إن الله خلق النفس البشرية وسواها وأحسن صنعها لتُؤدي مهامها على أتم وجه وجعل عليها
ملائكةً تُحصي كل أقوال صاحبها من باطلٍ وكذب ٍ ولغو وحق وصدقٍ وحكمة وكل أفعاله
الشائِن منها والصالح وترك لنا حرية القول والفعل ليُقيم علينا الحُجة الدّامغة يوم القيامة لا جدال
فيها ولا مِراء فنعلم أن لا ظُلم أقبح من ظلم المرءِ لنفسه ولأن الرحمن عالمٌ بضعفنا وغلبة
الهوى والشهواتِ علينا أرسل لنا عبر آياته الكريمة رسالاتٍ في غايةِ الحكمة و الصنعة
في قمة الحنو والرأفة لنستعين بها على طاعته والتقرب منه فنلتمس الأُنس والدفء في
ألفاظها ومعانيها و أحمد الله كثيراً أن نظر إليّ نظرة القوي إلى الضعيف نظرة الغني إلى
الفقير نظرة المحسن إلى المحتاج فأكرمني برسالاتٍ تقرع أجراس قلبي بقوة كلما ألمَ به ما يُذهب
بطمأنينته وسكينته أما الرسالة الأولى فهي تأتني كلما وجدتُ نفسي على حافة انهيارٍ روحيٍ و
أخلاقيٍ بالغ الأثر عميق الهوة عندما تثقل الذنوب والمعاصي كاهلي فأشعر بسعير جهنم يقترب مني
وملائكة العذاب تنتظر جسدي وروحي فتتسلل مشاعر اليأس والإحباط إلى نفسي كما يتسلل الليل
رويداً رويداً في جسد النهار هنا وفي تلك اللحظات المؤلمة الحرجة تأتي تلك الرسالةً السماوية لتنزع
اليأس من قلبي ولتُطلق لساني بذكر الله ولتذرع بذور الأمل والتفاؤل في نفسي فلنستمع إليها سويا
ولنقرأها بخشوعٍ وسكينة (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))
وأمّا الرّسالة الثانية فهي رسالةٌ تأتيني كلما ذاقت نفسي حلاوة الدنيا وغرقت في بحرٍ من الطيّبات
والنعم وتمّر عليّ الأيام والليالي ونفسي تتغشاها نفحاتٌ من الهدوء والسكينة والطمأنينة والرضا بما
أمست عليه حياتي حتى ليٌخيل إليّ بأنّ الدنيا قد تخلت عن كلُ عشاقها ومُريديها لتأتي إليّ صاغرةّ
طائعة لرغباتي وأهوائي وعلى حين غرة تغيبُ تلك الأيام الجميلة من مسرح حياتي و تأفل شمسها
وتبدأ فصولٌ أخرى لا تشبه مثيلاتها فيعكرُ صفو حياتي مشاكل كثيرة إذ تُرسل الدنيا إليّ جيشاً عرمرم
من أحزانها وأكدارها قد جمعته إرادةُ إدخال التعاسة والحزن والهم إلى نفسي
حيث تُبطل المصائب عمل الفكرة ويتملكني الإحساس بالضعف والعجز فيجتمع عليّ مرض الجسد
وإساءة الصديق , وقسوة الأهل والفشل في معركة إثبات الذات وتقويتها أمام مجمتع لا يرحم الضعفاء
فتتسلل إلى نفسي مشاعر الحقد والكره وتبدأ الشياطين تلقي خطابها الإبليسي عليها بأن تمردي
على إنسانيتك واكفري بنعم الرحمن عليك بعد أن سلبك بعضها ونامي غاضبة على الدنيا وأهلها
وارجعي إلى ديار الشياطين وأهلها فقد تملكتهم مشاعر الشوق للُقياك ولتعودي كما أحببناكِ
نفساً غير راضية بأقضية الله و أقداره إذا أتت بما يخالف أهواءك و رغباتك
هنا وفي تلك اللحظات الصعبة تأتي الرسالة وقد حملت في ثناياها العلاج الشافي للنفس المؤمنة
إذا تاهت عن الصراط المستقيم لتُسقيها من جديد ماء الإيمان مُذكرةَ إياها بعاقبة انقلابها عن جادة
الحق والصواب ناصحة َ لها الإبحار دائماً في بحر الرضا سواء أحطت سفينة العمر على شواطىء
المنح أو المحن فتُنير في العقل قناديل البصيرة و تحكي لنا حكاية أنُاسٍ قد خسروا الدنيا والآخرة
فجاء في الرسالة
(( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ))
وأما الرسالة الثالثة فهي رسالة ينطلق بها لساني كلّما رمت بيّ الأيام في نفق مظلم تنعدم كل
السبل للخروج منه بسلام ولعمّري هي رسالة ترّد على الكربات الشديدة ببشائر الفرح وعلى
الألغاز المستعصية بالحلول المدهشة وعلى ضيق الصدر بالانشراح الكامل وعلى الرياح العاتية
بالنسمات الهادئة هي رسالة تؤتِ ثمارها إذا أبصرت الروح في ظلمتها قبسا من النور تهتدي به
إليه , وإذا اعترى الفؤاد لحظات من الطهارة والصفاء والنقاء عند تلاوتها وإنها لتبدو في عملها
برهانا على إعجازها وتفسيراً لمعانيها هي رسالة تردد صداها في أعماق البحار وسرى
نورها في ظلمات الليل و سمعت بها ملائكة السماء فحارت في أمرها وجدير بها أن تحار في كلمات
نبعت من قلب سيدنا يونس بن متى عليه السلام في ظلمات الحوت والبحر والسماء وكأنّها في ذلك
لا تعترف بحدود الزمان والمكان حيث تموت كلمة المستحيل أمام إرادة الله هي رسالة لمن أتعبته
الدنيا بهمومها ونفسه الخاطئة في حقيقة ظلمها فجاء في الرسالة
أَن (( لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))
و أما الرسالة الرابعة فهي التي أسأل الملك القدوس أن يكرمني بها في يومٍ يُكرم فيه المرء أو يُهان
يوم يُساق المؤمنون إلى الجنة زُمرا والنفوس المؤمنة تذكر وعد الله لها (( إنا لا نضيع أجر من
أحسن عملا ))
هذا وما الفضلُ إلا من الرحمن
بقلم............صاحب القلم