الكشــوف الأثريــة وتزويــر التاريـــخ



عن الانترنت - أحمد يساوي
الاربعاء 14-2-2007
كثير من التزييفات تحدث في التاريخ وكثير من الحقائق يتم تغييرها ، ولكن يختلف الأمر إذا تحدثنا عن تاريخ شعب بأكمله هل من الممكن أن يزيف أصل شعب وتاريخه والاحتيال في هذا الأمر لأهداف سياسية ؟

أسئلة رددها الحاضرون بالندوة التي عقدتها الجمعية المصرية للدراسات التاريخية والتي كانت معنونة بـ "هم يفضحون أنفسهم ، الكشوف الأثرية وتزوير التاريخ " .‏

حاضرت بالندوة دكتورة ليلى عنان والمتخصصة في التاريخ وخاصة الحضارة الفرنسية ، وكان محور النقاش حول كتاب لعالمين يهوديين أحدهما إسرائيلي وهو إسرائيل فيرنكشتاين (الأستاذ بجامعة تل أبيب ) والأخر هو نيل آشيرسليبرمان ، وهو مؤرخ صاحب رسالة ، والكتاب عن مملكة إسرائيل والتي تعد أسطورة بلا أساس وأن القدس لم تكن يوما عاصمة لها ، ولأن هذه النظرية يتوقع لها أن تثير كثيرا من الجدل،عرضت الدكتورة ليلى لأهم ماجاء بالكتاب وتحدثت عن أريحا ، وتساءل الكاتبان لماذا أعادت إسرائيل إكتشاف الحفريات ؟ ،‏

" إن مقولة أن يسوع استعمر أريحا أو مملكة إسرائيل بالقوة كما تقول الأساطير الإسرائيلية والمذكورة في العهد القديم كلها كذب وكلها ملفقة حيث تؤكد الحفريات أن هذه المدن لم تكن موجودة عندما دخل يسوع أرض كنعان ، ولقد أرقت هذه الإكتشافات إسرائيل واضطر علماء الكتاب المقدس أخيرا على الإعتراف بما توصلت إليه الحفريات ، حيث لا علاقة ليشوع بالأمر ، وأن الأمر يعد منطقيا جدا كما يقول الباحثان إذا نظرنا إلى منطقة الشرق الأوسط كلها وليس إلى أرض كنعان فقط حيث وجدت بها كلها آثار لحضارات هذه المنطقة وخاصة المصريين ".‏

يسوع برىء من تهمهم‏

من أحرق المنطقة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ؟ بعدما أثبتت الحفريات أن لا علاقة ليسوع وجيشه بالأمر ، فلم يتفق العلماء على مصدر هؤلاء القوم فبعضهم قال إنهم قبائل البحر المتوسط هذا الشيء الذى أنكره البعض الأخر من العلماء حيث قالوا إن الهجرات المختلفة والتي وفدت من البحر المتوسط إلى أرض كنعان كلها جاءت لتعيش فى أمن وسلام في المنطقة وذلك على مدى مائتي عام حيث أثبتت الحفريات أن لا غزو مفاجىء قد جعل ما حدث وأنه لا بد من أسباب أخرى ، حيث تدل الآثار أن ما حدث بأريحا إنما حدث بصورة بطيئة على مدى قرن كامل .‏

إذن فليس لجيش يسوع دخل بالموضوع ولا يوجد بالآثار أي شىء يدل على أن أنه كان هناك أي جيش ينتمي لبني إسرائيل ، والحق كما قالت دكتورة ليلى عنان ، أن الكتاب لم يعطِ أي إجابة وافية إلا أنه ينفي أي وجود إسرائيلي في المنطقة على عكس الوجود المصري ، إذن فالكلام تم عن المدن الإسرائيلية مثل مدينة أريحة كلها تجميع للأساطير الإسرائيلية ، وكانت هذه المملكة الذين يتحدثون عنها تنقسم إلى قسمين يهودا فى الشمال وإسرائيل في الجنوب حيث استعمر ملك الأشوريين الشمال اليهودي لتنتهي دولة اليهود ، وأورشليم تقع في الجنوب وكما تقول الأساطير أن سليمان بنى فيها معبده ، وأنه في القرن الخامس تحولت أساطير الأولين إلى الكتاب اليهودي المقدس وحتى الآن .‏

وتذكر دكتورة ليلى أن ما اكتشفه العالمان ليس بجديد فلقد لاحظ العلماء البروتستانت تضارب الأقوال والأحداث حول كذبة غزو يسوع ، ولاحظوا أنها كلها أساطير ومقولة أن الرب كان متواجد وسط جيش بنى إسرائيل يوجه يسوع ويسوع ينفذ أوامره ، وتأتي الحفريات الحديثة لتحول هذه النظرية إلى واقع لا يناقش ، ولأن العالمين القائمين على هذه النظرية لهما وزنهما ولا يستطيع أحد أن يجادلهما وبالتالى هناك تساؤل يطرح نفسه كما قالت دكتورة ليلى هو كيف لأمة كبيرة تلجأ إلى هذه الأساطير لتبني مجدا مبنيا على مجازر أسطورية دامية ، وقالت أن هذا ما يطبقه الجيش الإسرائيلى منذ 50 عاما .‏

هناك صحفي وكاتب فرنسي يدعى شارل أوندلان قد نشر كتابا يفضح كل هذا ويفضح كل الأكاذيب الملفقة التي يروجها الجيش الإسرائيلى حيث أن السلطة الفعلية في إسرائيل هي سلطة الجيش وهو المؤثر على الساحة الميدانية ، ويذكر الكتاب أن يهود المنفى عليهم أن يتخلوا عن زوجاتهم وأبنائهم وعائلاتهم التي كونوها في المنفى عند رغبتهم في العودة وذلك لأن دماءهم مختلطة وليست دماء يهود أورشليم وعليهم أن يثبتوا نقاء هذه الدماء وإلا يكونوا ملعونين أو منبوذين ، وأن هذا الفكر مازال يطبق ويحكم حتى الآن،.‏

تناقض بين التاريخ كعلم والتوراة‏

وتذكر الدكتورة ليلى أن هناك تناقضا بين التاريخ كعلم وبين التوراة والتي كتبت في القرن الخامس قبل الميلاد ، وأن إسرائيل مازالت تمارس عملية صمطقة التاريخ بمعنى (تبرير الوجود الإسرائيلي في فلسطين أي تلفيق التاريخ ) ولكن الآن أصبح العالم يعرف أكاذيب إسرائيل ولكنه يتغاضى عنها ، إذن لابد لنا أن نطالب نحن بحقوقنا ونفتش ونبحث عنها ونصحح التاريخ.‏

وقبل أن يبدأ وقت المداخلات أشارت دكتورة ليلى أن هناك تاريخين مهمين قامت إسرائيل فيهما بالتنقيب فى الآثار لتثبت أحقيتها بالمنطقة والأرض وعلى العكس لم تجد غير آثار مصرية ، والتاريخان هما 1920 وذلك عندما فتحت الهجرة لإسرائيل وقت الحرب العالمية ، والتاريخ الثانى هو من 1948- 1950 بدأت تنقيب آثار أخرى ليؤكدوا هذا الكلام.‏

مداخلات الحاضرين‏

تساءل أحد الحضور عن الطفرة الحديثة من المؤرخين الجدد فى إسرائيل ، وأجابت الدكتورة ليلى أن هؤلاء المؤرخين لم يتعرضوا إلا لما تم له التعرض من قبل ويلاحظ أنهم يمثلون الجيل الثاني من المهاجرين لإسرائيل أي لم يقاسوا مرارة ما فعله هتلر وبالتالي نظرتهم متغيرة بعض الشيء وقد يتميزون بوجود بعض الضمير ولذلك بدءوا يروا ويرصدوا ويكتشفوا الحقائق .‏

وعن سؤال للدكتور مدحت عن من المؤيد في أوروبا لهذا الإكتشاف البروتستانت أم الكاثوليك ؟ قالت الدكتورة ليلى عنان أن الكتاب المقدس عبارة عن جزأين (العهد القديم ، العهد الحديث) وأن 90% من أوروبا ملحدين كما تقول بعض الدراسات وبالتالي الأمر بالنسبة إليهم عادي جدا وبالنسبة إليهم هي مجرد قصص ولا شيء جديد وبعض القلة الكاثوليك فلا يمكنهم الجزم لأن كل شيء متشابك لديهم أما أمريكا فسيطرة اللوبي على كل شيء وحدث ذلك أيضا فى أوروبا حيث وصل تأثيرهم إلى أبعد الحدود ، وأن ما تخرج به النظريات الحديثة لا يعلم به إلا المثقفون.‏

ومداخلة أخرى للأستاذ فوزي أسعد (سعودي) والذى نوه على علو كلمة إسرائيل وقال أيضا أن الجيش الإسرائيلى جيش له دولة ودائما ما يكون له التصفيق لها رغم مناقضتها للأحداث.أما محمد عبد الحميد (صحفي) تحدث عن نقطة أن اليمين المتطرف الديني سياستهم قائمة على الكتاب المقدس وذكر أن بن جونيور شكل حكومة دون أن يكون بها أي عضو ديني ولكن أحد أعضاء الحكومة لفت نظره أنه لابد وأن يكون بالحكومة عضو ديني حتى لا يثور عليه الشعب.‏

وفي مداخلة أخرى حول تحطيم الأساطير أجابت الدكتورة ليلى أنه منذ 30 عاما تقريبا قامت بين المفكرين فكرة أن وظيفة المؤرخ الحديث تحطيم الأساطير.وعن سؤال حول هل مصر تمثل عقدة يهودية حديثا مثلما هي عقدة يهوديا قديما ؟؟ ، قالت إن مصر تمثل عفريتا قديما وحديثا ، فقديما خرجوا من مصر ولم يكونوا راغبين حقا في الخروج ، وأن مصر أيضا كانت تمثل الدولة العظمى والدليل على ذلك كل الآثار التي وجدوها كلها آثار مصرية والعهد القديم يتحدث معظمه عن مصر .أما العقدة الحديثة فمرارة الهزيمة في الحروب كانت أيضا على يد مصر.‏

مملكة إسرائيل أسطورة بلا أساس‏

وعلى مدى قرنين يحاول علماء الآثار والكتاب المقدس فى كفاح متواصل وذلك لفصل الحقيقة عن الأسطورة والتي كانت في الكتاب المقدس على مدى ثلاثة عقود مضت وأيضا لفصل كل هذه القصص عن دولة إسرائيل والتى تمثلت فى المنطقة تاريخيا ولقد كشف الكتاب عن زيف هذه الأقاويل والتي كانت تمثل قبل ذلك حقيقة تاريخية .‏

وتنوه الدكتورة أن مملكة إسرائيل أسطورة بلا أساس وأن القدس لم تكن يوما عاصمة لها مثلما قال الكتاب وأن الحديث عن كون القدس عاصمة لإسرائيل هو شيء تم اختلاقه وأنه لم يكن هناك وجود يوما لما سمى هيكل سليمان وأن مجلة لوموند الفرنسية نشرت تمهيدا لصدور الكتاب والذي يعد ترجمة فرنسية للنسخة الإنجليزية ومن المتوقع أن يثير الكتاب ضجة وكثيرا من الجدل ويرجع كاتبا الكتاب كما ذكرت دكتورة ليلى نشأة هذه الأسطورة إلى رومانسية الآثريين الذين قاموا بتحليل الحفريات خلال القرن التاسع عشر ورغبتهم في العثور على ما يثبت نظرياتهم وقالت الدكتورة إن الكربون 14 قادر على تحديد العمر الدقيق للقطع الأثرية وعن الأبواب التى تم الكشف عنها خلال القرن قبل الماضي والتى قيل أنها أبواب لقصر سليمان إنما تعود إلى ما بعد عهد سليمان .‏

علماء إسرائيل يسردون أدلة التلفيق‏

العالمان ( فرانكشتين وسليبرمان) لم يقف تفنيدهما للأدلة الأثرية عند مسألة بوابة سليمان بل تطرقوا إلى معبد موجود بالكرنك وعلى جدران هذا المعبد توجد جدارية تعرض للإنتصارات الفرعونية على شعوب منطقة كنعان وأنه لم يرد بالجدارية أي ذكر لوجود ما يسمى بمملكة إسرائيل أو زعامتها أو ذكر لملوك مثل داوود أو سليمان بل إن الجدراية وفقا لما أكده العالمان لا تشير بأي شكل من الأشكال إلى أن القدس كانت يوما عاصمة لمملكة إسرائيل كما يقال وقال الباحثان أن إسرائيل هى المسئولة عن الترويج لمثل هذه الأساطير غير الواقعية وتوجيهها لأسباب سياسية وأنهم استخدموا علم الآثار كأداة يحددوانبها مستقبل المنطقة .‏

وقال فرانكشتين وسليبرمان إنه يوميا يتم الكشف عن حفريات وآثار جديدة ولكنه من المهم كيفية تفسير دلالتها وأكد العالمان في كتابهما على ما ذكر خلال الندوة من أن مصر تعد عقدة يهودية وذلك بسبب الإنتصارات الفرعونية على قبال العبرانيين في كنعان ولقد قام نفس العالمان من قبل بنشر كتاب فى الولايات المتحدة وفرنسا بعنوان "كشف أسرار الكتاب المقدس" وقالا فيه إن كشوف الآثريين في السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي أكدت أن العديد من الشخصيات التوراتية هم مصريين وأن كهنة اليهود حرفوا أصولهم من أجل الترويج لما وصفه العالمان بأسطورة مملكة بنى إسرائيل.‏

ولازالت اسرائيل رغم كل هذا تنادي بمملكة بنى إسرائيل الكبرى وأنها من النيل إلى الفرات وستظل إسرائيل تزور فى حقائق التاريخ .. وهل سيستمر العالم في التصفيق لهم وتأييدهم أم سينصتون يوما لصوت الحقيقة؟‏