إنه مكان صغير, بمثابة وعاء أفرغ فيه شحنات متتالية من أضغاث أحلامي...
والدقائق المبسترة من طموحاتي التي قد تترصدها زمرة من قطاع الطرق المتمثلة في الإحباط والتثبيط , والتي لها قدرة فائقة في قطع حبال العزيمة ونثر رذاذ الثلج على وجه الحماس, كما ينثر مسحوق الملح على وجه المكعبات الثلجية حتى تتبخر البرودة ...
البرودة !! يا لها من كائن ليس له مقياس ولا درجة يثبتان وجودها في أثناء ارتفاع وانخفاض الحرارة عدا وجودها في غياب نظيرها ..



كنت أتحسس الوسادة التي افرغ فيها كل هذا الركام المتكدس فوق أرفف وعيٍ يعلو كلما هبطت نفسيتي و"متى يدنو " مني موعد الخمول حيث ينتابني دوريا أمام نوبات العواصف الباردة بالرغم من أن كل أجهزة الرادار في ذهني تتعطل أمام تشويشها, وتصعب الرؤية من خلال طيات الغيوم المسدلة في واجهة الذاكرة ....
كنت اعرف منذ مدة طويلة بأن مخالب الانتباه في وعيي حادة ومدببة كحراب تتودد إلى هدف ما, لتحدث إشارة في قلبه .
انتبه غالبا لأشياء قد لا ينتبه لها غيري, في سلوكيات الحلم العنيد وربما هذا يعود لدقة التحري التي أتتبعه من خلال رحلتي معه و أصبه في قنوات لا يتسع حيزها إلا لتلك الأحلام اليتيمة الشاردة و التي تضل طريقها .. لكنها سرعان ما تعود لتطفو في السطح من جديد بإلحاح حيث يتم تسجيلها من قبل جهاز الرصد في هواجس الحدس المتأمل .."أيها الحلم "لا الماء ولا النار ممكن أن يفرقا بيننا فما بال الذين لا يشكلون سوى أرقاما في الأعداد اليونانية ..
بادرتني صديقتي و قالت : أنت لا تضيعين من يديك ما تملكين بينما أنا أضيع من يدي ما ملكته .
أجبتها .. ليس الخطأ أن يضيع منك شيء ملكته يداك لان دوام الحال من المحال بينما أنا أطلق سراح أحلامي وطموحاتي عندما تضيق فجوة الأفق في مدي البصري وابقي خاوية الوفاض لأطرق راسي في ندم وحسرة.
قالت : ها أنتِ تؤكدين بأنك تسمحين بضياع ما لا تملكين وغيرك يضيع ما يملك وهناك شتان بين الاثنين ...
قلت : إلا تعلمين بان الإنسان لا يتنازل عن حلمه بينما هو على استعداد ليفقد الثروة التي يمتلكها وهناك مثال على الذين ضربوا أروع مثال , الذين ضحوا بأرواحهم مقابل تحقيق حلم قد يتوافق مع مساحة واقعهم وقد لا يتوافق ...كثيرا من الذين حققوا الحلم الذي حفروا له الخنادق وعمروا له البنادق صُدموا بأن ذلك لم يكن سوى سراب يراوغ النظر من نقطة الأفق المتهاوية من بعيد , كلما اقتربوا منه فقدوا القدرة على ملامسته .


وبالرغم من كل هذا الحلم يظل ذلك الكائن المقدس وهو يجتز من النبضات صيرورتها , يبقى الحلم للعقل البشري ذلك المحلول الذي يمثل أحد أهم المكونات لسائل دم الحياة .