رسالة المثقف في المنتديات
إني إذ أثني على جهود القائمين على المنتديات في توليف كم هائل من المصنفات التراثية والسياسية والفكرية والأدبية ووضعها أمام الجميع للاستفادة منها، وفتح المجال أمام الجميع لكي ينمي ملكاته الكتابية والمعرفية، أود أن أثبت بعض النقاط التي تتعلق بمسألة المثاقفة والتثاقف وتقنية تكريس المعرفة التي يفترض أن تكون عليه بعد التغيرات الهائلة فيما طرأ على عادات التعامل مع المعلومة الثقافية:
1ـ إن المادة الثقافية كبضاعة، لا يمكن تسويقها إلا إذا كان هناك من يطلبها، وهذا الذي يطلبها، قد أقر بينه وبين نفسه بأنه بحاجة ماسة لها.
2ـ إن مواد المعرفة التي لا توظف بشكل يومي (سياسي، اقتصادي، اجتماعي) ستضمر مع مرور الزمن، كضمور العضلة التي لا تعمل، فعضلة الحداد أكثر نموا من عضلة الساعاتي، وعضلة الساق أكثر صلابة من عضلة الأنف. والسياسي النشط أكثر استعمالا للمادة الثقافية من السياسي الناسك المعتزل، والاقتصادي العامل في مجال حيوي يتعامل مع المعلومة الاقتصادية أكثر من الأكاديمي في الجامعة حتى لو معه أعلى الشهادات.
3ـ إن المعلومات الثقافية التي تبثها قنوات التلفزة، مزودة بالصوت والصورة، والمعدة من قبل إعلاميين محترفين تستولي على أوقات طالبي المادة الثقافية بشكل أكبر من الكتاب والمجلة والمادة المكتوبة أينما كانت.
4ـ إن جلسات المثاقفة التي تتم في الندوات والمؤتمرات والحوار تقتصر على السياسيين المنضبطين بشكل تنظيمي والمسئولين مسئوليات يومية، وهي حالات في وقتنا الحاضر تقل عما كانت عليه قبل عقود.
5ـ ليس هناك فائدة كبيرة أن يقتني المثقف آلاف الكتب، إذ ينقلها من أمكنة بيعها الى مكتبته الخاصة! ولا حتى لو حفظها لتكون هناك نسخة إضافية في عقله إضافة الى مكتبته أو دار النشر.
6ـ إن المادة الثقافية التي تكتب في صفحات الإنترنت، تكون قابلة للتداول بين المثقفين كلما كانت بحجم قابل للقراءة .. وكلما زاد حجمها وصعبت لغتها، ووضع لها تفرعات كثيرة في نفس الوجبة المعدة لمرة واحدة (مقالة تقرير الخ) كلما ابتعد القارئ عن متابعتها.
7ـ إن المثقف الذي يحسب حساب من هم أعلى منه، ويتصور أنهم يراقبونه في كل حرف يكتبه ستتوقف رسالته الجماهيرية ويتحول الى مفكر هاو يضاف الى زمر المفكرين المعزولين جماهيريا عن أمتهم.
8ـ كما أن توصيل المياه للشاربين لا يتم من خلال أنابيب قطرها 12 بوصة، بل بنصف البوصة أو ثلاثة أرباعها، فإن القارئ يحتاج لمن ينقل له المادة الفكرية والثقافية بطريقة قريبة من نفسه وقدرته، لا من خلال التباري مع كبار المفكرين .. ولو كانت كل شبكات المياه بأقطار 12 بوصة لمات الناس من العطش.
9ـ إن المثقف الذي ينتظر كلمات الثناء عليه في كل مساهمة يقوم بها، وإن انتقده أحد ما يتطير ويبتعد عن الكتابة، سيفقد صبره وستسقط مبررات زعمه في حمل الرسالة الثقافية. وليكن المثقف صاحب الرسالة كشجرة التين تعطي أكلها(صيفا) ولا تنتظر الشكر من أحد، وتتعرى (شتاء) لتكتمل دورة حياتها دون أن تهتم ممن يغمز بعريها. (هذا إذا آمنت شجرة التين بأن التعري جزء من دورة الحياة)