14/7/2009حاورته منبر الداعيات
الداعية وجدي غنيم حول الشورى والديمقراطية
- ولد الدكتور وجدي عبد الحميد محمد غنيم في 8 شباط 1951م بمحافظة سوهاج بصعيد مصر.
- حصل على بكالوريوس التجارة/ شعبة إدارة الأعمال من جامعة الإسكندرية عام 1973.
- حصلعلىدبلومعالٍفيالدراساتالإسلاميةمنكليةالدراساتالإسلاميةبالقاهرة،وتمهيديماجستيرمنكليةالدراساتالإسلاميةبالقاهرة.
- حصلعلىالدكتوراهمنجامعة (GTF) بولايةإندياناالأمريكية،وكانتبعنوان: «ربانيةالشورىووضعيةالديمقراطية».
- عملوكيلحساباتبالمديريةالماليةبمدينةالإسكندريةشمالمصرقبلانتقالهللإقامةفيأمريكا.
- وضيفنامعروفببرامجهالشيِّقةعلىالفضائياتوالإذاعات،وبمحاضراتهالجذابةفيعشراتالدولوعلىالإنترنت.
تستضيف«منبر الداعيات» في هذا العدد الداعية الجريء الصدّاح بالحق المشهور الدكتور وجدي غنيم ليحدثنا عن مضمون رسالة الدكتوراه التي حصل عليها قبل عام حول الشورى: تعريفها وضوابطها وأوجه تناقض الديمقراطية مع الشريعة الإسلامية... وغيرها من المحاور؛ فإلى الحوار...
1. «منبر الداعيات»: الشورى: ما تعريفها وضوابطها وأدلَّتها من القرآن والسُّنة؟
- الشورىشَعيرةمنشعائرالإسلامشرعهااللهعزوجلوأوصىبهارسوله،ولهاضوابطهاومنطَلَقاتهاالإسلامية. ولقدأكدالإسلامالحنيفعلىمشروعيةالشورىوأنهامنأسسهذهالشريعةالسمحاءوذلكمنخلالالقرآنالكريموالسُّنةالنبويةالشريفة،قالتعالى: فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلبِ لانفضُّوا من حَولك، فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاوِرْهم في الأمر، فإذا عزمتَ فتوكَّل على الله، إنّ الله يحبّ المتوكلين، والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأَمْرُهُم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. ومن الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في الشورى معنىً وليس لفظاً: عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قَدِم نبي الله صلى الله عليه وسلّم المدينة. وهم يُؤَبِّرون النخل (يلقّحونه)، فقال: «لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً» فتركوه، فنفضت (أو: فنقصت). قال: فذكروا ذلك له, فقال صلى الله عليه وسلّم: "إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر" رواه مسلم.
2. «منبر الداعيات»: ما آثارها على الفرد والحاكم والجماعة؟
- للشورى آثار عظيمة تتجلى في:
- مدح الله المؤمنين بانتهاجهم مبدأ الشورى بينهم.
- حرص النبي صلى الله عليه وسلّم على مشاورة المؤمنين ليطيِّب بذلك قلوبهم وليشجِّعهم على المُضي في نشر الدين والدعوة إلى الله عز وجل.
- الشورى تبعث في الناس حب التعاون مع المسؤولين وتشجِّعهم على تحمُّـل مسؤولياتهم أمام مجتمعهم.
- الشورى في الإسلام تعتمد رأي "أهل الشورى" من العلماء الأتقياء ومن المخلصين من أمة الإسلام، أما الديمقراطية فتعتمد رأي الأكثرية مهما كان شأنها.
- الشورى ترسِّخ فكرة ضرورة اشتراك جميع أفراد الأمة مع الحاكم في تحمُّـل مسؤولية البحث عن الأفضل والصواب، وأنها مسؤولية مشتركة.
- تأليف قلوب المسلمين وإشاعة المودة بينهم نتيجة للمشاورة.
- تعويد الأمة المسلمة على استخدام الشورى في جميع مناحي الحياة.
- استشعار المسلمين المحكومين بأنّ قرار الحاكم ليس ذاتياً فردياً وإنما هو قرار جماعي مدروس قائم على الشورى والمشاورة.
- انطلاقاً من الشورى فإنّ المحكومين سيشعرون أنهم مشتركون في اتخاذ القرارات؛ أي أنهم متفاعلون وليسوا متفرجين.
- الشورى تنمّي خُلُق الإيجابية في الأمة المسلمة نتيجة المشاركة في صنع القرار، وهي عكس السلبية التي تقتل الإبداع في النفس البشرية.
- الشورى تمثّل أقوى دافع من دوافع العمل والإنتاج والتقدم والرُّقي والنهضة؛ حيث يشعر المسلم بأنه ينتمي إلى مجتمع كبير يقدِّره ويعترف بمكانته وبقُدُراته.
- من بركات الشورى أنها تقود إلى رشد العاقبة في الأمور التي وقعت وأصبحت قضاء بعد أن كانت قدراً.
- مدح الله المؤمنين بانتهاجهم مبدأ الشورى بينهم.
3. منبرالداعيات: الشورىغيرملزِمةاجتهادلجمهورالفقهاءالمتقدِّمينخالفهكثيرمنالمعاصرين: لماذا؟
- في هذه المسألة نجد للباحثين المعاصرين والمُحْدثين من المسلمين ثلاثة آراء:
أ. رأي يقول بأن الإمام مخيَّر في قَبول رأي الأكثرية من أهل الشورى أو رفض ذلك، والحكم الأخير له مطلقاً سواء وافق آراء الناس أم لا، ويرَوْن أنّ الشورى بالنسبة للإمام ما هي إلا للاستنارة فقط؛ فهي كما يقال: إعلامٌ للحاكم وليست إلزاماً.
ب. وآخر يقول: بل الإمام في الإسلام مُلْزَم برأي الأغلبية، ويجب عليه تنفيذ ما اتفقوا وأجمعوا عليه، ولا يجوز له أن يخالف جمهورهم، ولذلك فهم يقولون إن الشورى مُلزِمة للحاكم.
ج. وثالث يقول: بل الأمر في ذلك حسب رأي الأمة، إن رأت أن تجعل الأمر للأمير مطلَقاً فَعَـلَتْ، وإن رأت أن تقيِّده بآراء أكثرية المستشارين فَعَلَتْ؛ لأن الإمام نائب عن الأمة، والأمر دائر على المصلحة؛ فإن وجدت الأمة أن مصلحتها في تفويض الحاكم لكفايته وظروف الناس كان لها ذلك، وإن رأت أنه يجب تقييد صلاحياته بإجماع أهل الشورى أو برأي أكثريتهم فلها ذلك أيضاً.
4. «منبر الداعيات»: الشورى: ما مجالاتها وآليات تطبيقها، خاصةً في ميدان العمل الجماعي؟
- الشورى غالباً ما تكون في ستة أمور، وهي: سياسة الأمة في الحرب والسِّـلم - أولويات التطبيقات للأحكام الشرعية - اختيار الإمام أو الخليفة - توجيه النظام المالي - رقابة الحاكم وتسديده - بحث أحكام المعاملات الحادثة.
4. «منبر الداعيات»: ما أوجه تناقض الديمقراطية مع الشريعة الإسلامية؟
- هذه الأوجه تتمثل في:
وهذا يعني أن المألوه المعبود المطاع - من جهة التشريع والتحليل والتحريم - هو الشعب والإنسان والمخلوق وليس الله تعالى، وهذا عين الكفر والشِّرك والضلال لمناقضته لأصول الدين والتوحيد، ولتضمنه إشراك الإنسان الضعيف الجاهل مع الله سبحانه وتعالى في أخَص خصائص أُلوهية الله، ألا وهي الحكم والتشريع.
وهذا أمر لا شك في بُطلانه وفساده، ومغايرته لكثير من النصوص الشرعية، إذ أن المسلم لو ارتدّ عن دينه إلى الكفر، فله حدّ في الإسلام في باب من الفقه يُسمى (حدّ الرِّدة).
يتعارضهذاالمبدأمعالإسلامتعارضاًتامّاًلأنالمرجعيةفيالإسلامهيللشرعوالدين؛فقدأمرنااللهتعالىبالاعتصاموالتمسكبكتاباللهتعالىوبسُنّةنبيِّه صلى الله عليه وسلّم؛فقدقالاللهتعالى: فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجَر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حَرَجاً مما قضيتَ، ويسلِّموا تسليماً، وقال تعالى: إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى اللَّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون وقال تعالى أيضاً: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فرُدُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً. والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «دعوني ما تركتكم؛ إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأْتوا منه ما استطعتم» رواه البخاري.
لأن الديمقراطية تقوم على مبدأ حرية التعبير والإفصاح أيّاً كان هذا التعبير، ولو كان مفاده طعناً وسبّاً لله سبحانه، وكتبه ورسله؛ إذ لا يوجد في الديمقراطية شيء مقدّس يَحْرُمُ الخوض فيه أو التطاول عليه بقبيح القول! وأي إنكار على ذلك يعني إنكار النظام الديمقراطي الحر برمّته، ويعني تحجيم الحريات المقدّسة في نظر الديمقراطية والديمقراطيين!!
وهذا المبدأ أيضاً يصطدم بالشريعة الإسلامية الغرّاء التي من أهم خصائصها «شمولية الإسلام» كونه دين ينظِّم للإنسان حياته كلها وليس جزءاً منها؛ فالإسلام منهج حياة، مصداقاً لقول الله تعالى: قل إنّ صلاتي ونُسُكي ومَحْيايَ ومَمَاتي للهِ ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أُمرتُ وأنا أول المسلمين.
تقوم الديمقراطية على مبدأ الحرية الشخصية؛ فللمرء في ظلِّ الديمقراطية أن يفعل ما يشاء، ويمارس ما يشاء ما لم يتعارض مع القانون الوضعي للبلاد. وهذا قولٌ معلوم بطلانه وفساده، لتضمّنه تحليل ما حرّم الله تعالى على العباد، وإطلاق الحرية للمرء في أن يمارس ما يشاء ويهوَى من المعاصي والموبقات المحرَّمة شرعاً.
إنّ حرية المسلم مستمَدة من تعاليم الإسلام لا غيره، وهو يدور مع الشرع حيث دار، لا يخالفه في قليل ولا كثير، وله رسالة وغاية.
وهذا مبدأ باطل شرعاً؛ لكونه يتضمن الإقرار والاعتراف - طَوْعاً من غير إكراه - بشرعية الأحزاب بكل اتجاهاتها الكفرية والشِّركية، وأنّ لها الحقّ في الوجود، وفي نشر باطلها وفسادها وكفرها في البلاد وبين العباد، وهذا مغاير ومناقض لكثير من النصوص الشرعية التي تثبت أنّ الأصل في التعامل مع المنكر والكفر إنكاره وتغييره، وليس إقراره والاعتراف بشرعيته؛ كما يترتب عليه تفريق كلمة الأمة، وتشتيت ولاءات أبنائها في أحزاب وتجمُّعات متنافرة ومتباغضة ومتدابرة ما أنزل الله بها من سلطان.
وهذا مبدأ باطل لا يصِح على الإطلاق؛ حيث إن الحقّ في نظر الإسلام هو ما يوافق الكتاب والسُّنة، قَلّ أنصاره أو كثروا، وما يخالف الكتاب والسُّنة فهو باطل ولو اجتمع عليه أهل الأرض قاطبة.
وهذا مبدأ - بصورته هذه - باطل شرعاً، والرضا به يُفضي إلى الكفر والارتداد عن الدين، وذلك من عدّة أوجه، منها:
- أنّ شرع الله تعالى - الحلال والحرام، الحق والباطل - لا يجوز أن يخضع إلى عملية الاختيار والتصويت، والرد والقَبول، إلا في حالة واحدة وهي أن يؤثِر القوم الكفر والخروج كلّياً من دائرة الاستسلام لله رب العالمين، قال تعالى: والله يحكم لا معقِّب لحكمه وهو سريع الحساب.
- أنّ عملية التصويت والاختيار هذه تتضمن التسوية الصريحة بين شرع الله عز وجل وشرع الطاغوت، وكلاهما - في نظر القوم - يخضعان لعملية التصويت بالتساوي من دون تفريق بينهما، وكلاهما قابلان للأخذ والرد.. وهذا كفر صريح لمغايرته لقوله تعالى: ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، وقوله تعالى: فمَن يكفر بالطاغوتِ ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى.
- أنّ هذا التصويت يدلّ دِلالة صريحة على تمكين القوم من ردّ حكم الله تعالى لو شاء المصوِّتون ذلك، وهذا - كما تقدم - يتنافى مع الإيمان ومتطلباته، كما قال الله تعالى: فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شَجَر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حَرجاً مما قضيتَ ويُسلموا تسليماً.
- أنّ عملية التصويت تتضمن الاستخفاف بشرع الله ودينه، وهذا مغاير لما يجب لدين الله تعالى وشرعه من تعظيم وتوقير وإجلال، كما قال تعالى: ما لكم لا ترجون لله وَقاراً وقد خلقكم أطواراً، وقال تعالى: ومَن يعظِّم شعائرَ الله فإنها مِن تقوى القلوب. ومن أعظم شعائر الله تعالى التي يجب تعظيمها وتوقيرها: كلامه، وأحكامه، وشرعه سبحانه وتعالى.
المساواة بين الأبرار والفُجّار
تقوم الديمقراطية على مبدأ المساواة - في الحقوق والواجبات - بين جميع شرائح وأفراد المجتمع بغضِّ النظر عن انتماءاتهم العَقَدية والدينية والسيرة الذاتية لأخلاق الناس؛ فيستوي في نظر الديمقراطية أكْفَر وأفجر وأجهل الناس مع أتقى وأصلح الناس في تحديد مَن يحكم البلاد والعباد، وغيرها من الحقوق والواجبات..! وهذا النوع من المساواة لا شك في بطلانه وفساده؛ لمساواته بين الحق والباطل، وبين المتضادَّيْن المتناقضَيْن، ومغايرته ومخالفته لكثير من النصوص الشرعية المُحْكَمة، كما في قوله تعالى: أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً، لا يستوون، وقال تعالى: أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون، وقال تعالى: أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار.
تقوم الديمقراطية على نظرية أن المالك الحقيقي للمال هو الإنسان، وبالتالي فله أن يكتسب المال بالطرق التي يشاء، كما له أن ينفق ماله بالطرق التي يشاء ويهوى، وإن كانت هذه الطرق محرّمة ومحظورة في دين الله تعالى، وهذا ما يسمونه بالنظام الاقتصادي الحر، أو الرأسمالي الحر! وهو مخالفٌ لما عليه الإسلام الذي يقرر أنّ المالك الحقيقي للمال هو الله، وأنّ الإنسان مستَخلَف عليه، وهو مسؤول عنه أمام الله تعالى: «كيف اكتسبه، وفيمَ أنفقه»؟
5. «منبر الداعيات»: هل توجد ديمقراطية حقيقية وفق المفهوم الذي حدّده واضعوها؟ وهل تخدم هذه «اللعبة» مصالح الشعوب؟
- لاوجودحقيقياًللديمقراطيةإلافيمايخدمالمصالحوالأهداف،أماإذاتعارضتالأهدافوالمصالحفلاوجودلها. وأبسطدليلعلىذلكهوالآتي: البلادالتيتزعمالديمقراطيةوتتغنىبهاوتدعوإليهاوتزعمأنهاحارسةلها،هيالبلادنفسهاالتيحاربتالاتجاهالإسلاميفيالجزائرولمترضبالديمقراطيةالتيأوصلتهإلىمجلسالنواب، وهي البلاد نفسها التي حاربت المحاكم الإسلامية في الصومال وساعدت أثيوبيا ضد المسلمين الذين أوصلتهم الديمقراطية، وهي التي أسقطت دولة طالبان في أفغانستان بعد أن وصل الاتجاه الإسلامي إلى الحكم، وهي التي حاربت وحاصرت الاتجاه الإسلامي متمثلاً في حماس بعد نجاحهم في انتخابات حرة نزيهة، بل وصل الأمر إلى تأييد الديكتاتورية والرضا بها طالما أنها تخدم مصالح وأهداف البلاد التي تزعم الديمقراطية وتتغنى بها.
منبر الداعيات: وفي الختام نشكر ضيفنا الدكتور وجدي غنيم على إفادته لنا. ونرجو لمن لم يقتنع من المسلمين بعد بزيف هذه العملية أن يتأمل فيما ورد من بيان مشفوع بالأدلة الشرعية ثم بالدلالات الواقعية حول العملية الديمقراطية.
http://www.itihad.org/?q=node/79