كما أن هناك قيمةً شرائيةً للعملة فهناك كذلك قيمة شرائية للكلمة.. لماذا يضطر أحدنا حين يريد إقناع الآخرين بصدقه أن يقسم لهم بأغلظ الأيمان..ألا يكفي أن يقول كلمة الصدق وحدها فيصدقه الناس!!
إن تفشي الكذب والمجاملات الزائفة والمبالغات في المجتمع هي التي ترخص من القيمة التأثيرية للكلمة فيضطر أحدنا إلى المبالغة في التأكيد والتكرار واليمين لإقناع الناس أنه يعني ما يقول وأنه ليس مجاملاً هذه المرة أو كاذباً كما جرت العادة في المجتمع..
ينكر علينا القرآن إرخاصنا لقيمة كلماتنا فيقول "لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" تصوروا حين يصل أحد الناس إلى درجة من الصدق حتى أنه لا يقول كلمةً إلا وهو يعني ما يقول دون مبالغة وتهويل، حينها لن يكون مضطراً للمبالغة في التأكيد لأن كلمةً واحدةً منه تتفوق على ألف يمين يحلفه الآخرون كذباً كما أن الورقة الواحدة في العملة الصعبة تفوق في قدرتها الشرائية أكواماً مكدسةً من أوراق العملة الرخيصة..
احذر من المبالغة فلا تقل مثلاً كل الناس يفعلون كذا وأنت تعلم أن نصفهم فقط هم الذين يفعلون، ولا تقل لأحد سأم
ر عليك بعد نصف ساعة وأنت تضمر بأنك ستتأخر إلى ساعتين أو ثلاثة ولا تعط أحداً وعداً وأنت تعلم أنك لن تنفذه، ولا تقل لأحدهم تفضل معي إلى البيت وأنت تعلم أن ظروفك في البيت لا تسمح باستقباله في هذه الساعة لأنك بمثل هذه الأفعال تفقد مصداقيتك بين الناس وترخص من قيمة كلماتك وتكتب عند الله كذاباً..
حين أعلى الصديق يوسف قيمة كلماته لم يجد نفسه مضطراً لإثبات براءته سوى أن يقول "هي راودتني عن نفسي" دون يمين وتشنج ومبالغة في الدفاع عن النفس، فكان أن صدّقه العزيز، وفي المقابل وفي نفس السورة حين أرخص إخوة يوسف من قيمة كلماتهم بالكذب فإنهم فقدوا مصداقيتهم فلم يستطيعوا إقناع أبيهم بصدقهم حتى حين كانوا صادقين فعلاً رغم سيل التأكيدات المبالغ فيها التي ساقوها "ياأبانا...إن ابنك قد سرق...وما شهدنا إلا بما علمنا..وما كنا للغيب حافظين..واسأل القرية التي كنا فيها..والعير التي أقبلنا فيها.. وإنا لصادقون.." وبعد كل هذه التأكيدات رد عليهم يعقوب مكذباً "بل سولت لكم أنفسكم أمراً"..