حديث كان الله ولم يكن شيء غيره – وبيان خطأ ابن تيمية رحمه الله
من مسلمات الإعتقاد عند المسلمين أن الله – عز وجل – هو الخالق, وأن ما سوى الله مخلوق, سواء في ذلك العرش فما دونه.
ويعني ذلك أنه سبحانه كان قبل أن يخلق العرش, وكان سبحانه ولم يكن شيء غيره, أي لم يكن شيء معه ولا قبله.
وهذا الإعتقاد هو ما عليه إجماع أهل العلم سلفاً وخلفاً, إلا ما شذ به ابن تيمية في القرن الثامن من الهجرة وتابعه عليه تلميذه ابن كثير وابن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية– رحمهم الله تعالى -, فأثبتوا أنه كان ولم يكن شيء قبله, وردوا أنه كان ولم يكن شيء معه.
ومنشأ الإشكال عند ابن تيمية هو ترجيحه إحدى روايتي البخاري على الأخرى ونسبته حديث للبخاري لم يروه في صحيحه وهماً منه.
ولرفع هذا الإشكال, لابد أن نعرض للحديث روايةً ودرايةً, ثم عقيدة علماء الأُمة فيه وعقيدة ابن تيمية – رحمهم الله أجمعين -.
أولاً: الحديث روايةً ودرايةً.
روايةً: فقد جاء من طريق عمران بن حصين
- من طريق الأعمش عن جامع بن شداد, وروي من خمسة طرق عن الأعمش بلفظ " كان الله ولم يكن شيء غيره ", هكذا روي من طريق حفص بن غياث وأبي عبيدة عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود, وأبي بكر بن عياش ومحمد بن عبيد وأبي اسحاق الفزاري كلهم عن الأعمش, عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين.
- ورواه أبو حمزة السكري وشيبان بن عبد الرحمن النحوي عن الأعمش بلفظ " كان الله ولم يكن شيء قبله ".
- ورواه أبو معاوية عن الأعمش بلفظ " كان الله قبل كل شيء ".
- ورواه أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن الأعمش بلفظ " كان الله عز وجل لا شريك له " واللفظان في الروايتين الأخيرتين يوافقان لفظ الرواية الأولى بالمعنى.
هنا خمسة رووه عن الأعمش بلفظ " كان الله ولم يكن شيء غيره " واثنان بلفظ " ولم يكن شيء قبله " وواحد بلفظ " كان الله قبل كل شيء ".
والنفس أميل إلى تثبيت ما رواه الخمسة على البقية, وقد يقال هنا أن الرواية بالمعنى من الأعمش نفسه فلا وجه لترجيح رواية الخمسة على البقية, قد يكون هذا صحيحاً لولا وجود طريق آخر للمسعودي عن جامع بن شداد وهو أحد أقران الإمام الأعمش فالمسعودي رحمه الله رواى الحديث بلفظ " كان الله ولم يكن شيء غيره " ولم يُختلف عليه في اللفظ سواء ممن روى عنه قبل الإختلاط أم بعده, وقد رواه عنه سبعة من الرواة لم يختلفوا في اللفظ.
خلاصة ذلك كله أن لفظة " كان الله ولم يكن شيء غيره " هي اللفظة و الرواية الراجحة وما سواها مرجوح.
وهنا يرد سؤال هل نطق النبي – صل الله عليه وآله وسلم هنا بلفظ واحد أم بأكثر من لفظ ؟
لقد أحسن ابن تيمية في قوله عن مناقشة الحديث: " والقصة واحدة, ومعلوم أن النبي – صل الله عليه وآله وسلم – إنما قال واحداً من هذه الألفاظ و الآخران رويا بالمعنى ".
فالجواب: أنه لو كان للحديث أكثر من إسناد بحيث سمعه أكثر من صحابي, ورووا الحديث عنه سماعاً, فهم إما سمعوه عنه في مجلس واحد أو أكثر من مجلس, فأن كان في مجلس واحد واختلفت الألفاظ فواحد منها من نطق النبي و الباقي رواية بالمعنى, وقد تكون الرواية بالمعنى منهم أو ممن روى عنهم.
وإن سمعوه في مجالس متعددة فيرد الإحتمال السابق, ويرد أنه النبي قد يكون حدثهم بكل تلك الألفاظ, ويحتمل أنه حدثهم ببعض تلك الألفاظ وبعضها الآخر روي بالمعنىو كل هذا إذا روى الحديث عن الرسول أكثر من صحابي.
أما لو روى الحديث واحد من الصحابه وعنه جماعة من التابعين ومن بعدهم بألفاظ مختلفة فالظاهر أن اللفظ النبوي واحد.
ولكما بعدت حلقة الإسناد مع التفرد زاد الإحتمال بكون الحديث صدر عن النبي بلفظ واحد وأن ما روي بالمعنى هو من نقظة تشعب إسناد الحديث ومنه حديثنا هذا لأنهم رووه عن الأعمش عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران ابن حصين, وتشعبت الطرق واختلفت الألفاظ بعد أن اتحد مخرج الحديث في أربع طبقات من طبقات السند, فاللفظ النبوي واحد, واختلاف ألفاظ الروايات من باب الرواية بالمعنى, وهو إما من الأعمش نفسه, وإما من الرواة عنه.
وللمحدثين منهجهم الخاص في الترجيح بين الروايات حال التعارض, فيعملون القرائن التي ترجح رواية على أخرى أو لفظ على آخر, منها كثرة من روى الحديث من الثقات عن شيخهم خلاف لمن هم أقل منهم درجة, وتقديم رواية الأشد ظبطاً وإتقاناً على غيره, تقديم رواية من سمع من الشيخ قبل أن يختلط على من سمع بعد الإختلاط.
وصورة المسألة, هل كان الله تعالى وحده في الأزل ولا شيء معه مطلقاً فلا عرش ولا أي مخلوق, أو أن الله تعالى الذي خلق العرش كان قد خلق قبله عرشاً آخر, وخلق قبل ذلك العرش عرشاً آخر إلى ما لا نهاية, بحيث إن العرش حادث بأفراده قديم بنوعه.
الجواب: أن عُلماء المسلمين مصرحين بالأول بل ينقل ابن حزم اتفاق العُلماء على ذلك. ( مراتب الإجماع لابن حزم – 167 ).
بينما ذهب ابن تيمية وابن كثير وابن أبي العز الحنفي إلى الثاني, ولم يُنقل عن أحد من عُلماء المسلمين قبل ابن تيمية أنه قال بمثل قوله, حتى هو نفسه لم ينقل ذلك عن أحد سبقه.
ثانياً: ما انبنى على ما سبق من عقيدة بين علماء المسلمين وابن تيمية.
يقول ابن تيمية رداً على ابن حزم الظاهري: " وأعجبُ من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شيء غيره معه ثم خلق الأشياء كما شاء, ومعلوم أن هذه العبارة ليست في كتاب الله, ولا تنسب إلى رسول الله – صل الله عليه وآله وسلم -, بل الذي في الصحيح عنه حديث عمران بن حصين عن النبي – صل الله عليه وآله وسلم –" كان الله ولا شيء قبله, وكان عرشه على الماء, وكتب في الذكر كل شيء ", وروي هذا الحديث في البخاري بثلاثة ألفاظ, روي " كان الله ولا شيء قبله ", وروي " ولا شيء غيره ", وروي " ولا شيء معه ", والقصة واحدة, ومعلوم أن النبي – صل الله عليه وآله وسلم – إنما قال واحداً من هذه الألفاظ و الآخران رويا بالمعنى, وحينئذ فالذي يناسب لفظ ما ثبت عنه في الحديث الآخر الصحيح أنه كان يقول في دعائه " أنت الأول فليس قبلك شيء, وأنت الآخر فليس بعدك شيء, وأنت الظاهر فليس فوقك شيء, وأنت الباطن فليس دونك شيء ", فقوله في هذا " أنت الأول فليس قبلك شيء " يناسب قوله: " كان الله ولا شيء قبله ", وهذا الحديث لو كان نصاً فيما ذُكر فليس هو متواتراً, فكم من حديث صحيح ومعناه فيه نزاع كثير, فكيف ومقصود الحديث غير ما ذكر, ولا نعرف هذه العبارة عن الصحابة و التابعين وأئمة المسلمين, فكيف يدعى فيها إجماع ؟! " ( نقد مراتب الإجماع لابن تيمية / 168 – 170 ).
هنا ابن تيمية لجأ لترجيح أحد اللفظين على الآخر كونه يناسب حديثاً آخر, ولكن لا علاقة للمناسبة بين لفظ إحدى الروايات ولفظ الحديث الآخر لأنه لا ترابط بينهما.
ولقد وهم ابن تيمية عندما قال أن الحديث روي في البخاري بثلاثة ألفاظ, فإن لفظ " كان الله ولا شيء معه ", لم ترد في أي من كتب أهل السنة.
وغمز في الحديث كونه غير متواتر وهل يصح أن ترد الأحاديث النبوية بمثل هذا, بعد أن تبين لنا ثبوته واحتجاج أهل العلم به, حتى أن إمام المحدثين وضعه في صحيحه.
أما علماء المسلمين فالنصوص عنهم متكاثرة في نفي وجود شيء من الأشياء مع الله تعالى في الأزل.
فعن الإمام أحمد قوله: " نحن نقول قد كان الله ولا شيء ", والطبري يقول: " كان معلوماً أن خالق الأشياء وبارئها كان ولا شيء غيره " ( تفسير الطبري تفسير سورة الحديد آية رقم 3 ),وقال ابن حبان: " ذكر الإخبار بأن الله جل وعلا كان ولا شيء غيره " ثم قال " كان ولا زمان ولا مكان " ( الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان/ 14 – 7 ).
ونصوص أخرى ومناقشات وردود تجدونها في هذا البحث الماتع النافع, للدكتور الإدلبي.
عنوان البحث: حديث كان الله ولم يكن شيء غيره رواية ودراية وعقيدة – بقلم صلاح الدين بن أحمد الإدلبي – دار الفتح للدراسات و النشر - عمان الأردن – الطبعة الأولى 1434هـ 2014م – 60 صفحة.
كتب الملخص: غيث حلمي الملكاوي
رابط البحث: http://goo.gl/lqYsuO