الانتقال من الفينومينولوجيا الماهوية إلى الفينومينولوجيا الهيرمينوطيقية في فلسفة بول ريكور

لم يتحدث ريكور عن مسألة تطعيم الفينومينولوجيا بالهيرمينوطيقا إلا ابتداءً من عام 1965، في مقالته المهمة “الوجود والهيرمينوطيقا” (أعيد نشرها لاحقاً في كتاب صراع التأويلات)، إلا أنَّ هذا التطعيم كان قد بدأ فعلاً في فلسفته ابتداءً من الكتاب الثاني من الجزء الثاني من عمله الضخم “فلسفة الإرادة”، والصادر عام 1960.(1) فلقد شهد هذا الكتاب – المعنون ب “رمزية الشرّ” – انتقال الفلسفة الريكورية – على الصعيد المنهجي – من فينومينولوجيا ماهوية، ممارسة في عمله السابق “الإرادي واللاإرادي”، إلى فينومينولوجيا هيرمينوطيقية سادت معظم أعماله اللاحقة.

وفي كتاب “الإرادي واللاإرادي”، سعى ريكور إلى القيام بوصف فينومينولوجي للإرادة في بناها أو تراكيبها الماهوية من أجل مفصلتها وربطها لاحقاً – ضمن علاقة ديالكتيكية – مع ما يقابلها في اللاإرادي. وقد ميَّز ريكور – على مستوى المعنى – أربع دلالات أساسية للقول “le dire”: أنا أريد : “الإرادة”، أنا أقرّر : “القرار”، أنا أحرِّك جسدي: “الحركة الإرادية أو الفعل”، أنا أوافق: “الموافقة”. وقد قام ريكور بمفصلة هذه البُنى الماهوية للإرادة مع ظواهر محددة من اللاإرادي (العلل والبواعث الشعورية أو اللاشعورية، والعادات، وضرورة الطبع، وضرورات حياة اللاوعي …، إلخ). ويتطلب هذا الوصف الماهوي، الساعي إلى الوصول إلى الماهية الخالصة للفعل الواعي أو الشعوري، نوعين من التعليق أو التجريد: تعليق الخطيئة أو الخطأ الأخلاقي الناتج عن الإرادة الشريرة، وتعليق المتعالي (الترنسندنتالي) الذي يتمثل في عدم الاهتمام بالشروط الوجودية الملموسة التي توجد فيها أو ضمنها الإرادة. ولقد كان ريكور واعياً لحدود هذا المنهج، وهو ما نتبيَّنه في قوله:“الوصف المحض – مفهوماً كتوضيحٍ للدلالات – له حدوده: إذ يمكن أن تكون الحقيقة المتدفقة للحياة مدفونةً تحت الماهيات.”(2)

وبسبب هذه الحدود، ومن أجل تجاوزها، انتقل ريكور – في كتابه الأول من المجلد الثاني من “فلسفة الإرادة” – إلى وصفٍ تجريبي “empirique” للإرادة السيئة تاريخياً وإلى واقعية أو حقيقة الشرّ الذي لا يوجد، وفقاً لريكور، إلا بوصفه حدثاً واقعياً وبنيةً جائزةً أو محتملة وتاريخية، وليس بوصفه ماهيةً. وأدى إدراك لريكور لتعقيد الخطيئة وواقعيتها إلى اقتناعه في نهاية كتابه “الإنسان الخطاء”(3) بضرورة إحداث تغيير منهجي ثوري جديد في مقاربته لمسألة الخطيئة، إذ لا يمكننا تناول عينية الإرادة السيئة إلا عن طريق تأويل اللغة الأسطورية-الرمزية. وقد كرَّس ريكور كتابه التالي “رمزية الشر” بالكامل لهذا التأويل الذي يمكن اعتباره بمثابة المرحلة الأولى من مراحل تأسيس الفينومينولوجيا الهيرمينوطيقية عنده. وقد حاول في هذه المرحلة “الانتقال من إمكانية الشر الإنساني إلى واقعيته، من إمكانية الخطيئة إلى الخطيئة.”(4)

ويمثِّل انتقال ريكور إلى تناول مسألة الشر عن طريق تأويل الرموز منعطفاً لغوياً في فلسفته. وبهذا التأويل شارك ريكور في المنعطف اللغوي العام الذي شهدته الفلسفة الفرنسية في نهاية الخمسينات من القرن العشرين. ويقول فرانسوا دوس في هذا الصدد : “بإعطائه قيمة كبيرة للرموز كمَدخل، شارك ريكور في المنعطف اللغوي الفرنسي والذي تمَّ تعميمه بدفعٍ من البرنامج البنيوي، المحدَّد مسبقاً بشكل جيد، والذي كان واعداً بشكل كبير.”(5) ويمكن النظر إلى تأثر ريكور بالمنعطف اللغوي في الفلسفة الفرنسية عموماً، وفي الاتجاه البنيوي خصوصاً، على أنَّه سببٌ أول للمنعطف الهيرمينوطيقي واللغوي في فلسفته. والسبب الثاني هو، وفقاً لدوس أيضاً، منهج إزالة الأسطرة عند بولتمان الذي كان يسعى لإعادة مساءلة فلسفية وهيرمينوطيقية لتراث الكتاب المقدس. أما السبب الثالث فيتمثل في الحاجة إلى استكشاف مقاربة التحليل النفسي – المختلفة عن مقاربة الفينومينولوجيا – لظاهرة اللاشعور التي بدت كثغرة أو هوة ناتجة عن التوتر القائم بين الإرادي واللاإرادي.

وشكَّل الانعطاف الهيرمينوطيقي عند ريكور انعطافاً لغويَّاً في فلسفته. لكن لم تفضِ هاتان الانعطافتان إلى إهمال البعدين الفينومينولوجي والتفكري في فلسفته. فلقد بقيت الفينومينولوجيا هي الافتراض المسبق للهيرمينوطيقا عنده، وبقي مثال الفلسفة التفكرية هو الهدف الذي تسعى هيرمينوطيقاه إلى الوصول إليه. وبكلمات أخرى، لم يفضِ المنعطف الهيرمينوطيقي واللغوي في فلسفته إلى التخلي عن فلسفة الذات لصالح فلسفة اللغة(6). فهو لم يفصل مطلقاً بين فهم الذات وفهم العلامات والرموز وكل التعبيرات عن الحياة التي تتموضع من خلالها تلك الذات. ويجسِّد هذا الفهم الأخير، لدى ريكور، طريقاً ضرورياً وإجبارياً للوصول إلى الفهم الأول، أي فهم الذات. وللتأكيد على ترابط هذين النوعين من الفهم، وعلى الارتباط الوثيق بين فلسفته والفلسفة التفكرية لجان نابير(7)، يكتب ريكور:
[…] أشدِّد على أنَّ الفهم لا ينفصل عن فهم الذات، وأنَّ العالم الرمزي هو الوسط الذي يتم فيه التوضيح الذاتي. وهذا يعني، من جهة أولى: ليس من مشكلة معنى ما لم تكن العلامات الواسطة، والوسط، والوسيط، وبفضل هذه العلامات يسعى الموجود الإنساني لأن يتموضع، ويسقط نفسه، ويفهم ذاته؛ ومن جهة أخرى، وبمعنى معاكس: ليس ثمَّة فهم مباشر للذات بذاتها، ولا إدراك داخلي، ولا ملاءمة لرغبتي في الوجود على الطريق القصير للوعي، لكن يتحقق ذلك فقط عن طريق تأويل العلامات. باختصار، تقوم فرضية عملي الفلسفي على التفكر العيني، أي الكوجيتو المتوسَّط بكلِّ عالم العلامات.(9)

يتضح هنا تأكيد ريكور، بطريقة حاسمة، على البعد التفكُّري – المستلهم خصوصاً من جان نابير – لفلسفته، ويسمح لنا ذلك التأكيد على ضرورة أن تكون الفلسفة التفكُّرية فلسفة هيرمينوطيقية، إذا أرادت تحقيق غايتها أو مثالها الأعلى، والمتمثل في فهم الذات. كما تتبيَّن – بطريقة جلية وقوية – علاقة التبعية أو الارتباط الوثيق بين العلامات والرموز، من جهة، والتأويل أو التفكر التأويلي، من جهة أخرى. ولكن، كيف يشرح ريكور هذه التبعية المتبادلة وهذا الترابط الوثيق بين الرمز والتفكر والتأويل؟ وما هي أهمية ذلك بالنسبة لإشكالية المنهج عنده؟ وكيف تجاوز محدودية مجال بحثه في هيرمينوطيقا “رمزية الشر”، بحيث أصبح يسعى لتأسيس هيرمينوطيقا فلسفية عامة للرموز؟

وسنشرح فيما يلي التوضيحات المنهجية التي قدمها ريكور في مقدمة كتابه “رمزية الشر”، والتي تقيم، من جهة أولى، تمييزاً بين ثلاثة أبعاد أو مستويات للرمز، مع التأكيد على تقاربها أو تقاطعها وبنيتها الموحدة، وتجري، من جهة ثانية، تحليلاً قصدياً لهذه البنية، من أجل تمييزها عن مجموعة البنى المجاورة أو المشابهة لها، والإمساك بماهيتها.

الرموز: المستويات الثلاثة لظهورها، وتحليلها القصدي

يشكِّل كتاب “رمزية الشر” لحظة حاسمة في المسيرة الفلسفية لريكور؛ لأنَّه يُسجل العبور إلى الطور الهيرمينوطيقي من فلسفته. وبدون إنكار انشغاله بالمسائل المنهجية والإبستيمولوجية، أو التقليل من أهمية هذا الانشغال، يمكن القول بأنَّ الاهتمام الأساسي، في هذا الكتاب، منصبٌّ إجمالاً على مشكلة الشر، وليس على المسائل المنهجية والإبستيمولوجية لهيرمينوطيقا عامة للرموز. فلقد كان على وعي بضيق مجال بحثه؛ لكنَّه رأى في بحث مشكلة الشر هيرمينوطيقياً نقطة انطلاق مناسبة ونموذجية في السعي إلى تأسيس هيرمينوطيقا عامة للرموز. وقد سعى ريكور لاحقاً إلى تجاوز هذه المحدودية، بما يتناسب مع السعي إلى تأسيس هذه الهيرمينوطيقا، وبدا ذلك جلياً في كتابيه التاليين: “في التأويل. محاولة في فرويد (1965)” و “صراع التأويلات: دراسات هيرمينوطيقية (1969)”. وعلى الرغم مما سبق، يبقى كتاب “رمزية الشر” دراسةً هيرمينوطيقيةً بامتياز؛ لكونه يؤكد على أنَّ تأويل الاعتراف واللغة الرمزية هو المدخل الوحيد لفهم الشر. وهكذا فقد سعى ريكور إلى توضيح رمزية الشر كما تظهر في لغة الاعتراف التي يمكن القول إنها رمزية من أولها إلى آخرها. ولتوضيح السمة اللغوية والرمزية الملازمة لخبرة الاعتراف، يكتب ريكور: »[…] لا يوجد في الواقع لغة مباشَرة، غير رمزية، للشر الذي نتعرض له، ونعاني منه، أو نرتكبه. فأن يعترف الإنسان بأنَّه مسؤول أو أنْ يعترف بأنَّه فريسة للشر الذي يطوقه، فهو يقول ذلك بدايةً وفوراً في رمزية يمكننا أن نتعقب عمليات النطق بها بفضل الشعائر المختلفة للاعتراف التي أولَّها لنا تاريخ الأديان.«(10)

وفي هذا السياق صاغ ريكور تعريفه الأول للهيرمينوطيقا بوصفها مسعىً لإزالة الغموض عن الرموز من حيث هي “تعابير ذات معنىً مزدوج”.(11) لكن ما هي مستويات ظهور الرموز؟ وما هو الفرق بين الرمز، من جهة، والعلامة، والاستعارة، والمجاز (أو الأمثولة)، والأسطورة، من جهة أخرى؟ لقد أبرز ريكور سعة وتنوع مناطق ظهور الرمزية، وأكَّد على الضرورة المنهجية والإبستيمولوجية لتعداد أو إحصاء هذه المناطق ودراستها بالتفصيل من أجل هيرمينوطيقا عامة للرموز؛ وقد أعدَّ ما أسماه ب “علم معياري للرمزcritériologie du symbole”، ميَّز من خلاله بين ثلاثة أبعاد أو ثلاث صيغ مختلفة للرمز: كوني، حُلمي، شعري. وتتعلق هذه الأشكال أو الأبعاد الثلاثة بثلاثة فروع معرفية متمايزة: البعد أو الطراز الكوني هو الموضوع المفضَّل لفينومينولوجيا المقدَّس (كفينومينولوجيا مرسيا إلياد( ) وفان دير ليو(13))؛ البعد الحلمي يشغل حيزاً مركزياً في التحليل النفسي؛ البعد الشعري تتم دراسته من قِبل نظريات المخيلة الشعرية (كنظرية غاستون باشلار( ) مثلاً).(14) ولم يقتصر ريكور على وضع هذه الأنماط أو الأبعاد من الرمز جنباً إلى جنب، فقد أكَّد على أنّ “هذه الأبعاد الثلاثة – الكوني، والحلمي، والشعري – موجودة في كلِّ رمزٍ حقيقي”.(15) وقد شدَّد ريكور على تمفصل هذه الأبعاد الثلاثة للرمز وعلى تمفصل تأويلاتها المختلفة.
في حديثه عن الوظيفة الرمزية للرمز اتَّفق ريكور مع ما قاله مرسيا إلياد بأنَّ عناصر العالم (السماء والقمر والأرض … إلخ) هي رموز بامتياز لأنها مظاهر للمقدس. وهذه الرموز-الأشياء هي رحم الرموز ومصدرها – بوصفها تعابيرَ لغوية – ومصدر دلالاتها.

وبالنسبة للبعد الحلمي من الرمز، والذي ننتجه في أحلامنا، فقد رأى ريكور أنَّه يمكن اعتبار تأويلات التحليل النفسي – سواء التأويلات الفرويدية أو التأويلات اليونغية – بمثابة أركيولوجيا للنائم، وللشعب، وللثقافة، أو للإنسانية بأسرها. وهذه الأركيولوجيا يمكن إكمالها بتيليولوجيا الفينومينولوجيا؛ لأنَّ تأويل الرموز النفسية بوصفها تعابيرَ مقنَّعةً عن رغباتنا ومكبوتاتنا هو وجهٌ مكمَّلٌ – وليس بديلاً – لتأويلها بوصفها تعابيرَ عن إمكانيات ارتقائنا ونضجنا. وهكذا، فإنَّ ريكور يدعونا إلى أن نُمفصِّل – في تأويلات الرموز – الأركيولوجيا مع التيليولوجيا، التقهقر مع التقدُّم. وستكون هذه العلاقة الديالكتيكية – بين التأويلات الأركيولوجية والتأويلات التيليولوجية للنفسي – إحدى الأطروحات الأساسية للتأويل الريكوري لفرويد، والمعروض في كتابه “في التأويل. محاولة في فرويد”. ولتوضيح لهذه الأطروحة، ولإظهار التكامل بين البعد الكوني والبعد الحلمي للرموز، كتب ريكور:
إنَّ الانغماس مجدداً في مهجورنا العتيق هو بلا شك الوسيلة المواربة التي نغوص من خلالها في المهجور العتيق للإنسانية. وهذا “النكوص” المزدوج هو بدوره الطريق الممكن لاكتشافٍ ما، ولتنقيبٍ ما ولنبوءة ما عن ذواتنا. وهذه الوظيفة للرمز – بوصفها مَعلماً وموجِّه لأن “نصبح أنفسناdevenir soi-même” – يجب أن يتم وضعها كقرين – وليس بوصفها معارضةً – للوظيفة “الكونية” للرموز كما تعبِّر عن نفسها في تجليات المقدس التي تم وصفها من قِبَل فينومينولوجيا الدين.(16)

يبيِّن هذا الاستشهاد المهم بوضوح رؤية ريكور لإمكانية تمفصل الأركيولوجيا والتيليولوجيا، التقهقر والتقدم. وسيصبح تحقيق هذا التمفصل – في ستينات القرن الماضي – هو أحد أهم مواضيع وغايات الهيرمينوطيقا الريكورية للعلامات والرموز. وإنَّ التكامل بين البعدين الكوني والحلمي للرمز يجب مفصلته مع البعد الثالث للرمز: البعد الشعري، الذي لا يمثل – وفقاً لريكور – شيئاً غائباً، بل – وعلى العكس من ذلك – يستدعي البعد الشعري حضوراً ما، ويكلمنا عن الأشياء ذاتها. فالبعد الشعري، كما يقول عنه باشلار: »يضعنا في أصل الكينونة المتكلمة« ؛ »إنَّه يصبح كينونةً جديدةً في لغتنا، ويعبِّر عنَّا بجعلنا ما يعبِّر عنه.«(17)

إنَّ مشكلة الرمز هي دائماً مشكلة لغة، لأنَّه لا يمكن التعبير عن الحلمي والشعري والكوني، أو الإمساك بهم، إلا من خلال اللغة وانطلاقاً منها. والسؤال الذي يجب طرحه هنا: كيف يمكننا تمييز الرمز – بوصفه تعبيراً لغوياً له معنى مزدوج – عن الأشكال اللغوية الأخرى، كالعلامة والاستعارة والأمثولة، والأسطورة … إلخ؟ وبكلماتٍ أخرى، كيف يمكننا توضيح ماهية الأشكال الثلاثة للرمز وبنيتها المشتركة، بحيث يمكننا تمييزها عن العلامات اللغوية الأخرى؟ لقد عمل ريكور على القيام بتحليل قصدي للرمزي من أجل صياغة تعريفٍ تقنيٍّ له، يميِّزه عن الأفكار القريبة منه. وسنعرض فيما يلي هذا التحليل القصدي وهذا التمييز:

الرمز والعلامة:
إنَّ الرمز هو أساساً صياغة أو علامة لغوية، لأنَّ الأبعاد الكونية والحلمية والشعرية يتم إيصالها والتعبير عن قصدها في الدلالة عن طريق الخطاب، والكلام، والعلامات. لكنَّ القول بأنَّ كلَّ رمزٍ هو علامةٌ لغويةٌ، لا يعني أنَّ كلَّ علامةٍ هي رمزٌ. فكلُّ علامةٍ لغوية تحتوي قصدية ما “une intentionnalité” أو هدفاً خارج ذاتها. وتأتي خصوصية العلامة الرمزية – التي تميِّزها عن العلامات اللغوية الأخرى بشكلٍ عام – من ازدواج قصديتها بشكلٍ دائم. فعلى العكس من العلامات التقنية الشفافة بشكلٍ دائمٍ، والتي لا تقول إلَّا ما تريد قوله حرفياً، فإنَّ ماهية الرمز تكمن دائماً في قصديتها الثانية، الكامنة والمعتمة. ولا يمكن الوصول إلى هذه القصدية الثانية أو المعنى الثاني للرمز إلَّا بواسطة المعنى الأول. وفي تأكيده على غموض الرمز بشكلٍ يستدعي عمل التأويل، يكتب ريكور: »[…] العلامات الرمزية غامضة لأنَّ المعنى الأول الحرفي والجلي يشير هو نفسه – عن طريق المشابهة – إلى معنىً ثانٍ غير معطى إلا من خلاله.«(18) وفي شرحه لرابطة التماثل بين المعنى الحرفي الجلي والمعنى الرمزي الكامن، أدخل ريكور مصطلح “الوجود-مِثِل l’être comme” الذي سيكون له دور بالغ الأهمية في دراسته اللاحقة عن الاستعارة.(19)

الرمز والتماثل (L’analogie):
إنَّ رابطة التماثل أو التناظر بين المعنى الأول “الحرفي” والمعنى الثاني “الرمزي” ليست مجرد رابطة تشابه، إذ لا يمكن مَوضعة هذه الرابطة أو استخلاصها كما يحصل في التناظر التناسبي من نوع: A/B = C/D. فبالتضاد مع هذا التناظر أو المقارنة الخارجية، يكون التماثل أو التناظر في الرمز داخلياً بامتياز؛ إذ يجب أن “نعيش” المعنى الأول “الحرفي” حتى نستطيع بلوغ المعنى الثاني “الرمزي”. فحين نعيش المعنى الأول سيُعطى لنا المعنى الثاني عن طريق التماثل. وهكذا فإنَّ المعنى الرمزي لا يتم بناؤه من قِبل المؤول، وإنما هو مُعطى – عن طريق التماثل – من قِبل المعنى الأول “الحرفي”.

الرمز والمجاز أو الأمثولة (L’allégorie):
في سعيه إلى تمييز الرمز عن الأمثولة، استعان ريكور بكتاب جان بيبان “Mythe et allégorie”(20)، وأكَّد معه أنَّ العلاقة بين المعنى الأول والمعنى الثاني في المجاز هي نوع من الترجمة؛ لأنَّ “المدلول الأول (المعنى الحرفي) هو معنىً جائز، في حين أنَّ المدلول الثاني (المعنى الرمزي نفسه) هو خارجي بشكلٍ كافٍ يتيح بلوغه بشكل مباشر.”(21) في المقابل، لا يمكن ولا يجب للعلاقة بين المعنيين في الرمز أن تُختزَل إلى هذا النوع من الترجمة؛ لأنَّ الرمز يعطي المعنى باستحضاره واقتراحه كلغزٍ أو أحجية. يقول ريكور: “الرمز يعطي المعنى في الشفافية المعتمة للُّغز، وليس عن طريق الترجمة. أنا سأقابل إذن بينَ إعطاء بالشفافية”en trans-parence“في الرمز، وتأويل المجاز عن طريق الترجمة”tra-duction".«(22)

الرمز، بوصفه علامة ذات معنى مزدوج، والرمز في المنطق الرمزي:
إنّ التمييز بين الرمز كعلامة ذات معنى مزدوج والرمز في المنطق الرمزي هو أمر ضروري لإكمال التحليل القصدي للرموز، الذي يهدف إلى الإمساك بماهية الرمز الأول، وتمييزه عن المصطلحات أو الأفكار القريبة منه. الرمز في المنطق الرمزي أو الشكلي يحل محلَّ العلامات العادية، والمفاهيم، والعبارات … إلخ. ويمكن للرمز أو للعلامة – في المنطق الرمزي – أن تعادل أي شيء. كما يمكن القيام بعملية استدلال في هذا المنطق، بدون أن نتساءل عما تجسِّده هذه المصطلحات الرمزية في الواقع. فالرموز – في المنطق الصوري أو الرمزي – ليست “اختصارات لتعابير لسانية معروفة، وإنَّما هي حروف”caractères“بالمعنى اللايبنتزي للكلمة، أي وحدات حساب.”(23) ويتعارض الرمز – بوصفه وحدة حساب – بشكلٍ كاملٍ مع الرمز بوصفه علامةً ذات معنى مزدوج؛ لأنَّ هذا الرمز الأخير مرتبط – بشكلٍ جوهري – بمضامينه. وبالإضافة إلى ذلك، إنَّ المعنى الأول الحرفي يرتبط بعلاقة وثيقة مع المعنى الثاني الذي لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال المعنى الأول.

الرمز والأسطورة:
حاول ريكور – في المعيار الأخير الذي اعتمده في تحليله القصدي للرمز – أنْ يميِّز بين الرمز والأسطورة، مؤكداً على أهمية هذا التمييز، ومعترفاً بصعوبته، في الوقت نفسه. وقد رفض ريكور الأطروحة القائمة على اعتبار وجود نوعين من التأويل (التأويل الرمزي والتأويل المجازي)، ينصبان على المحتوى نفسه للأساطير. في المقابل، يشدد ريكور على قوة الجذرية والبدائية التي تتسم بها الرموز وتميزها – في الوقت نفسه – عن الأسطورة المعتبرة كاستعادة سردية مطوَّرة للرمز. ويكتب ريكور في هذا الصدد:
[…] أنا أعني دائماً بالرمز […] الدلالات التماثلية المصاغة بشكلٍ عفوي، والتي تعطي المعنى بشكلٍ مباشر. […] بهذا المعنى، الرمز أكثر جذريةً من الأسطورة. سأعتبر الأسطورة كنوعٍ من أنواع الرموز، كرمزٍ معروض في صيغة سردية، وممفصلاً في زمان ومكان لا يتفقان – وفقاً للمنهج النقدي – مع الزمان التاريخي والمكان الجغرافي.(24)
بعد إعداده للعلم المعياري للرمز (أي المستويات أو الأبعاد الثلاثة لظهور الرموز)، وبعد إتمام تحليله القصدي المباشر للرمز، قام ريكور بطرح السؤال الحاسم المتعلق بالوضع الفلسفي للمنهج الهيرمينوطيقي المستخدم في “رمزية الشر”. ولقد تم تأخير الإجابة على هذا السؤال إلى خاتمة ذلك الكتاب، حيث ناقش ريكور العبارة الكانطية “الرمز يعطي للتفكيرLe symbole donne à penser”. وأصبحت هذه العبارة شعاراً وأساساً لهيرمنوطيقا ريكور في ستينيات القرن الماضي، ثم حل محلها لاحقاً – ابتداءً من عام 1970 – قول أو شعار منهجي آخر ألا وهو: “تفسير أكثر من أجل فهم أفضلexpliquer plus pour comprendre mieux”.

لقد أشرنا آنفاً إلى أنَّ اهتمام ريكور الأساسي – في رمزية الشر – كان منصباً على مشكلة الشر. وفي خاتمة هذا الكتاب فقط، حاول ريكور معالجة مسألة الوضعية الفلسفية للمنهج الهيرمينوطيقي للرمز، وتأسيس هيرمينوطيقا فلسفية للرموز وصياغتها نظرياً. ويتألف منهج ريكور في هيرمينوطيقا الرموز من ثلاث مراحل أو خطوات أساسية. ولقد تم تطبيق هذا المنهج، والتنظير له، وعرضه في كتابات ريكور في ستينيات القرن الماضي. وتشكِّل هذه المراحل الثلاثة المكونة للفهم الهيرمينوطيقي للرموز تجسيد مسبق لما دعاه ريكور – ابتداءً من عام 1965 – بتطعيم الفينومينولوجيا بالهيرمينوطيقا. و يظهر التمفصل بين الأبعاد الفينومينولوجية والهيرمينوطيقية والتفكرية للفلسفة الريكورية بطريقة قوية وجلية في هذه المراحل الثلاث المكوِّنة لفهم الرموز.

الهوامش:
1- Paul Ricœur, Philosophie de la volonté I. Le volontaire et l’involontaire, Paris : Aubier, coll. « Philosophie de l’esprit », 1950. Philosophie de la volonté II. Finitude et culpabilité. 1. L’homme faillible, 2. La symbolique du mal, Paris : Aubier, coll. « Philosophie de l’esprit », 1960, 1988.
2- Paul Ricœur, Philosophie de la volonté I. Le volontaire et l’involontaire, op. cit., p. 37.
3- انظر: بول ريكور، فلسفة الإرادة: الإنسان الخطَّاء، ترجمة: عدنان نجيب الدين، المركز الثقافي العربي: الدار البيضاء/بيروت، ط1، 2003.
4- Paul Ricœur, Philosophie de la volonté II. Finitude et culpabilité, 1. L’homme faillible, 2. La symbolique du mal, op. cit., p. 167.
5- François Dosse, Paul Ricœur. Les sens d’une vie, Paris : Éd. La Découverte, 1997, pp. 312-313.
لكن يجب التنبيه هنا إلى ما أكده فرانسوا دوس نفسه في الصفحة نفسها: »مشروع ريكور لا يندرج في علاقة استمرارية مع المشروع البنيوي.« وسنرى لاحقاً أنَّ اللغة كموضوع للبحث الفلسفي كانت – ابتداءً من 1960 – من المواضيع الأساسية والمفضَّلة في أعمال ريكور.
6- نتفق – في هذا الصدد – بشكلٍ كاملٍ مع جوان ميشيل الذي عارض تأويل برنار ستيفن لريكور في هذا الخصوص. وهذا التأويل معروض في:
Bernard Stevens, Paul Ricœur. L’apprentissage des signes, Dordrecht : Kluwer Academic Publishers, 1991.
يتبنى برنار ستيفن – في هذا الكتاب – الأطروحة القائلة بوجود نوع من القطيعة أو اللا-استمرارية في فلسفة ريكور بحيث يمكننا الحديث عن “ريكور الأول” – المنتمي إلى تيار المثالية الذاتوية – و“ريكور الثاني” المتأثر بالهيرمينوطيقا الهايدغرية. ويؤكِّد جوان ميشيل، بطريقة مقنعة، الوحدة والاستمرارية المميزتين للفلسفة الريكورية، عبر مراحلها المختلفة. فمن جهة أولى، يشير ميشيل إلى تبني ريكور صراحةً للاتجاه الفينومينولوجي اللامثالوي لدى هوسرل الأول، ومعارضته بوضوح للنزعة المثالية الذاتوية التي ظهرت لدى هوسرل لاحقاً. ويرى، من جهة ثانية، أنَّ تأثر فينومينولوجيا ريكور بالوجودية عموماً، وبوجودية غابرييل مارسيل خصوصاً، جعلته ينأى بفلسفته عن كل صيغة مثالوية للفينومينولوجيا. فمنذ كتابه الأول “الإرادي واللاإرادي” انتقد وبشدة الصيغة المثالوية للفينومينولوجيا الهوسرلية، ويكتب في المقدِّمة: »الكوجيتو محطَّم داخلياً، […]، وبطريقة أكثر جذرية، يجب على الأنا أن تتخلى عن كل ادِّعاء مخفي خُلسةً في كل وعي، وأن تتنازل عن أمنيتها في التأسُّس الذاتي “autoposition” من أجل استقبال تلقائية مغذية وإلهاماً يقطع مع الدائرة العقيمة التي تشكلها الذات مع نفسها.«
Paul Ricœur, Philosophie de la volonté I. Le volontaire et l’involontaire, op. cit. p. 14.
ومن جهة ثالثة، إنَّ إدخال ريكور لمفهوم “اللاإرادي المطلق” – والذي يشمل الطبع واللاشعور والحياة – جعل من كل طموح إلى التأسُّس الذاتي مستحيلا.ً وأخيراً، لم يختفِ البعد التفكُّري للفلسفة الريكورية بعد انعطافها اللغوي والهيرمينوطيقي؛ ولهذا لا يمكننا الحديث عن تخلٍ عن فلسفة الوعي بعد الانتقال إلى فلسفة اللغة. انظر:
Johann Michel, Paul Ricœur : une philosophie de l’agir humain, Paris : Éd. du Serf, coll. « Passages », 2006, pp. 29-44.
7- جان نابير “Jean Nabert” (1818-1961)، فيلسوف فرنسي، تأثر بكانط وبرغسون، ويعد من أهم ممثلي الفلسفة التفكُّرية في فرنسا. من أهم إعماله: أطروحة الدكتوراه “الخبرة الداخلية للحرية”، “عناصر من أجل الأخلاق”، “بحث في الشر”.
8- Paul Ricœur, « Une interprétation philosophique de Freud », Le conflit des interprétations. Essais d’herméneutique, op. cit., p. 169. Cet article a été publié initialement in Bulletin de la société française de philosophie, séance du 22 janvier 1966, Paris : Armand Colin, 1966, n° 3, pp. 73-89.
(صراع التأويلات: دراسات هيرمينوطيقية، ص 215). أشير إلى عدم وجود الجملة الأخيرة – من هذا الاقتباس – في الترجمة العربية للكتاب، ويبدو أنها سقطت دون قصد.
9- Paul Ricœur, « Herméneutique des symboles et réflexion philosophique I », Le conflit des interprétations. Essais d’herméneutique, op. cit., p. 285. Cet article a été publié initialement in Il Problema della Dimitizzazione (Actes du Congrès international, Rome, janvier 1961), Archivio di Filosofia, direction E. Castelli, 31, 1961, pp. 51-73. (صراع التأويلات: دراسات هيرمينوطيقية، ص 340)
10- Paul Ricœur, Réflexion faite. Autobiographie intellectuelle, op. cit., p. 31.
(بعد طول تأملٍ، ص 51). ويعترف ريكور – في الموضع نفسه – أنّه يدين – بهذا التصور للهيرمينوطيقا وللرموز – لفينومينولوجيا الدين عموماً، ولفينومينولوجيا مِرسيا إلياد “Mircea Eliade” خصوصاً.
11- مِرسيا إلياد “Mircea Eliade” (1907-1986)، باحث في الأساطير وفيلسوف روماني، ويُعتبر من أهم مؤرخي الأديان في القرن العشرين. من أهم كتبه المترجمة إلى العربية: (تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية، ثلاثة أجزاء، ترجمة: عبد الهادي عباس، دار دمشق: دمشق، ط1، 1986-1987)، (أسطورة العود الأبدي، ترجمة: نهاد خياطة، دار طلاس: دمشق، ط1، 1987)، (المقدَّس والمدَّنس، ترجمة: عبد الهادي عباس، دار دمشق: دمشق، ط1، 1987)، (الأساطير والأحلام والأسرار)، ترجمة: حسيب كاسوحة، منشورات وزارة الثقافة: دمشق، (سلسلة دراسات فكرية “79”)، ط1، 2004).
12- جيراردوس فان دير ليو “Gerardus van der Leeuw” (1890-1950)، مؤرخ وفيلسوف ألماني للأديان. من أهم أعماله: “الدين وماهية الظواهر: دراسة في الفينومينولوجيا”.
13- غاستون باشلار “Gaston Bachelard” (1884-1962)، فيلسوف وإبستيمولوجي فرنسي، تتمحور أعماله عموماً حول نقطتين أساسيتين: الإبستيمولوجية أو فلسفة العلم، والمخيلة عموماً والمخيلة الشعرية خصوصاً. من أعماله المترجمة إلى العربية والمتعلقة بالمحور الأول: (تكوين العقل العلمي: مساهمة في التحليل النفساني للمعرفة الموضوعية، ترجمة: خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع: بيروت، ط1، 1982)، (العقلانية التطبيقية، ترجمة: د. بسام الهاشم، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع: بيروت، ط1، 1984)، (الفكر العلمي الجديد، ترجمة: د. عادل العوا، مراجعة: د. عبد الله عبد الدايم، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع: بيروت، ط2، 1983)، (حدس اللحظة، ترجمة: رضا عزوز وعبد العزيز زمزم، دار الشؤون الثقافية العامة: بغداد، ط1، 1986). ومن أعماله – المترجمة إلى العربية – حول الخيال والشعرية: (شعرية أحلام اليقظة: علم شاعرية التأملات الشاردة، ترجمة: جورج سعد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع: بيروت، ط1، 1991)، (شعلة قنديل، ترجمة: خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع: بيروت، ط1، 1995)، (جماليات المكان، ترجمة: غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع: بيروت، ط2، 1984)، (الماء والأحلام: دراسة عن الخيال والمادة، ترجمة: د. علي نجيب إبراهيم، تقديم: أدونيس، المنظمة العربية للترجمة: بيروت، ط1، 2007).
14- Cf. Paul Ricœur, Philosophie de la volonté II. Finitude et culpabilité, 1. L’homme faillible, 2. La symbolique du mal, op. cit., p. 173.
15- Ibid., p. 174.
وقد أكد ريكور بعد ذلك: » يجب أن نفهم بأنَّه ليس هناك ثلاثة أشكال غير متصلة من الرموز. إنّ بنية الصورة الشعرية هي نفسها بنية صورة الحلم عندما يجلب – هذا الحلم – من أجزاءً من ماضينا نبوءةً عن مستقبلنا وعن تمظهرات المقدس التي تجعل المقدس يظهر في السماء والمياه « .Ibid., p. 177
16- Ibid., p. 176.
17- Ibid.
18- Ibid., p. 178.
19- في شرحه للماثلة بين معنيي كلمة “لطخة tache”، كتب ريكور: »المعنى الحرفي والظاهر يقصد إذن ما وراء ذاته شيئاً هو مثل اللطخة.« Ibid.. ويظهر الدور الهام الذي لعبته فكرة “الوجود-مِثِل” – في التحليل الريكوري للاستعارة – في الدراسة السابعة من كتابه “الاستعارة الحية”:
Paul Ricœur, La métaphore vive, Paris : Éd. Du Seuil, coll. « Point/Essais », 1975, pp. 273-320.
20- Jean Pépin, Mythe et allégorie, Paris : Aubier/Montaigne, coll. « Philosophie de l’esprit », 1958.
21- Paul Ricœur, Philosophie de la volonté II. Finitude et culpabilité, 1. L’homme faillible, 2. La symbolique du mal, op. cit., p. 179.
22- Ibid.
23- Ibid., p. 180.
24- Ibid., pp. 180-181.
المصدر:
http://www.alawan.org/%D8%A7%D9%84%D...%85%D9%86.html