متعة الإبداع
قبل أي شيء آخر سأتحدث بشيء من المخالفة أو الخروج عن الخط الذي تعودناه عن الأدب والفن والإبداع والكتابة والرسم وما شئتم من صنوف تنتمي لما له علاقة بالذوق الرفيع .. وسأقول مباشرة، وهو رأي شخصي لا ألزم به أحداً، إنني رأيتُ بعد كل هذه السنوات أنّ المتعة تأتي أولاً وكل شيء يأتي بعدها، وما تحميلنا أو فلسفتنا أو دوراننا بفلك أشياء أخرى إلا نوع من التحسين واللف على الموضوع الأصلي، وقد رأيت أننا نكتب لنستمتع، نقرأ لنستمتع، نمثل ونرى لنستمتع، نرسم لنستمتع، نسعى إلى الخلود بالفن لنستمتع.. ولست أقول هنا إنني مع أصحاب " الفن للفن " فهذا خطأ، لأن الفن للاستمتاع وليس للفن، فالفن لا يكون لذاته لأنه يخرج عن معناه، إذ ماذا يستفيد الإنسان إذا كان الفن للفن؟؟.. ومن فكر جيدا بمعنى المتعة الحقيقية يشعر أنّ كل شيء في الحياة مجرد حالة من حالات الاستمتاع، ومن يخلط أو يفلسف الأمور أكثر مما يجب يتحدث عن كل شيء إلا عن غاية ودور ومسيرة الفن والأدب وحياة الإنسان، هل أنا محق بنظرتي هذه أم أنني أبالغ وأركب مركب الشطط ؟؟..
نقرأ قصة، نقف أمام لوحة، نقرأ قصيدة، نسمع أغنية ، نشاهد مسلسلاً، بماذا نشعر ولماذا نقبل أو نحجم عن المتابعة؟.. لنكن حقيقيين ولنقل بصراحة: درجة الاستمتاع هي التي تقربنا أو تبعدنا.. وكل الفلسفات التي تأخذ بالشرح والتفصيل والتوسع تقول كلها دون أن تعي بالاستمتاع .. وهنا إجابة عن أخطر سؤال منذ القديم " لماذا أقرأ " "لماذا أشاهد" "لماذا أتابع" والجواب الذي غفلنا عنه هو الاستمتاع.. والاستمتاع لعب، وخاصية إنسانية لا يستطيع التخلي عنها.. والاستمتاع بجذبه وشده وقدرته على أخذ المتفرج أو القارئ أو المتابع مفيد وموظف وقادر على البناء.. لماذا نحب القصة أكثر من الدرس، وكلاهما يقدمان مادة واحدة؟.. بدون نقاش لأن القصة تمتعنا.. فحاجتنا للاستمتاع هي الحاجة الأولية وبعدها يأتي أي شيء آخر.. لماذا نقبل الأمور الصعبة المغلفة بابتسامة أكثر من الأمور الصعبة المغلفة بالعبوس؟.. ببساطة لأن الابتسامة تمتعنا..فما الضير أن نعترف بأن الفن فن استمتاع أولاً، وما الضرر في أن نقدم ما نريد تقديمه من خلال صورة زاهية سارة قادرة على جذب الاهتمام؟.. هل هناك فرق كبير؟.. وهل الظن أنّ الجدّ هو الطريق الوحيد لتوصيل معلومة ما، صحيح؟.. علينا أن ندرس الفن والأدب والإبداع من جديد، وأن نبحث عن كنه الأشياء لا عن قشورها.. فالقشور لن تصل بنا إلى شيء، بينما الغوص في أعماق الأشياء هو الذي يوصلنا إلى حقيقة ما نريد .
الفن صورتنا .. الفن خلاصنا .. الفن وجهنا الذي ننظر إليه في المرآة والذي نبحث عنه في داخلنا .. الفن بسيط غاية البساطة ولا يحتاج إلى تعقيد.. ومن يحمل الفن الحمولة الكثيرة يخرجه عن مداره الحقيقي.. فكلما استمتعنا بالفن وصلنا إلى ما نريد، من الوطن إلى الحياة إلى إنسانية الإنسان.. ومن عقّد الفن عقّد الوطن والإنسانية وكل الصور المشتهاة.. لنكن مع الفن ببساطتنا وحبنا وإيماننا وانطلاقنا، وقبل كل شيء استمتاعنا.. فالفن استمتاع حقيقي بكل شيء، حتى بالحزن.. فالاستمتاع ليس وجهاً واحداً مصنوعاً من قناع، لكنه حياة مفتوحة على وسعها لا يمكن لها أن تتوقف
طلعت سقيرق