مهر الفتاة المسلمه
-------------
فى مجتمعنا يعاني الشباب وذويهم من غلاء المهور … وللبعض وجهة نظر تستحق الاعجاب والتقدير فى أن المهور ضرورية لحفظ كرامة الزوجة أو الفتاة بشكل عام . ومن ناحية ثانية فانها تحفظ الرجال من طيش تعدد الزوجات .. وقد فكر الشيخ { سليم } بهذه المشكلة من كافة جوانبها , وهو يسمع ويرى بعينيه وأذنيه كل يوم عن المشاكل الناجمة عن غلاء المهور , والتى دفعها الزوج للزوجة , ويحاول بما أوتى من علم فى الدين وخبرة فى الحياة , ان يقوم بحل تلك الاشكالات بين المتخاصمين من الازواج , ولا يراعى فى ما يقدمه من حلول ارضاء طرف على حساب طرف أخر , انما يراعي ربه وتعاليم القرأن الكريم …
وهو لا يخشى فى ذلك احد مهما كان جاهه او سلطانه او جبروته .. انما يخشى الله الواحد الاحد… وهكذا الشيخ سليم طوال حياته فى منبر الوعظ والاشاد الديني التى نشأ عليها منذ شبابه الاول .. لقد كان فى طليعة زملائه دائما , وفاز بدراسة مجانية حتى حصل على أعلى منصب فى هذا العالم , وأصبح استاذا قديرا فى احدى الجامعات الاسلامية .. وهل هناك أرقى واعظم من وظيفة الاستاذ الجامعي ؟ وبالرغم من ذلك لم يكن جاه الوظيفة او سلطانها ليجعل منه رجلا دنيويا.. أبدا .. لقد حافظ على نفس اسلوبه فى الحياة .. وظل يواجه أمور الحياة الدنيا بتعاليم الدين الحنيف .. وتلك المثالية الدينية جعلت من زملائه والرؤساء ينظرون اليه نظرة معقدة , وجعلتهم يصفونه بصفات يكرهها .. فكان يواجههم بما فيهم .. وكان نصيبه من هذه المواجهة الطرد من وظيفته الكبيرة , التى وجد نفسه من خلالها مثال الواعظ والمرشد للشباب الصاعد فى الجامعة .. ورغم كل هذا وذاك , فلم يهتم ولم يكترث , ولم يتهاون او يتخاذل عن حق ديني براه .
وقد كان للشيخ {سليم} ابنه بلغت الثامنة عشر من عمرها .. جميله ورشيقة ورزينة اسمها {سالمه} .. لها ابن عم فى الخامسة والعشرين من عمره يريدها زوجة له , يملك مطعما يدر عليه رزقا وفيرا , بعد ان توقف عن دراسته فى المدرسة بسبب رسوبه المتكرر فى الثانوية العامة ... وكان الوحيد الذي تراه سالمه وتجلس اليه وتحادثه لانهما يعيشان فى منزلين متلاصقين وكأنهما بيت واحد , فضلا على انه دائم السؤال عنها والتودد اليها والى امها , وكثيرا ما كانت ام سالمه تعده بأن يكون زوجا لأبنتها .. وقد اطمأن لهذا الوعد , فهو لم يتوقع ان يكون عمه الرافض لزواجه من سالمه , وعندما رفض عمه طلبه بالزواج من سالمه انتفض فى وجه عمه حينئذ صارخا
ماذا تريد مني .. ولماذا ترفض طلبى بالزواج من سالمه , انها ابنة عمي وانا احق بها من غيري .. ولقد جمعت لها مهرا كبيرا وعظيما .. فصغرت عينا الشيخ سليم ونظر الى ابن اخيه {سليمان} نظرة كلها استصغار وقال : لا تقل انك احق بأبنتى .. فهناك من هو أحق منك .. ولكنك اذا اردت ان تكون الاحق بها فعليك ان تكون انسانا مسلما تقيم حد الله فى كل شىء .. وانا لا اريد منك ولا من غيرك مهرا لابنتى ... اريد لها فقط زوجا صالحا ومتدينا .. فهل أنت الزوج الصالح لأبنتي .. وهل تقيم حد الله فى حياتك الدنيوية … اذا كنت كذلك , وانا ما عهدتك كذلك , فأنت الأحق بأبنتي .. اما وانت لست بالشاب المتدين الصالح فلا تستحق ابنتى ,, ولا يشفع لك انك ابن عمها أي حق بالزواج منها … فالأمر الوحيد الذي يشفع لك فى الزواج من ابنتي هو ان ترعى الله فى معاملاتك مع الناس وان تؤدي واجباتك الدينية كاملة دون نقصان .. وتدخل والد سليمان فى النقاش محتدا على شقيقه الشيخ سليم قائلا بعصبية : وهل تقصد يا شيخ سليم بأن سليمان فاجر وفاسق حتى ترفضه زوجا لسالمه , ام انك تطمع فى تزويجها من ابن الحاج { رغدان } لتكون ذو حسب ونسب بمصاهرته , قلها ولا تخجل .. الا بئسا لك من شقيق , وغضب الشيخ سليم غضبا شديدا لسماعه هذا الحديث من شقيقه وقال له : انك مجنون , وتهذي بكلمات لا تعرف معناها , وتعرف اننى رفضت ابن الحاج رغدان زوجا لأبنتي , ولذا فأنت كاذب ومدعي , وانى لاطلب من الله ان يغفر لك هذه المعصية , واشتد اللغط بين الشقيقين , وحتى يطمئن والد سليمان بأن الشيخ سليم لن يزوج ابنته الا من رجل صالح ومتدين ولو كان ابن الحاج رغدان فلن يتزوجها حتى ولو دفع لها مهرا يزنها ذهبا … ونفس الأمر بالنسبة لسليمان .. و كان كل هذا اللغط يدور على مرأى ومسمع من اهل البيتين .. وكانت سالمه تسمع كل ما يدور حولها من حديث ..
ولآول مرة تعرف ان هناك شخصا اخر غير سليمان يريدها لنفسه , وانه افضل من سليمان لانه يملك الجاه والثراء , حسب ما سمعته على لسان عمها والد سليمان .. وهى التى لم تر أى عيب فى ابن عمها سليمان , وكانت تجالسه وتتحدث اليه على انه الزوج المرتقب لها بعد ان تبلغ الثامنة عشر من عمرها , وها هى قد بلغت الثامنة عشر ولكن ابيها يرفض تزويجها من ابن عمها , لأنه يريدمنه ان يكون صالحا ومتدينا يقيم حد الله فى كل معاملاته .. وهى لا تعرف اذا كان سليمان صالحا ومتدينا ام انه غير متدين , لأنها لا تراه الا فى أوقات قليله من النهار , وهو يقضي كل وقته فى عمله بالمطعم الذي يملكه , اما ابن الحاج رغدان الذي سمعت به لأول مرة فلا تعرفه ولو انها سمعت باسم والده كثيرا على لسان ابيها وعمها .. وكل ما يعنيها فى الامر ان تعرف ماذا يريد والدها من سليمان او غيره حتى يمكنه ان يتزوج بها ..
فاستعانت بأمها الغاضبة والثائرة على زوجها الذي يريد ان يقف عقبه فى وجه زواج ابنته من ابن عمها .. ويريد تزوجها بدون أى مهر يذكر , ماذا سيفعل ايضا فى مستقبل ابنته , بعقليته المتحجرة والصلبة العنيدة .. لقد فرط بالوظيفة بسبب عقليته المتحجرة مع رؤسائه …
فهل تتركه يفرط فى مستقبل ابنته هكذا بسهولة , وعندما تحدثت مع زوجها الشيخ فى الموضوع اجابها غاضبا :-
ماذا تريدين منى يا إمرأة .. هل تريدين أن ازوج ابنتى لرجل لا يعرف من الاسلام الا ما ورثه عن والديه بأنه مسلم فى شهادة ميلاده ..؟؟ , أنا الذي لم أكترث لوظيفه ولم أحفل بسلطان , ولم اهتم بأي كان من البشر .. افرط فى امر مهم من امور الدين .. افرط فى اصلاح زوج ابنتي .. ان ابنتي ستتزوج وسيعطيها الله الزوج الصالح الذي يسعدها فى حياتها … ولكي يكون زوجا صالحا يجب ان يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة , ويصوم رمضان وغير رمضان ما دام قادرا على الصيام , وأن يتلو القرأن ويحفظه .. انى اريد من عريس ابنتى على الاقل ان يكون حافظا على الاقل لجزء عم من القرأن .. فإذا أراد سليمان ابن اخي او اراد ابن الحاج رغدان الزواج من ابنتي , فسوف يقع عليه هذا الاختبار الديني .. فهذا هو مهر ابنتي وكل أب حر فى تحديد المهر الذي يريده من عريس ابنته .. وأنا حددت مهر ابنتي فى ان يكون العريس مصليا , مزكيا , صائما , قارئا للقرآن , يحفظ جزء عم فيه على الاقل .. فهل كنت متجنيا على احد فى طلباتي هذه .. وهل اقف حجر عثرة فى طريق ابنتي وزواجها اذا كنت اريد لها مهرا اسلاميا من رجال مسلمين يتقدمون للزواج منها .. استيقظي يا ام سالمه وانتبهى الى ما تقولين , حتى لا تقعي فى المعصية .. فأنا أول من ينادي بعدم الوقوف فى وجه ما يستر البنات بالزواج , ولكنى أطلب مهرا اسلاميا لأبنتى , فيه اصلاح لزوجها , ولمستقبلها معه … لا أريد منه أن يدفع لى مهرا بالالاف يعير ابنتنا به فى مستقبل حياتها معه .. لقد طلبت مهرا اريد فيه من عريس ابنتنا ان يشكر الله على زواجه من سالمه فيجعلها سعيدة فى حياتها وبيتها الى الابد .
وصمتت ام سالمه وهى تسمع تلك الكلمات الحكيمة القوية , ولم تعرف بماذا ترد على زوجها …
وفى ذلك الوقت كان والد سليمان قد ذهب الى الحاج رغدان .. ودار بينهما نقاش طويل حول زواج سالمه من سليمان او من ابن الحاج رغدان حتى ثار الحاج رغدان فى وجه والد سليمان وقال له بغضب :
اسمع يا أبو سليمان , أخوك الشيخ سليم عندك , فاذهب اليه واطلب منه ان يزوج ابنك لأبنته , انا لا احكم فى هذا الامر او اقرر واذا كنت تريد ان تزوجها لابنك بقوة الذراع فأنت حر مع شقيقك ولكنى احذرك , بأن سالمه لن تكون ابنه اخيك او ان يكون لك أى حق فيها اذا ما تم الاتفاق مع الشيخ سليم على زواجها من ولدي .. فارتبك ابو سليمان واهتزت عضلات وجهه وارتعشت اطرافه , ولملم ثيابه وخرج من مجلس الحاج رغدان مهرولا الى شقيقه الشيخ سليم يهدده ويوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور .. ولم يكن من الشيخ سليم الا ان انتصب واقفا فى وجه اخيه قائلا بكل ثقة :-
اسمع يا أبو سليمان انت أخي وابن امى وأبي وسليمان فى مكانة ابنى ولن اقبل لأبني أن يكون مسلما بشهادة ميلاده فقط , وسأقبل حكمك لو كانت سالمه ابنتك , فهل ستزوجها لشخص لا يعرف من أمور دينه الا أقل القليل .. اننى لم أطلب الدنانير .. ولكن اطلب من سليمان ان يحفظ القرآن ويصلي ويعطي الزكاة .. هذا كل ما اريده .
وبدأ ابو سليمان يهدأ قليلا , وأخذ يمسح بيديه على ذقنه البيضاء ويفكر فيما يقوله شقيقه , ووجاهة رأيه فى ذلك .. الامر الذي جعله يسأله بإتزان :
والان ما الذي تريده بالضبط .. هل ستزوج ابن الحاج رغدان .. فرد الشيخ سليم بهدوؤ وهو يردد حديثه قائلا :
لقد قلت للحاج رغدان وأقول لك أنت ايضا , بأننى اعطى ولده , كما اعطى سليمان مهلة اربعين يوما , لكي يثبت فيها بأنه الأحق بالزواج من سالمه .. وبعد الاربعين يوما سأختبر كل منهما فى قراءة القرآن .. بعد ان اكون قد لمست عند كل منهما احترامه لواجباته الاسلامية .. وبعد فترة صمت قصيرة … واصل الشيخ سليم حديثه قائلا : لقد وافق الحاج رغدان على هذا الشرط .. وأنت ماذا ترى فى الأمر .. ونهض { ابو سليمان } معتدلا وهو ينظر ناحية الباب الخارجي ويقول : لقد سمعت منك الكثير .. ولقد سبب لى ابنى الكثير .. ومنذ اليوم سأرفع يدي عن الموضوع وانت وسليمان احرار فى هذا الموضوع ..
وبينما كان الحاج رغدان يملي على ولده الشروط التى يجب ان يتحلى بها لكي يفوز بزوجة صالحة ومتدينة تحافظ على بيته وتصونه وترفع رأسه بين الاهالي , فقد كان سليمان يفكر بغيظ وحنق فى كيفية الفوز بسالمه .. فهو يعرف نفسه لا يجيد القراءة والكتابة , فكيف سيحفظ القرآن ويجيد تلاوته .. كما انه لم يتعود العطاء , فكيف سيقدم الزكاة من ماله .. وهو لا يصبر على أمر فكيف يتحمل النظام والصلاة فى مواعيدها حتى يراه عمه الشيخ سليم فى المسجد .. وهو بصعوبة يصوم فى رمضان فكيف يصوم فى غير رمضان .. لقد ذهب الى سالمه وأمها , وحاول اقناعهما بأن يتزوج سالمه رغما عن انف عمه , فنفرت سالمه منه , وكرهته أمها , التى اعجبت بابن الحاج رغدان المطيع لوالده , والمواظب على الصلاة والزكاة والصيام , كما أبلغها بذلك زوجها الشيخ سليم .. كما أنه أتم حفظ جزء عم كاملا قبل نهاية الاربعين يوما … ووالده الحاج رغدان سعيد جدا بولده , وسعيد جدا بالشيخ سليم وشروطه الاسلامية فى تزويج ابنته .. فولده اصبح اكثر اتزانا ووقارا , واكثر ايمانا … وكل هذا جعله اكثر قوة مما سبق .. واثقا من نفسه , واذا جلس الى مجلس يناقش فيه ويعطي الرأي السديد من خلال ثقافته الاسلامية .. وزاد اعجاب الشيخ سليم بالحاج رغدان وولده , وأصبح لا يفارق مجلسه ابدا .. وقبل انتهاء مهلة الاربعين يوما بيوم واحد, وبينما الشيخ سليم فى مجلس الحاج رغدان سمع صراخا وعويلا وقف عليه عرف فيه صوت زوجته وابنته سالمه , وتأكد من ذلك حينما حضر بعض الصبيان ليخبروه بأن سليمان قد اعتدى على بيته ويضرب فيه بالفأس.. ولم يرد بكلمة واحدة وعاد الى جلسته صامتا .. ونظر الى الحاج رغدان وقال له :لقد زوجت سالمه لابنك يا حاج رغدان .. فلنقرأ الفاتحة .. ووضع الحاج رغدان يده فى يد الشيخ سليم وقرأ الفاتحة وسط الدهشة والاستغراب من ثبات الشيخ سليم وعدم اكتراثه بما يحدث فى بيته ..وبعد أن انتهيا من قراءة الفاتحة صلى الشيخ سليم على النبي محمد ( صلعم ) وقال : لقد كنت قلقا وأفكر كثير قبل أن أعطي الكلمة للحاج رغدان بالرغم أن ولده قد أوفى ما طلبته من مهر اسلامي لابنتي .. فقد كنت أحب أن تكون ابنتي من نصيب سليمان ابن أخي ولكني إذا قبلت منه أن لا يؤدي المهر لابنتي .. فإنني لن أقبل أن يكون معتديا على حرمتي .. ومستعجلا على أمر من الأمور .. فما فعله اليوم دليل على عدم اتزانه فضلا عن عدم قدرته على دفع المهر الذي طلبته لابنتي .. وواصل حديثه لكل من في المجلس قائلا : لم تكن الأربعين يوما التي طلبتها مهلة لأقرر من يتزوج سالمة إلا اختبارا لإرادة سليمان ابن أخي وأخلاقه .. وهو اليوم يثبت أن إرادته ضعيفة كما أثبت في الأيام السابقة ضعف أخلاقه بينما أثبت ابن الحاج رغدان ووالده أنهما نعم الحسب والنسب لم يأخذهما الأمر ولم يكابرا بالجاه والثراء أمام ما اشترطه عليهما ووافقا عليه ونفذاه قبل المهلة المحددة .. لقد اشترى الحاج رغدان وولده ابنتي لفضيلتها ودينها وأنا اشتريتهما لنفس الأمر أيضا ولن يكون لي أو لأخي أو لابنه سليمان أي حق في سالمة بعد اليوم فهي زوجة لمن دفع مهرها وقد دفع الحاج رغدان بواسطة ابنه مهر ابنتي .. ومنذ هذا اليوم سأرسلها إلى بيت الحاج رغدان لتكون زوجة لابنه دون أية مراسيم أو حفلات أشترطها فهم أحرار فيما يفعلونه فسالمة ابنتهم .. لأنهم دفعوا مهرها ..
وصمت قليلا ثم طلب من عريس ابنته أن يتلوا بعض الآيات القرآنية من جزء عم التي حفظها وبدأ ابن الحاج رغدان يتلو الآيات القرآنية التي وردت في سورة الناس بصوت قوي وجهوري قائلا : بسم الله الرحمن الرحيم " قل أعوذ برب الناس . ملك الناس . إله الناس . من شر الوسواس الخناس . الذي يوسوس في صدور الناس . من الجنة والناس . " صدق الله العظيم .
وفي المساء كانت سالمة في بيت زوجها ابن الحاج رغدان وهو يرتل سورة الفلق كما أوصاه الشيخ سليم بصوت هادئ النبرات قائلا بعد بسم الله :-
" قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد." صدق الله العظيم .