطلح اللاسامية ليشمل كل انتقاد يوجه إلى إسرائيل ونشاطها العدواني التوسعي وحرب الإبادة التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني، فلم يعد بمقدور المجتمع الدولي الصمت وبالتالي لم تعد فزاعة اللاسامية تؤدي وظيفتها التي رسمتها الصهيونية لها، وبالتالي فإن توسيع مصطلح اللاسامية يعبر عن حجم المأزق الذي تعيشه الصهيونية المأزومة، بصفتها أيديولوجية زائفة تعتاش على استمرار الصراع وتشويه وجه الآخر.
وبالتالي كم كان مستفزاً لإسرائيل استطلاع الرأي الذي أجري في أوروبا عام 2004 وأفاد (أن إسرائيل الدولة الأكثر خطراً على السلام العالمي).
لقد فشلت الصهيونية في التوفيق بين (الكمال الأخلاقي) الذي تدعيه كذباً وبين جرائمها ونهبها لأرض لها شعب صحا العالم على إبادته، لتسقط مقولة (فلسطين أرض بلا شعب).
وبعدما أيد العالم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، سعت الصهيونية لفكرة في منتهى العنصرية ومفادها (أن حق تقرير المصير بالنسبة لليهود هو أسمى من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني).
وبوحي من هذه الفكرة العنصرية أعدوا للفلسطينيين معازل وكانتونات ليقرروا مصيرهم فيها، بما لا يعيق ممارسة إسرائيل لعنصريتها في دولة عرقية، وإسرائيل لم توافق على قيام الدولتين إلا لتستعيد خيار الدولة ثنائية القومية التي ستكون الغلبة فيها للعرب، وأصبح بالتالي الموجه الأساس للسياسة الإسرائيلية هو شعار (يهودية الدولة)، بعد فشل سياسة تجاهل حقيقة صمود الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، رغم حرب الإبادة وتدمير مقومات الحياة، لقد هُزِمت الصهيونية أمام الشعب الفلسطيني مرات عدة، حيث فشلت كل محاولات طمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني.
وهزمت أخلاقياً أمام الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية بطابعهما السلمي والجماهيري؛ فإسرائيل استخدمت حتى السلاح المحرم دولياً في مواجهة شعب أعزل.
وبذلت إسرائيل جهداً حثيثاً لاستغلال المناخ الدولي وحرب أمريكا المفتعلة على «الإرهاب» وذلك لوصم المقاومة الفلسطينية المشروعة «بالإرهاب»، لتعادل من هزيمتها الأخلاقية أمام الشعب الفلسطيني الأعزل بكل المقاييس وبغض النظر عما يمتلكه من أسلحة تقليدية ليست شيئاً مهماً بالنظر إلى ترسانتها العسكرية التي لم يبقَ منها شيء لم تجربه على الشعب الفلسطيني سوى السلاح النووي.
وكان السلاح الأخضر الذي استخدمته بعنصرية واضحة للعيان هو سلاح تدمير البيئة، لذا ستظل إسرائيل ترزح تحت نير هزيمتها الأخلاقية التي هي مقدمة لهزيمة المشروع الصهيوني برمته على أرض فلسطين.الكتاب: اغتيال البيئة الفلسطينية (التطهير العرقي، الاستيطان، جدران الفم، المياه)
الكاتب: مصطفى سعد الدين قاعود
الناشر: دار صفحات للدراسات والنشر ـ دمشق 2008