تنمية الأنانية والفرديةبقلم:سري سمّور
لي رأي خاص بموضوع (التنمية البشرية) أظنه معلوما لمن يعرفني، ولكن بعيدا عن هذا الرأي، فإن هذا العلم أو الفن-إذا جازت التسمية-قد انتشر في السنوات الأخيرة، وصار هناك من يعقد له الندوات والمحاضرات وورشات العمل، وينشر الكتب والدراسات والمقالات، ويطلق مواقع الإنترنت، وصار له مدربون، وصار هناك دورات لتخريج وإعداد المدربين.وما انبثق عن هذا العلم ورشح، يتسرب إلى الناس جميعا، حتى أولئك الذين لم ينتظموا في الدورات أو يطلعوا على الكتب والنشرات، فالقائمون عليه أو المتأثرون به، يطلقون أفكارا ونصائح وقواعد اجتماعية أو سلوكية، تمتاز بقلة عدد الكلمات وكثافة وجودها في الفضاء الإلكتروني، وهي طريقة لا شك في هذا العصر؛ عصر الوجبات السريعة، لها تأثير كبير على طريقة تفكير الناس وصياغة وتوجيه نظرتهم إلى الحياة والمجتمع ونظرة الفرد إلى ذاته، بعيدا عن التقصي والتعمق والبحث الرصين، بمدى صحة ما ينتشر.ومما يُبث بزخم منذ مدة عبارات وأفكار وأمثلة، تعزز الأنانية، وتعلي من الفردية بصورتها الوحشية، ولا تبتعد الاستنتاجات والتوجيهات والنصائح التي تجعل الأنانية والفردية المتوحشة قيمة سامية، عن التأثر بمخرجات التسلط الرأسمالي، المهيمن على معظم أرجاء الكوكب منذ جيل تقريبا، مع أننا نلاحظ أن القائمين على التنمية البشرية في بلاد العرب، يحرصون على محاولة إقناع المتلقي بأنها مستمدة من القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية ونهج الصحابة والتابعين، أو على الأقل لا تتعارض معها في أي نصيحة أو قاعدة يتم تقديمها وتعميمها.ولو نظرنا لوجدنا نصيحة أو قاعدة تتكرر بكلمات مختلفة ولكن مفهومها واحد وهو أنك أيها الإنسان حين تعثر قدمك وتسقط(بالمعنى المجازي) عليك أن تنهض بالاعتماد على نفسك فقط، فلن يمد لك أحد يده ليعينك على النهوض، ولن يواسيك أي إنسان إذا حزنت لقرح أصابك، وتعميم هذه الثقافة يحيل الإنسان إلى حالة من الأنانية المفرطة، وغياب التفكير بالمصلحة العامة، بل أنا متردد باستخدام كلمة وحشية، لأنه حتى الوحوش في البراري تتعاون مع بعضها لصيد فرائسها. هي الثقافة الأمريكية التي تصفق للغالب القوي بعيدا عن معايير الحق والعدل، أو كما وصفها بعضهم:إذا رأوك تتعرض لهجوم من أحد السباع المفترسة ألقوا لك بسكين وأخذوا يتفرجون على من سينتصر، ولا قيمة للروابط والعواطف الإنسانية، أي أن هذا العلم يرسخ فكرة مجتمع الغاب، حيث يأكل القوي الضعيف، وحيث الفرد منبت عن الجماعة، وأن فشله هو المسؤول وحده عنه، وعليه أن يحوّله إلى نجاح وإلا فهو لا يستحق الحياة أو هو إنسان من درجة متدنية!وهنا قد يرى المدافعون عن هذا الفن أو العلم بأن الاستنتاج خاطئ وفيه تحامل وتجنّ لأن القصد من نشر وتعميم هذه النصائح لا يسعى إلى ترسيخ الأنانية وتقويتها وتثبيتها في النفوس بل القصد هو السعي والتشجيع على ترك التواكل، وزيادة الثقة بالنفس والحض على المحاولة مرة بعد مرة في حال الفشل في أي شأن من شؤون الحياة، وعدم الاعتماد السلبي على مساعدة القريب أو البعيد...قلت:أنتم تتحدثون عن علم ودراسة لها منهجها وأصولها-كما يفترض- وليس عن نص أدبي يحتمل التورية وقراءة ما بين السطور، بل إن بعض نقاد النصوص الأدبية لا يقبلون حجة التورية، وتأويل النص بغير ظاهره في بعض الأحيان، فإذا أردتم أن يفهم النصح الذي أراه ترويجا للأنانية بأبشع مظاهرها بالطريقة المذكورة، فليكن هناك توضيح، أو أرونا كثافة لنصائح تقول:إذا وجدت من عثر ووقع فمد يدك كي تساعده على النهوض، وعن ضرورة إقالة العثرات، وجبر الخواطر، لا أن تتعاملوا مع المرء وكأنه آلة مبرمجة لا مشاعر لها ولا أحاسيس إلا حب الذات وتعظيمها، بدل تهذيب هذه الغريزة وضبطها...سيقول قائل:موجودة ولكنك لا تراها؛ ومع أنني أرجو ذلك، ولم أكتب هذه المقالة إلا بعد مراقبة استمرت فترة ليست قصيرة، ولكن هل ما يحض على روح الجماعة ومساعدة الضعفاء وحض القادرين على مساعدة العاثرين على النهوض، ومواساة المصابين بالحزن، يضاهي أو يقارب ذلك الطوفان من العبارات والجمل التي لا تكاد تفتح جهاز الجوال أو الإنترنت حتى تراها، وكلها تقديس الفردية والأنانية؟أترك الجواب لمراقب محايد.ولا ننسى أن الإسلام في كثير من الأمور يحض على فكرة الجماعة وارتباط الأفراد بها، لدرجة أن صلاة الجماعة لها 27 درجة تفضيل عن صلاة المرء منفردا كما في الصحيحين، وفي ذات الوقت هناك أمور فردية مثل الحساب الأخروي(وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) وعليه فإن إطلاق النصائح والتعميمات بحاجة إلى تمحيص وتدقيق وتوضيح للأهداف المنشودة، خاصة أننا كما قلت نتعامل مع جمهور استهلاكي في تعاطيه مع طوفان القواعد المعلبة.أنا مع مشجعي اعتماد المرء على ذاته وقدراته، ولكن في ذات الوقت مع الحض على التآلف والتعاضد وجبر كسر من يصاب، وأن يتم تشذيب الأنانية والفردية لا جعلها ميزة ومطلبا، فيكفينا ما نحن فيه من البحث عن الخلاص الفردي عموما بسبب الضغط المركز علينا من الأعداء ومخططاتهم.،،،،،،،،،،السبت 20 ذي القعدة 1438هـ ، 12/8/2017ممن قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين