الصحة النفسية للمرأة ::
لقد تأخر كثيرا فتح هذا الملف والاهتمام به اهتماما حقيقيا وضاع بين أنقاض معارك كثيرة قامت من أجل المرأة وضدها, ولهذا سنحاول من خلال المنهج العلمي المحايد والموضوعي أن نستقرئ وضع الصحة النفسية للمرأة في مجتمعنا كجزء من الإصلاح العام الذي نسعى إليه في كل جوانب حياتنا.
وفيما يلي معالم الصورة ومقترحات الإصلاح:
المرأة تشكل 60-70% من المترددين على العيادات النفسية:
* هل هو التكوين البيولوجي ذو الإيقاع المتغير من طمث شهري إلى حمل إلى ولادة إلى رضاعة إلى انقطاع الطمث وما يصاحب هذه التغيرات من مظاهر فسيولوجية وانفعالية؟
* أم أن الوضع الاجتماعي للمرأة هو الذي يضعها تحت ضغوط مستمرة ومتعددة تؤدي في النهاية إلى إصابتها بالعديد من الاضطرابات النفسية والعصبية والجسدية؟ ...، فالمرأة مازالت حائرة ومذبذبة بين تيارات تدعوا إلى وأدها نفسيا واجتماعيا وتيارات أخرى تدعو إلى انطلاقها خارج ملابسها أحيانا(في رقصات الفيديو كليب) وخارج أنوثتها أحيانا أخرى(في صراع الشوارع).
* أم أن المرأة أكثر قدرة على التعبير عن معاناتها النفسية وأكثر شجاعة في طلب المساعدة الطبية في حين يعجز الرجل عن التعبير ويخجل من طلب المساعدة أو يتعالى؟
هذه الأسئلة وغيرها دفعت الكلية الملكية للأطباء النفسيين بإنجلترا للاعتراف بما يشبه الفرع الخاص بالاضطرابات النفسية لدى المرأة وتشجيع مجموعة خاصة للقيام بالأبحاث اللازمة لهذا الشأن بداية من عام 1995، بعد ذلك خصصت المجلة الأمريكية للطب النفسي عددين كاملين عن علاقة المرأة بالطب النفسي سواء كانت المرأة معالجة نفسية أو مريضة نفسية.
وعلى مستوى المؤتمرات تم عقد أول مؤتمر دولي عن"المرأة والصحة النفسية" في معهد الطب النفسي في انجلترا عام 1970 ومازال يعقد كل عام بداية من ذلك التاريخ، ويضاف إلى ذلك المؤتمر الدولي عن المرأة والذي عقد في بكين تحت رعاية الأمم المتحدة لمناقشة قضايا المرأة من جوانبها المختلفة وذلك بهدف تحسين نوعية حياة المرأة(على الرغم من الانتقادات وعلامات الاستفهام حول هذا المؤتمر لانحيازه لوجهة النظر الغربية عامة والأمريكية بوجه خاص).
وقبل كل ذلك هناك تراث عظيم في الأديان والحضارات المختلفة يهتم بتنظيم شئون المرأة في علاقتها بالرجل على وجه الخصوص وعلاقتها بالمجتمع والحياة بصفة عامة, ففي القرآن الكريم سورة كاملة(من طوال السور) عن النساء إضافة إلى الأحكام التفصيلية الواردة في القرآن والسنة مبينة مكانة المرأة ودورها وأثرها. ومع ذلك رأينا في عصور التدهور الحضاري نكوصا عن كل هذا ومحاولة قراءة النصوص وتفسيرها بما يتفق مع عادات وتقاليد المجتمعات وبعض التوجهات السياسية والاجتماعية.
المرأة والمرض النفسي:
0 المرأة قبل المراهقة تكون أقل عرضة للاضطرابات النفسية ذات الصلة بالنمو العصبي (Neurodevelopment)، ولكن إذا تتبعناها في مراحل نموها التالية نجدها تمثل غالبية المرضى النفسيين من حيث العدد ومن حيث احتياجهن للرعاية النفسية.
0 وقد بينت معظم الدراسات المجتمعية ازدياد نسبة الاضطرابات النفسية في النساء خاصة الاضطرابات النفسية البسيطة.
0 وهناك بعض الاضطرابات التي تكاد تكون أكثر التصاقاً بالمرأة مثل اضطرابات الأكل والاكتئاب والاضطرابات النفسجسمية واضطرابات الجسدنة في حين أن الفصام وإدمان الكحول والمخدرات تكون أكثر التصاقاً بالرجل.
0 وإذا كانت المرأة سيئة الحظ مع الاكتئاب(1:2 بالنسبة للرجل) فإنها تبدو أحسن حظاً مع الفصام(الشيزوفرينيا) حيث وجد أنها أقل إصابة به إضافة إلى أن شدة المرض تكون أقل واستجابتها للعلاج تكون أفضل ويبدو أن هذا يرجع لاختلافات جينية تؤدي إلى اختلافات في الحساسية للدوبامين.
تأثير المرض النفسي للمرأة على الأسرة:
الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأهم، وهي الحضن للأطفال والسكن للزوج والملاذ الآمن والغطاء الواقي والحضن الدافئ للجميع، وفي قلب هذا الكيان الدافئ الحنون نجد الأم، فهي في مركز الدائرة الحنونة والراعية وبدونها لا تكون هناك أسرة، وبغيابها تغيب مصطلحات الحب والحنان والدفء والرعاية، ولذلك إذا حدث اضطراب نفسي لأي فرد من أفراد الأسرة فإن المرأة تتحمل العبء الأكبر وتشكل الخط الأول والأساسي للرعاية والاحتواء(عته الشيخوخة لدى الزوج، الإدمان لدى الابن، الانحراف السلوكي لدى البنت).
ولكن الكارثة الأكبر تقع حين تتزلزل الأم ويتصدع بنيانها، أي حين تصاب بمرض نفسي فهنا يهتز المركز و يصبح البنيان الأسري بأكمله معرضا للتناثر حيث إن القوة الضامة الرابطة ممثلة في الأم قد اهتزت. فكيف نتخيل حال الأسرة وقد أصيبت الأم بالفصام(الشيزوفرينيا) واضطربت بصيرتها واختل حكمها على الأمور وتشوه إدراكها, كيف وهى في هذه الحالة تقوم بإدارة بيتها ورعاية زوجها وأطفالها؟. أو كيف نتخيل حال الأسرة وقد أصيبت الأم بالاكتئاب الذي يجعلها عاجزة عن فعل أي شيء لنفسها فضلا عن غيرها, ويجعلها كارهة كل شيء حتى نفسها وأطفالها وزوجها بعد أن كانت هي منبع الحب والحنان.
ولذلك فإصابة الأم بالمرض النفسي يعتبر بكل المقاييس كارثة متعددة الأبعاد تستدعي رعايتها في المقام الأول وبسرعة وفاعلية مع رعاية أفراد أسرتها الذين افتقدوا قلب الأم وروحها ويدها الحانية.
العنف ضد المرأة:
ونقصد بذلك العنف بنوعيه: الظاهر والسلبي, فما زالت نسبة كبيرة من النساء حتى في الدول المتقدمة( 50-70%) يتعرضن للضرب من أزواجهن بدرجات مختلفة يصل بعضها إلى الموت أحيانا, هذا بالإضافة إلى العنف السلبي الأكثر انتشارا والمتمثل في الإهمال والتجاهل والتحقير والإلغاء والقهر والاستعباد والعناد والمكايدة من جانب الزوج، وهذا العنف السلبي يكمن وراء الكثير من الاضطرابات النفسجسمية واضطرابات الجسدنة لدى المرأة.
وحين نعود إلى تراثنا الديني في هذه المسألة نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[لا تضربوا إماء الله] فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" ذئرن النساء على أزواجهن" (أي نشزن واجترأن على الرجال).. فرخص في ضربهن, فأطاف بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال: [لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن, ليس أولئك بخياركم] ( رواه أبو داوود بإسناد صحيح ).
ولو تأملنا هذا الحديث جيدا لوجدنا أن القاعدة فيه هي عدم ضرب النساء "لا تضربوا إماء الله", ولكن لما اشتكى سيدنا عمر بن الخطاب من تمرد بعض الزوجات رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضرب كضرورة لإصلاح بعض النفوس في حال نشوزها (وهذا وارد في النساء وفى الرجال), فاستغل بعض الرجال ذلك ووسعوا الرخصة والضرورة فأساءوا بذلك لهذه الرخصة, فنبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العودة إلى الاعتدال وإلى أن الخيرية تقاس بمدى إحسان الرجل لزوجته. ولم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب أحدا من زوجاته, وهو صلى الله عليه وسلم يستنكر في حديثه الذي ورد في الصحيحين ضرب الرجل لزوجته وكيفية الجمع بين ذلك وبين العلاقة الحميمية بينهما فيقول: " أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد, يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره".
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الضرب إلا للضرورة فقد وضع حدودا لذلك فقال: "ضربا غير مبرح", وقد سأل عطاء ابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟.. فقال بالسواك ونحوه.
الدراسات والأبحاث:
هنا كنقص واضح في الدراسات والأبحاث الميدانية المحلية الخاصة بمشكلات المرأة النفسية، ومعظم الجهود العلاجية في مصر والوطن العربي تستند إلى نتائج دراسات غربية أو إلى انطباعات وملاحظات إكلينيكية عامة.
لذلك أصبح من الضروري إنشاء تخصص نوعي ل"طب نفس المرأة" على غرار "طب نفس الأطفال"و "طب نفس المسنين", ويكون لهذا الفرع وحداته وعياداته ودراساته وأبحاثه.
المرأة في القرآن والسنة:
وفيما يلي نورد بإيجاز شديد وضع المرأة في القرآن والسنة بما يحتمله حجم هذه الدراسة وأهدافها:
قال تعالى:
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها... } (النساء 1)
{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..} (الروم 21)
{وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} (النساء 19)
{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء 34)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء " (متفق عليه)
"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" (رواه مسلم)
" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم" (رواه الترمذي)
"حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة "
امتهان المرأة واستباحتها: Women Abuse
1- الامتهان الجسدي: الاستغلال والتعري( الدعارة والفيديو كليب )
2- الامتهان المعنوي: التحقير والوأد والاستعباد والقهر والإلغاء
الخدمات النفسية:
على الرغم من أن المرأة أكثر قبولاً لفكرة المرض النفسي وأكثر طلباً للمساعدة وأكثر مرونة في العلاج وأكثر تحسناً معه واستفادة منه إلا أن هناك عوائق كثيرة تعوق استفادتها من العلاج وهي:
1- المرأة تحتاج الإذن من زوجها أو أقاربها لكي تذهب للعلاج، وهم لديهم حالة من الإنكار للمرض النفسي أو يخافون من وصمته, أو يعتبرونه ضعفا في الإرادة أو الإيمان.
2- كثرة اللجوء للمعالجين الشعبيين والدجالين حيث ترجع المرأة مرضها في كثير من الأحيان إلى مس الجن أو السحر أو الحسد.
3- ظهور الكثير من الاضطرابات النفسية لدى المرأة في صورة أعراض جسمانية.
4- بعض الاعتبارات الاجتماعية تجاه الاضطرابات النفسية خاصة إذا ارتبطت بشبهة الانحراف الأخلاقي مثل الإدمان واضطراب الشخصية وحالات الهوس والفصام.
5- إمكانية تعرض المرأة للاستغلال أو الابتزاز خلال مراحل العلاج.
6- عدم وجود أماكن علاجية كافية ومناسبة لاحتواء المرأة حتى تُشفى.
الاضطرابات النفسية لدى المرأة:
0 كدر ما قبل الدورة الشهرية: يصيب 40 % من النساء، 2- 10 % من النساء يحتجن لمساعدة طبية، تأثير الموقف الديني والاجتماعي على شدة هذا الاضطراب ومساره, إمكانات العلاج( من الدعم النفسي إلى العلاج الدوائي مرورا بالرياضة البدنية).
0 الاضطرابات النفسية أثناء الحمل: الاتجاهات نحو الحمل, الارتباط النفسي بين الأم والجنين, سيكولوجية زوج المرأة الحامل, تأثير الحمل على العلاقة الزوجية, الحمل والعلاقة الجنسية, الاضطرابات النفسية المصاحبة للحمل(بيكا, الوحم, الحمل الكاذب, القيء أثناء الحمل)
0 الاضطرابات النفسية بعد الولادة:
أ – كآبة ما بعد الولادة: تحدث في 50% من النساء بعد الولادة بأيام قلائل في صورة اعتلال مزاج وسرعة بكاء وشعور بالتعب وقلق وسرعة استثارة. وتقل حدة الأعراض مع الوقت ولا تتطلب سوى الطمأنة والدعم النفسي من الأسرة.
ب – ذهان ما بعد الولادة: يحدث في 1-2 من كل ألف ولادة, وتكمن الخطورة في أن 5% من المريضات يقمن بالانتحار, في حين أن 4% يقمن بقتل أطفالهن, أي أن 9% من الحالات يحملن خطر الموت(للأم أو للطفل).
ومن الناحية الإكلينيكية يكون ذهان ما بعد الولادة قريبا من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب أو الاكتئاب الجسيم المصحوب بأعراض ذهانية. وهو يحدث في أي وقت في السنة الأولى بعد الولادة, والوقت المتوسط لحدوثه هو من أسبوعين لثلاثة بعد الولادة, والوقت الأكثر توقعا هو ثماني أسابيع بعد الولادة. ويعتقد أن هذا الاضطراب يحدث نتيجة التغيرات الهورمونية السريعة بعد الولادة, أو الضغط الجسدي والنفسي لعملية الولادة, أو الإصابة ببعض الأمراض مثل تسمم الحمل أو بعض العوامل النفسية والاجتماعية. وحين يتم تشخيص هذا الاضطراب فيجب أن يؤخذ الأمر بجدية شديدة حيث إنه يعتبر أحد الطوارئ النفسية التي تحتاج لعناية خاصة وربما تحتاج لدخول المستشفي, والتعامل معه بمضادات الاكتئاب ومضادات الذهان والليثيوم وغيرها.
0 المرأة العاقر: المرأة مسئولة عن 60% فقط من حالات العقم في حين يتحمل الرجل المسئولية عن 40% من تلك الحالات, ومع هذا يقع اللوم والعبء النفسي على المرأة وحدها. وقد بينت الدراسات أن 80% من حالات العقم لا يوجد سبب عضوي يفسرها, وأن نسبة كبيرة من هذه الحالات تكمن وراءها عوامل نفسية نذكر منها:
* عدم التوافق في العلاقة الزوجية(مما يؤثر على التوازن الهورموني وعلى انقباضات الرحم والأنابيب).
* وجود صراعات نفسية لدى المرأة حول فكرة القرب من الرجل وما يصاحب ذلك من مشاعر التحريم والاستقذار للعلاقة الجنسية(وربما يصاحب ذلك إفراز مواد مضادة تقتل الحيوانات المنوية)
* الشخصية الذكورية العدوانية(المرأة المسترجلة).
* الشخصية الأنثوية غير الناضجة بيولوجيا ونفسيا.
* البرود الجنسي والذي يسببه أو يصاحبه نشاط هورموني باهت وضعيف.
* الزوجة التي تأخذ دور الأم لرجل سلبي واعتمادي.
* وجود رغبات متناقضة في الحمل وعدمه.
* شدة التعلق بالإنجاب واللهفة عليه واستعجاله(المرأة المستعجلة) مما يؤدي إلى نزول البويضة قبل نضجها.
* الصدمات الانفعالية المتكررة(والتي تؤثر على الغشاء المبطن للرحم وتؤدي إلى انقباضات كثيرة وغير منتظمة في الأبواق والأنابيب والرحم وعنق الرحم).
* وأخيرا تكرار الإثارة الجنسية دون إشباع وهذا يصيب عنق الرحم بالاحتقان والجفاف والتلزج.
0 أزمة منتصف العمر: وتحدث في كثير من النساء في بداية الأربعينات(وأحيانا قبل ذلك) حين يكبر الأبناء وينصرفون لحياتهم, وحين ينشغل الزوج بمسئولياته, وتجد المرأة نفسها وحيدة فتستغرق في التفكير في ماضيها وتشعر بالأسى والأسف على أشياء فاتتها وعلى أشياء فعلتها ثم تنظر إلى حاضرها فتجده أقل بكثير مما كانت تحلم به فزوجها الذي عاشت معه لم يكن أبدا هو فارس أحلامها, وأبناءها الذين ضحت من أجلهم لم يحققوا طموحها ولم يشعروا بتضحيتها, وشبابها الذي كانت تعتز به وتركن إليه قد بدأ يتوارى وجمالها قد أخذ في الذبول, ثم تنظر إلى المستقبل فتشعر بالخوف والضياع. وتختلف النساء في مواجهتهن لهذه الأزمة, فهناك نساء ناضجات يتقبلن الأمر بواقعية وتمر الأزمة بسلام( خاصة حين تدرك نجاحاتها السابقة كأم وكموظفة وكزوجة وتعترف بالمرحلة العمرية التي تمر بها وتحاول رؤية مميزاتها والاستفادة منها). وفريق ثاني يتحملن ويقاومن في صمت ويخفين معاناتهن عمن حولهن ولذلك تظهر عليهن بعض الأعراض النفسجسمية أو اضطرابات الجسدنة, وفريق ثالث يفضلن الانطواء والعزلة ويزهدن في الحياة أو ينصرفن إلى العبادة ويتسامين عن رغبات البشر ويشعرن بالصفاء والطمأنينة والأنس بالله, وفريق رابع يستغرقن فى العمل والنشاط والنجاح في مجالات كثيرة على أمل التعويض عن الإحساس بالإحباط والفشل في الحياة الماضية, وفريق خامس يلجأن إلى التصابي والتصرف كمراهقات في ملابسهن وسلوكهن وربما تستعجل الواحدة منهن الفرصة التي تعتبرها أخيرة فتقع في المحظور الذي لم تقع فيه في شبابها, وفريق أخير يقعن في براثن المرض النفسي كالقلق أو الاكتئاب أو الهستيريا أو أعراض الجسدنة أو توهم المرض أو الرهاب أو أي اضطراب نفسي آخر.
والعلاج يكمن في استعداد المرأة لهذه المرحلة قبل بلوغها ثم القبول الناضج بها وبكل مرحلة عمرية سابقة أو تالية, والرضا بما تحقق ثم محاولة تحقيق المزيد, وعدم تعليق كل الآمال والأحلام على الزوج والأبناء, ووجود أهداف ذاتية وحقيقية لكل مرحلة من مراحل العمر, ووجود علاقة قوية بالله تعطيها الإحساس بالأمن الدائم والإحساس بالرضى بما قسمه الله والأمل فيما عنده في الدنيا والآخرة. وتحتاج المرأة للدعم والمساندة من زوجها وأبنائها – في حالة كونهم صالحين – في هذه المرحلة وفي كل المراحل. أما إذا تضاعفت الأزمة ولم توجد المساندة فلا بأس من المساعدة الطبية المتخصصة.
0 نوبات الهلع (الزلزال النفسي): هي حالات مفاجئة ومزعجة جدا تأتي في صور مختلفة أهمها الشعور بالاختناق, وسرعة ضربات القلب أو هبوط حاد ومفاجئ في القلب وأنه قد توقف أو كاد أن يتوقف, أو برودة وتنميل في الأطراف وعرق غزير أو ضعف في اليدين والقدمين مع الشعور بفقد التوازن واحتمالات السقوط, وتشعر المريضة أنها على وشك الموت أو أنها تموت فعلا, أو أنها على وشك فقد السيطرة أو الجنون, ولهذا تهرع إلى أقرب مستشفي أو طبيب فيقال لها بعد عمل الفحوصات أنها سليمة تماما, ولكنها لا تهدأ ولا تستريح لأن النوبة تباغتها في أي وقت وفي أي مكان فتهدد سلام حياتها فتلزم بيتها وتصاب بالاكتئاب. وللأسف الشديد يتأخر ذهاب هذه المريضة للطبيب النفسي وتدخل في دوامة الفحوصات والتحاليل وتتردد على أطباء القلب والباطنة والصدر دون جدوى. وعلاج هذه الحالة بسيط وميسر على الرغم من إزعاجها ودراميتها, فبجرعات متوسطة من مانعات استرداد السيروتونين النوعية(ماسا) أو مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مع العلاج النفسي المعرفي السلوكي تتحسن معظم الحالات بإذن الله.
0 ما بعد انقطاع الدورة(سن اليأس): نتيجة لانخفاض مستوى الهورمونات الأنثوية خاصة الأستروجين تحدث بعض الأعراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق يصاحبه بعض الاضطرابات الفسيولوجية كالإحساس بالسخونة يتبعه إحساس بالبرودة والعرق الغزير, والإحساس بالصداع والحرقان والسخونة في قمة الرأس مع اضطراب في النوم والشهية للطعام. وأحيانا تكون الأعراض بسيطة وتمر بسلام وتخف حدتها مع الوقت، وأحيانا أخرى تكون شديدة مما يستدعي العلاج الطبي والنفسي. والعلاج التعويضي بالهورمونات يحسن الحالة الجسدية والجنسية ولكنه لا يؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية.
0 المرأة والاكتئاب: المرأة عرضة للاكتئاب أكثر من الرجل بنسبة 2: 1, وربما يكون السبب وراء ذلك التكوين العاطفي للمرأة أو خبرات التعلق والفقد الكثيرة في حياتها أو التغيرات البيولوجية المتلاحقة أو العمل المستمر بلا راحة أو كل هذه الأسباب مجتمعة.
0 الاضطرابات النفسية ذات الشكل الجسدي: فالمعاناة النفسية تتحول بلا وعي لأعراض جسمانية كي تأخذ مشروعية الشكوى وبالتالي العلاج والمساعدة (خاصة في مجتمعات لا تعترف بالمعاناة النفسية وتعتبرها ضعفا في الشخصية أو الإيمان), أو أن المرأة لسبب أو لآخر لا تستطيع التعبير عن مشاعرها فيتولى جسمها هذه المهمة عنها وبذلك تكون الأعراض الجسمانية صرخة استغاثة(لمن يهمهم الأمر فعلا) أو نداء قرب للزوج أو للأولاد.
0 المرأة المطلقة: وهي تعاني من الطلاق ثم تعاني من نظرة المجتمع لها على أنها فاشلة ثم تعاني من شكوكه فيها على أنها أكثر قابلية للغواية ثم تعاني من حرمانها من إشباع حاجاتها العاطفية والجنسية والأسرية ثم تعاني مسئولية العناية بالأبناء(إن تركهم لها الزوج) أو تعاني من الحرمان منهم(حين يأخذهم زوجها). ولا توجد في مجتمعاتنا وسائل مساعدة للمرأة المطلقة غير ما يجود به أهلها من الطعام والشراب والمأوى ونظرات الشفقة. والوصمة التي يلحقها المجتمع بالمطلقة تجعل زواجها ثانية أقرب إلى المستحيل. كل هذه الأمور تحتاج إلى الكثير من المراجعات والرؤية الإيجابية للمطلقة وإزالة الوصمة عنها.
0 الأرملة: ينسى الجميع احتياجاتها ويعتقدون أنها قد ماتت أو على الأقل ماتت مشاعرها واحتياجاتها منذ مات زوجها, لذلك تعاني حرمانا عاطفيا وجنسيا بقية حياتها إضافة إلى حرمانها الاقتصادي والاجتماعي هي وأولادها, ويصبح من العار عليها أن تفكر في نفسها أو في احتياجاتها في مثل هذه الظروف. ولذلك نحتاج كمجتمع أن نعيد النظر في موقفنا من الأرملة وموقفها من الحياة.
0 الثكلى: كثيرا ما تقع المرأة الثكلى فريسة للاكتئاب أو القلق أو كليهما دون أن يدري بها أحد على اعتبار أن حزنها يبدو منطقيا, ولكن الأمر في هذه الحالات يتجاوز حدود الحزن المعتاد إلى الاكتئاب المرضي الذي يحتاج بالضرورة إلى تدخل طبي نفسي.
0 زوجة المسافر: كثير من الرجال سافروا للعمل خارج البلاد تحت وطأة الظروف الاقتصادية الخانقة وتركوا زوجاتهن يعانين الوحدة والفراغ ويقاسين من صعوبة تربية الأبناء والسيطرة عليهم, ولهذا تجد زوجة المسافر نفسها تفقد أنوثتها شيئا فشيئا وتكبت احتياجاتها العاطفية والجنسية وتكتسب صفات الذكورة كي تستطيع السيطرة على حياتها وعلى أبنائها(وعلى نفسها), وإن لم تفعل ذلك ربما أفلت منها زمام أولادها أو زمام نفسها ووقعت في المحظور. ونحن هنا لا نتكلم عن حالات محدودة بل نتكلم عن ملايين تركهن أزواجهن ربما بعد الزواج بشهور قليلة ولا يرونهن إلا شهرا واحدا كل عام أو عامين ولا يربط بين الزوجين خلال سنوات الغربة الطويلة غير اتصالات تليفونية متباعدة وقروش قليلة تسد الرمق. وحين يقرر الزوج أن يعود يجد نفسه غريبا في أسرته وتجد المرأة نفسها غير قادرة على تغيير برنامج حياتها وحياة أبنائها فيقع الشقاق ويحدث الطلاق بعد كل هذا العذاب والحرمان.
التوصيات والمقترحات:
0 إنشاء فرع طب نفس المرأة كتخصص فرعي في الطب النفسي في مصر.
0 تشجيع الدراسات والأبحاث في الاضطرابات النفسية(سابقة الذكر)للمرأة المصرية وذلك لزيادة الوعي بها.
0 عمل دورات منتظمة للأطباء العاملين وأطباء الأسرة وأطباء النساء والتوليد لزيادة وعيهم بالاضطرابات النفسية لدى المرأة.
0 زيادة الوعي العام باحتياجات المرأة النفسية وأيضاً الاضطرابات التي تصيبها وذلك من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ومن خلال الانترنت.
0 تشجيع قيام مجموعات المساعدة الذاتية مثل مجموعات المطلقات والأرامل والعاقرات والثكالى... إلخ.
0 تشجيع الجمعيات الخيرية على العناية بالفئات الهشة من النساء من كل الجوانب الطبية والنفسية والاجتماعية.
0 وأخيراً ترسيخ القيم الدينية التي تصحح صورة المرأة في أذهان الناس وتذكرهم بالوصايا القرآنية والنبوية التي تحض على رعاية المرأة في كل أحوالها.
الكاتب: د.محمد المهدي