ابحث عن الأسطورة! فللأسطورة دور خطير في احكام قبضة الرجل الأبيض على مجتمعاتنا. الرجل الأبيض دارس جيد لتاريخنا، ومن ثم ناسج بارع لأساطيرنا المحلية. أسطورة الاستقلال الوطنى خير شاهد على هذه البراعة. فقد أعقب وفود فكرة القومية لمنطقتنا ظهور نزعات للاستقلال الوطني، بلغت فيما نعلم حدا ثوريا أزعج الغربيين. وهنا تفتقت العبقرية الغربية عن أسطورة الاستقلال وجعلها مصدرا لمشروعية الأنظمة الحاكمة الوليدة – حينها -.الرجل الأبيض والقيادة بالأسطورةحازم خيري
أسكروا الشعوب المتعطشة للكبرياء بنشوة الاستقلال الوطنى، فلم تنتبه إلى حيلة افراغ الأنظمة الحاكمة للاستقلال الوطني من مضمونه، وهو الحرية والعدالة والكرامة الانسانية..
يالها من فكرة عبقرية! انه الرجل الأبيض وقدرته على نسج الأساطير المحلية وتوطينها على نحو شديد الدربة. الاستقلال الوطنى أصبح بفضل حيلة الرجل الأبيض غاية في حد ذاته، غاية لم تتورع الأنظمة الحاكمة الوليدة – والمدعومة وقتها من الرجل الأبيض – عن استخدامها لتبرير تجفيفها غير المسبوق لمنابع الحرية وتضييقها الشاذ على الأجساد والأرواح والنفوس.
الرجل الأبيض يكرر الآن الحيلة نفسها، وإن اختلفت الأسطورة هذه المرة!! اختيار الرجل الأبيض استقر على الخلافة الاسلامية لتصبح أسطورة "ما بعد هجمات 11/9".
الخلافة الاسلامية أمر عظيم ونبيل، شأنها شأن الاستقلال الوطني من قبل، غير أن ما يثير الريبة والشك هو ما نرصده من حفاوة الرجل الأبيض بافراغها من مضمونها، وتصييرها مجرد آلية لتحرير الأسواق، وفتح مجتمعاتنا أمام قوى السوق الكونية المُستترة..أمام العولمة..
يعضد وجهة النظر هذه افلاس الاسلام السياسي وعجزه، حتى عن مجرد جذب الشعوب بعيدا عن الأنظمة القائمة. فضلا عن تدخل عاصمة قوى السوق الكونية لنصرة الاسلام السياسي، دون ايلاء أى اهتمام بعشوائية وفهلوة، يشترك فيهما الاسلام السياسي مع العسكر.
والسؤال: هل تقوى مجتمعاتنا على تجنيب الخلافة الاسلامية مصير الاستقلال الوطني؟ أو بعبارة أخرى: هل تقوى مجتمعاتنا على صون الخلافة الاسلامية وضمان عدم تحولها لأسطورة رديئة، يوظفها الإسلام السياسى لقيادة شعوبنا في رحلة جديدة على طريق الآلام..؟