توطئة : إن قضية البعث بعد الموت أطبق على الاعتقاد بها فريق من الناس هم المؤمنون , وذلك من تمام الإيمان وكماله , وذلك مسلّم به عند كل الشرائح المكوّنة لهذا الفريق فلا ترى بينهم أي لون من الجدال في هذه القضية , حيث سكنت نفوسهم واطمأنت قلوبهم وركنت عقولهم واحتل ذلك رتبة اليقين بالبعث بعد الموت تصديقاً بالخبر الّذي جاء به كتاب الله عزّ وجلّ , قال الله تعالى انظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير . ) وقال عزّ شأنه : ( يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون . ) وحسم الأمر لدى هذا الفريق . وأما منكري البعث فهم الفريق الثاني . وهؤلاء أنكروا الحياة الأخرى. وهم يزعمون أنهم على حق في مذهبهم هذا , لكني أود أن أهمس في آذان هؤلاء الأخوة همسة لّعلها تكون حافزاً لهم على إعادة النظر في اعتقادهم هذا احتراماً لعقولهم على أقلّ تقدير .
كلمات إلى منكري البعث بعد الموت : الدنيا من حولنا تعج بالظلم وكم من حقوق ضاعت في هذا المرتع العفن , حقوق مادية وحقوق أدبية , وكم من دماء أريقت بغير وجه حق , وكم من أعراض استبيحت , وأموال سرقت أو اغتصبت , وعجز القضاء عن إنصاف أصحاب الحقوق , ومات الظالم والمظلوم , فهل يصدّق عاقل أن النهاية هذه يركن إليها العقل وتسكن إليها النفس ؟ وتبقى الحقوق مهدورة والظلم سيد الموقف , أني لا أظن أن عاقلاً يقنع بهذه النهاية . هذا المجرم الّذي يعيث في الأرض فساداً , ويموت وهو منغمس في مستنقع الجريمة , وقد ترك وراءه عشرات الضحايا من مختلف شرائح الناس , وأفلت من العقاب . هل يقنع أي عاقل من الناس أن هذا المجرم لن تطاله يد العقاب على جرائمه ؟ لا أظنّ أن أي إنسان مهما كان موقعه الحياتي أو العلمي يوقن بهذا ويطمئنّ إليه . هذا الّذي آمن بالله وأحبه واتبع شريعته خلقاً وأمراً , وعمل عملاً صالحاً وانتفع بعمله الناس من حوله وعاش حياته على نهج الاستقامة , ومات على ذلك , أو يصدّق عاقل أنه لن ينال جزاء أعماله الطيبة وتذهب أدراج الرياح ؟ لا أتوقع أن في عالم العقلاء من يطمئن قلبه وفكره إلى مثل هذه النهاية الجائرة .
أنتم تقولون : إن الحياة تنتهي بالموت ويعود هذا الجسد إلى التراب الّذي أثبت العلم أن تركيبة هذا الإنسان خلقت منه ومن ثم لا بعث ولا حياة أخرى بعد الموت أسألكم: هذا الذي يولد ويفد إلى الدنيا من أين جاء وكيف دبت في جسده نسمة الحياة ومن الّذي وهبه الحياة ؟ فلن يصدّق أحد حتى أنتم أن الحياة جاءت من فراغ , بل الّذي تقرونه أن الحياة تفتقر إلى قوة عاقلة واعية تهبها للمولود الّذي يأتي إلى دنيا البشر , كما يحتاج كل مصنوع إلى صانع , فإذا كنتم لا تصدّقون أن السيارة وجدت بلا صانع , والتلفاز كذلك ليس له صانع , والساعة التي تضبط الوقت ليس وراءها صانع , والمركبة التي امتطيتموها لتمخر أجواء الفضاء أليس لها صانع وعقل مدبّر هذا كله عندكم من المسلّمات التي خرجت عن ساحات النقاش بداهة , فلماذا تجادلون في قضية الحياة بعد الموت , فواهب الحياة لكم اليوم بعد الموت يهبها لكم مرّة أخرى . تماماً كما يعيد الصانع الحياة إلى الساعة المعطلة والمركبة المعطلة فتعمل بانتظام من جديد . فتعطّل الساعة موتها وتعطّل المركبة موتها وإصلاح كل منهما عودة الحياة إليهما من جديد . إذاً لم الإنكار للحياة بعد الموت ؟ وأضع أمام أبصاركم دليلاً علمياً يثبت عودة الحياة من جديد بعد الموت , وها هو الدليل دونكم:
أرسل لي أحد الإخوة الأفاضل مقالة نشرتها الغارديان (بتاريخ 12/6/2008) حول حبات من التمر (نوى التمر) عمرها 2000 سنة، حيث عثر العلماء على حبات من نوى التمر في قلعة أحد الملوك القدامى بالأردن، وتبين أن عمر هذه الحبات يزيد على 2000 سنة، ثم قاموا بزراعتها فأنبتت، وهذا ما أثار دهشة العلماء، فكيف يمكن لحبة أن تبقى ألفي سنة ثم تعود إلى الحياة!
وهذا يضيف دليلاً جديداً على إعادة الحياة لهذه البذور بعد أن فقدت أي شكل من أشكال الحياة. وقد درس العلماء هذه الظاهرة ولا زالت من دون تفسير، إذ أن البذرة تحوي بداخلها برامج خاصة تبقيها مستعدة للحياة في أي لحظة!
ويحتار العلماء من الذي وضع هذه البرامج؟ ومن أين جاءت هذه القدرة الغريبة على النمو بمجرد وجود الماء؟ وكيف تحتفظ البذرة بكامل قدراتها على النمو لتنبت نفس النبات دائماً، أي أن بذرة النخيل لا تنبت إلا شجرة نخيل، وبذرة العنب لا تنبت إلا شجرة عنب وهكذا، فمن الذي علم هذه البذور ومن الذي أرشدها لتقوم بعملها دون أدنى خطأ؟ إنه الله تعالى القائل: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) [الروم: 19]. وتبيّن أن هذه البذور وجدت في قلعة الملك هيرود بالقرب من البحر الميّت .
وأخيراً : ما قولكم أمام هذا الدليل العلمي الّذي لايقبل الجدل , وما قرناه به من الأدلة العقلية ؟ آمل أن تكون هذه الهمسة قد وجدت سبيلها إلى فكركم وربما كانت حافزاً على مراجعة لقناعاتكم . مع حبي ومحبتي لكم جميعاً .