ومضة من كتاب : طل بقاؤك .. أنت!
"العمر"من أكثر ما يدعو الشناقطة به .. دعاءً بطوله .. أو بقصره،فلا"يتكار قدحان" – تعبير شنقيطي عن"التكرار" – إلا ويقول الشنقيطي .. "يطول عمرك" في الرضا،أو"يقصر عمرك"في عكسه !!
وقد كان الدعاء بطول العمر،بالنسبة لي،مثل"حتى"بالنسبة لـ"سيبويه"،وقد قال هو أو غيره من النحويين .. المقولة "السائرة" : أموت وفي نفسي شيء من حتى!!
كنت أسأل – بيني وبيني – هل ورد الدعاء بطول العمر عن الحبيب صلى الله عليه وسلم،هل ورد عن الصحابة الكرام؟
فكان حديث "خير الناس من طال عمره وحسن عمله" أو كما قال صلى الله عليه سلم،يعترض طريقي،فلعل الدعاء بطول العمر،يتكئ على هذا الحديث الشريف .. ويعترض طريقي أيضا ..حديث شريف آخر .. (من سره أن يبسط له في رزقه،أو ينسأَ له في عمره،فليصل رحمه)،أو كما قال صلى الله عليه وسلم،ومن تفاسير"ينسأ" .. : يُكتب عمره مقيدا بشرطٍ كأن يقال : إن وصل رحمه فله كذا وإلا فكذا،فتكون الزيادة في العُمر زيادة حقيقية.
فكان هذان الحديثان يلجمان فمي .. خصوصا مع كثرة ترداد الدعاء بطول العمر.. من تيجان رؤوسنا من أهل العلم .. ثم.
ويالها من "ثم" .. مضمومة الثناء المنقطوة من أعلاها بثلاثٍ .. بعدها ميم مفتوحة – أو منصوبة حسب تعبير الشناقطة - مشددة .. أشد ما تكون "الشدة" ..
ثم وقفت وأنا أقرأ كتاب"الرحلة الحجازية" على سؤال طُرح على الحافظ"الولاتي"حول "رقص المتصوفة ودعائهم لشيخهم،عقب الصلاة،بطول البقاء" .. فمما جاء في رد الشيخ،رحم الله والديّ ورحمه:
(أما السؤال عن دعائهم لشيخهم بطول العمر فجوابه أنه بدعة أدنى مراتبها الكراهة،لأنها سنة الزنادقة من المتصوفة،فهم أول من أحدث الدعاء بلفظ أطال الله بقاءك،صرح بذلك ابن حجر الهيثمي في فتاويه الحديثية ونصه : وأما المسألة السابعة والعشرون وهي الدعاء بأطال الله تعالى بقاءك،فما ذكره السيوطي فيها عن النووي من الكراهة هو الصحيح خلافا لمن أباحه بلا كراهة وإن كان أول من كتبه الزنادقة،ومكاتبةُ السلف إنما كانت من فلان إلى فلان أما بعد سلام الله عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي ويسلم على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آل محمد،ثم أحدث الزنادقة المكاتبة التي أولها أطال الله بقاءك.انتهى كلامه،وفيه التصريح بأن الدعاء بأطال الله بقاءك وعمرك من بدع الزنادقة،وهم طائفة من متأخري المتصوفة خرجوا بتصوفهم عن أصول الإسلام إلى أصول الفلاسفة،فهم القائلون بالوحدة والحلول والاتحاد – أعاذنا الله من حالهم ونظمنا في سلك الناجين أهل السنة. فبان لك أيها الناظر أن ما يفعله هؤلاء التلامذة من صراخهم بالدعاء لشيخهم بطول العمر في المساجد بعد الصلاة من البدع القبيحة المذمومة شرعا،ولا سلف لهم في ذلك إلا زنادقة المتصوفة.؟){ ص 349 – 350 (الرحلة الحجازية ) / محمد يحيى الولاتي / / تحقيق : د.محمد حجي / تونس دار الغرب الإسلامي / الطبعة الثانية 2009}
الآن حصحص الحق .. وانجلت ظُلمة"حتى" من نفسي.
تلويحة الوداع :
لعل الدعاء بـ"يقصر عمرك"،مما فات عليّ ذكره في "عجائب الشناقطة" .. ومثله .. إطلاقهم "النصبة" على الفتحة .. و"الجزمة" على السكون .. ولعلهم يقولون "الخفضة" .. للكسرة!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني