إستراتيجية النقد وإعادة البناء في فلسفة محمد إقبال
الدكتور جيلالي بوبكر/جامعة الشلف، الجزائر
مقدمة:
إذا كانت لفظة استراتيجي "stratège" تعني في القاموس اللغوي من بيده فن قيادة الحرب أو الاحترابي وهو الخبير بالحرب، وكلمة إستراتيجية "stratégie" تعني التخطيط والتدبير في الحروب أو فن تسيير وتوجيه وقيادة مجموعة من الطاقات نحو هدف ما،وتعني فن التنسيق بين العمليات العسكرية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية ،التي تندرج في إطار تسيير وتوجيه الصراعات وعمليات الدفاع عن أمة أو مجموعة أمم، فإن محمد إقبال واحد من الاستراتيجيين في الفكر وفي فلسفة الحضارة، وفي عمليتي الإصلاح والتجديد الحضاريتين، فهو واحد من المفكرين المسلمين يدافع عن الإسلام، ويسعى بفلسفته الإصلاحية وفكره التجديدي، إلى هدف أنبل وأسمى يتمثل في تجديد الفكر الديني في الإسلام، ليرتبط بالقيّم الإسلامية الصحيحة، والفهم الصحيح للإسلام، وليكتشف ما فيه من قيم نبيلة، تتكشّف مع التطورات والمستجدات التي تعرفها حياة الإنسان في كل الميادين، هذه الحياة التي لا تعرف السكوت والثبات، بل متحركة ومتغيرة ومتطورة باستمرار، وليربط الفكر الإسلامي كذلك بالفكر الغربي وبالحضارة الغربية، ويلائمها ملائمة تحفظ للمسلم هويته، وللإسلام حقيقته بعيدا عن الانبهار بالمظهر الخارجي البرّاق للحضارة الأوروبية، الذي قد يشل حركة المسلمين نحو بلوغ حقيقة الحضارة الأوروبية، وبالتالي يشل حركتهم نحو التقدم والرقي والازدهار.
إستراتيجية الهدم:
إن "إقبال" واحد من قادة الفكر والتجديد في العالم الإسلامي الحديث، رسم لفلسفته الإصلاحية هدفا هو إخراج الفكر الإسلامي من عالم التخلف والانحطاط والسير به نحو النماء والازدهار في معترك حضاري وصراع ثقافي بين عالم متخلف فكرياً وحضارياً والعالم الإسلامي جزء منه وعالم متقدم علميا وتكنولوجيا بيده حضارة متطورة هي الحضارة الغربية التي بسطت يدها وسلطانها على العالم أجمع بفكرها وثقافتها المعارضة في العديد من الأمور لروح الإسلام ولمصالح المسلمين. ودعوة إقبال إلى الإصلاح والتجديد ارتبطت بمخطط ارتبط فيه الهدف بالمبادئ والأصول وبالوسائل والمنهج، فكان ذلك عبارة عن إستراتيجية تقوم أساسا على فكرة النقد وفكرة إعادة البناء أي إعادة بناء الفكر الإسلامي على النقد والتمحيص.فالنزعة الفلسفية والفكرية التي تقوم على النقد والتمحيص قادرة على الإلمام بالحقيقة التي تتطور معالمها وتتغير أوجهها من وقت إلى آخر، بفعل التفكير الفلسفي النقدي، وعلى ضوء هذا التفكير يمكن بناء فهوم وموافق جديدة من الأشياء والحياة والوجود تتجلّى فيها الحقيقة وينبني منها التفكير الإنساني في مرحلة من مراحل تاريخه. أما ثقافة السكوت والسكون في القديم والتقوقع فيه والقبوع فيما تركه الأسلاف بحلوه ومره أو بحلوه فقط، أو الانغماس في الجديد بحلوه ومره كل هذا يُفضي إلى الجمود والتحجر في الفكر، والضعف والانحطاط في الحياة عامة، وتلك هي حال المسلمين في العصر الحديث. وفي جميع الأحيان ثبّت المسلمون ما هو في أصله وطبيعته متحرك ومتغير ومتجدد باستمرار، كما عدّلوا ما هو في أصله وطبيعته ثابت، وهذا مرده إلى غياب نظرة نقدية فاحصة إلى الذات، وإلى الغير وحضارته .
فالروح النقدية الفاحصة هي مقوم الروح الفلسفية الناهضة إلى بلوغ أسمى مراتب التجديد والتطور، فلا يغيب» عن أذهاننا أن التفكير الفلسفي ليس له حد يقف عنده، فكلما تقدمت المعرفة، وفتحت مسالك للفكر جديدة، أمكن الوصول إلى آراء أخرى … وعلى هذا فواجبنا يقتضي أن نَرْقُبَ في يقظة وعناية تقدم الفكر الإنساني،وأن نقف منه موقف النقد والتمحيص .«" "
فمحاولة "إقبال" الفكرية والفلسفية لإصلاح الفكر الإسلامي من خلال النقد. محاولة جادة وجديدة مغايرة للحركات الدينية والفكرية التي تعتمد على تبسيط تعاليم الإسلام لتقريبها من العامة، فهي محولة لها فكر وفلسفة ومنهج يعتمد أساسا النقد والهدم لا لغرض النقد، بل بهدف إعادة النظر والصياغة والبناء في إطار واحد هو الإسلام وقيّمه في توجيه الإنسانية، ويصرح إقبال قائلا: »ولقد حاولت في هذه المحاضرات التي أعددتها بناء على طلب الجمعية الإسلامية بمدراس، وألقيتها في مدراس وحيدرآباد وعليكرة، بأن أحاول بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناء جديدا آخذا بعين الاعتبار المأثور من فلسفة الإسلام،إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطور في نواحيها المختلفة. واللحظة الراهنة مناسبة كل المناسبة لعمل كهذا «." " ويذكر إقبال مبينا قيمة النقد في تطوير المعرفة وبناء الحضارة وتحريك التاريخ:» لقد تعلمت الطبيعيات القديمة نقد أسسها التي قامت عليها أولا، فأدى هذا النقد إلى سرعة اختفاء المادية التي قالت الطبيعيات بوجودها أول الأمر وليس ببعيد ذلك اليوم الذي يكشف فيه كل من الديـن والعلم اتفاقا متبادلا بينهـما لم يكن حتى اليوم منتظراً .«" " فالنقد هو السبيل الوحيد لإحداث التغيير والوصول إلى الجديد، وهو السبيل إلى وضع دعائم وسبل تضمن بلوغ الهدف الأسمى للدين، وهو الحياة على النسق الخاص بالرياضة الباطنية الدينية، هذه الرياضة التي صار المسلم المعاصر لا يطيقها بل يقلل من شأنها وذلك لسيطرة التفكير الواقعي المادي على حياته عامة. وكان القدماء من الصوفية وأصحاب الرياضة الدينية فقد قدموا عملا طيبا في تكييف التجارب الصوفية وتوجيه مسارها في الإسلام فإن أصحاب التصوف في العصر الحديث عجزوا عن هذه المهمة بسبب ابتعادهم عما أنتجه العقل الحديث، وعجزوا عن قبول أي وحي جديد من الفكر الحديث والتجارب العصرية، لأن ما لديهم من تجارب يختلف عما للأجيال السالفة من ثقافة ونظرة إلى الحياة في جوانب مختلفة. وعلى ضوء النقد تتم عملية إعادة البناء وفق إستراتيجية تضبط الهدف بدقة، كما تحدد المبادئ والوسائل والسبل الكفيلة بتقديم خطة للإصلاح والتجديد قائمة دائما على النقد والهدم وإعادة البناء، وهو أمر ضروري ولا بد منه للعالم الإسلامي في العصر الحديث يحتمه التواجد الاستعماري الصليبي في بلاد المسلمين عامة في بلاد الشرق بصفة خاصة.وما يستهدفه الاستعمار من محاولات تدمير القيم الإسلامية، وطمس هوية المسلم ليذوب في الغرب وفي فكره وفي قيمه.لما يتطلبه الفكر الغربي المتميز بالطابع المادي الإلحادي وما يحدثه هذا الفكر من تأثير سلبي على المسلمين يزيد في ضعفهم وانحطاطهم. كما تفرضه حالة المسلمين من الضعف المتعدد الجوانب والتي طال أمدها، هذا الضعف الذي استولى على الفرد والجماعة في سائر الشعوب الإسلامية. والإسلام في نظر "إقبال" يمثل بحق وسيلة قوية تربط بين المسامين أفراد وجماعات، ويمثل المنبع الأول والمصدر الأصل لاستعادة المسلمين لقوتهم من جديد، والوصول إلى القوة التي صاروا بها أسياداً وأصحاب حضارة ومنعة، ولم يخضعوا حينها لغير الله وحده،لذا على المسلمين أن يعتمدوا عليه في إيقاظ المسلم ضد الاستعمار، وفي تجمع قوى الشعوب الإسلامية على العمل من أجل تطهير كافة البلاد الإسلامية منه وأن يقربوا في كيفية عرضهم للإسلام وأن يقرّبوا بين تعاليمه وبين غايات الحياة القائمة وأن يكشفوا القيم الذاتية للإسلام كمصدر قوة في الحياة، فهو رسالة الإنسان في الحياة في العالم الواقعي.
لما كانت المحاولة الإصلاحية "لإقبال" ضرورة لا بد منها جاءت في الوقت المناسب فإنها تمثل دراسة تقدمية للفكر الإسلامي القديم والحديث، ولظروف المسلم المعاصر وللحضارة الغربية الحديثة، لا لمبادئ الإسلام وتعاليمه وروحه ،فالإصلاح هنا يخص الفكر لا الدين ذاته ولم تكن هذه المحاولة تخلو من إعادة البناء بعد عمليات الهدم،فكتاب 'تجديد التفكير الديني في الإسلام' ينطوي على إستراتيجية النقد وإعادة البناء التي اختارها إقبال للانتقال بحياة المسلم من جوِّ الركود والانحطاط والضعف، إلى جو الحركة والتقدم والازدهار، وكانت هذه الإستراتيجية –وصاحبها جندي في معركة النهضة-صدرت من شخص تسلّح بالإيمان والقرآن، وحمل لواء الإصلاح والتجديد بعد أن اطّلع على تاريخ الفكر الإسلامي، وألمّ بالفكر الغربي وتعرّف على الحضارة الغربية ومنتوجاتها، ودخل المعترك الحضاري والصراع الثقافي والفكري بين فكر ارتبط بالإيمان والإسلام والرياضة الدينية،وبين فكر غربي ارتبط بالواقع وحضارة غربية ذات أصول مادية مظاهرها ومنتجاتها برّاقة ومغرية.أي بين عالم أوربي متقدم علميا وتكنلوجيا يفرض أفكاره وقيمه على الجميع وعالم متخلف –والعالم الإسلامي جزء منه –يريد أن يتحرر و ويشارك في السيطرة على الكون. ولكي يربح العالم المتخلف المعركـة ويحقـق الانتصار تلزمـه إستراتيجية النقد وإعادة البناء التي تمثل فلسفة الإصلاح والتجديد في مجال النفس والفكر والإنسان أولا، وفي مجال الواقع بعد ذلك.
لقد استمد "إقبال" فلسفة الإصلاحية من الوحي الإلهي (القرآن( كمصدر للتوجيه، ومن نقد الفكر الإنساني والإسلامي وتاريخهما، ونقد ظروف المجتمع الأوربي وحضارته وعلومه وأفكاره، ونقد ظروف العالم الإسلامي وتخلفه وانحطاطه.والنقد لا يعني الرفض وإلغاء الآخر بل كشف ما في الفكر الإنساني والحضارة الغربية الحديثة من قيم وثوابت يجب مراعاتها، وما فيها من تجاوزات من شأنها تجعل النظرة قاصرة، والتحليل ناقص ولا تنسجم مع طبيعة الإنسان والوجود والحياة التي ترد إلى حقيقة واحدة، وأصل واحد هذه الحقيقة وهذا الأصل روحيان وغياب الانسجام بين الفكر وطبيعة الحياة المتميزة بالحركة والتغير يؤدي إلى اختلال الموازين، ولا يتحقق مبتغى الدين ومقصده،وهو بلوغ الروحانية والسمو الروحي في الفكر والسلوك والحياة عامة، من خلال سيطرة الإنسان على العلاقات بين وحدات الكون وضمان التوازن بينهما.
ففي إستراتيجية النقد عند "إقبال" نجد التوازن والاعتدال هما ما يميزان فكره النقدي، بحيث يأخذ من الفكر القديم ومن الفكر الحديث ما هو مؤسس على قوة الأساس وسلامة الدليل، ويقتبس المفاهيم والتصورات والمناهج التي يرى فيها جوانب الحقيقة الملائمة لذات الإسلام وروح القرآن، فيكشف عنها ويكشف عن القيم الذاتية للإسلام، ويبدي رأيه بكل حرية وجرأة ووضوح. فلا يتعصب لتعاليم دينه، ولا يرفض الرأي الآخر، ولا يقبل الرأي الآخر دون نقد وتمحيص. ومحاولته الفكرية التي يتضمنها كتابه "تجديد التفكير الديني في الإسلام" مليئة بالانتقادات التي تدل على جديّة نقده وصرامة مناقشته وقوة
مواقفه وآرائه .
مما انتقده إقبال الفلسفة اليونانية، على أنها كانت قوة فكرية وثقافية عظيمة في تاريخ الإسلام، وسّعت آفاق النظر العقلي عند مفكري الإسلام لكنها لم تسمح لهم بفهم الإسلام، وذلك لأن سقراط ركز في فلسفته على الإنسان وحده وأهمل العوالم الأخرى، وهذا يخالف روح القرآن. وأفلاطون الذي قلّل من قيمة الإدراك الحسي لأنه يفيد الظن ولا يفيد اليقين، وهذا بعيد عـن تعالـم القرآن.» وقد فات هذا الأمر المتقدمين من علماء الإسلام الذين عكفوا على درس القرآن بعد أن بهرهم النظر العقلي القديم، فقرأوا الكتاب على ضوء الفكر اليوناني، ومضى عليهم أكثر من قرنين من الزمان قبل أن يتبين لهم في وضوح غير كاف أن روح القرآن تتعارض في جوهرها مع تعاليم الفلسفة القديمة. وقد نجم عن إدراكهم هذا النوع من الثورة الفكرية لم يدّرك أثرها الكامل إلى يومنا هذا «." "
ويعتبر "إقبال" المسيحية البدائية باعتبارها لونا من الإيمان والتفكير لم تستطع بناء وحدة سياسية ومدنية، بل كانت نزعة رهبانية في عالم غير طهور، لا تهمها أمور الدنيا، فأنتج ذلك الخصومة الحادة بين الدولة والكنيسة. وذلك لا يكون في الإسلام لأن الإسلام كوّن مجتمعا سياسيا ومدنيا منذ الأول. ويؤكد إقبال ذلك من خلال نقده للمسيحية فيقول:» ولا شك في أن المسيحية عندما رسمت مثلا أعلى لحياة أخرى نجحت في تهذيب الحياة وطبعها بالطابع الروحي، ولكنها قصرت هَمّها على حياة الفرد، فأصبحت عاجزة عن إدراك ما للعلاقات الإنسانية الاجتماعية المتشابكة من قيمة روحية.« " "ويستشهد على ذلك بقول "ناومان" "Naumann" في كتابه "بـحـوث الدين":» إن المسيحية البدائية لم تجعل قيمة ما لحفظ كيان الدولة، ولم تحفل بالتشريع والتنظيم والإنتاج، بل إنّها لم تفكر في أحوال المجتمع الإنساني قط...ومن ثم فإما أن نتجه إلى أن نكون من غير حكومة فنلقي بأنفسنا بين براثين الفوضى متعمدين، وإما أن نقرر أن تكون لنا عقيدة سياسية إلى جانب عقيدتنا الدينية. « " " والإسلام كوحدة روحية مثالية هذه الوحدة تتجلى في مظهر خارجي واقعي ومادي، هذا المظهر ينطوي على فكرتين هما:ختم الرسالة الإلهية والاجتهاد في الأحكام الشرعية.
لقد انتقد "إقبال" الفكر الفلسفي الإسلامي في كبريات قضاياه، وفي اتجاهاته الكبرى، وعند رواده أمثال الأشاعرة والمعتزلة وأبي حامد الغزالي وابن رشد وغيرهم، فالشك الفلسفي في محاولة الغزالي لتأسيس الدين على دعامة أمر يتعارض مع روح الدين وتعاليم القرآن، ودفاع ابن رشد عن الفلسفة متأثر بأرسطو صاحب مذهب خلود العقل الفعال، يتعارض هو الآخر مع نظرة القرآن إلى قيمة النفس الإنسانية وإلى مصيرها.» بهذا غابت عن ابن رشد فكرة إسلامية مثمرة عظيمة وساعد عن غير قصد على نمو فلسفة للحياة تورث الضعف، وتغشى على بصر الإنسان عند نظره إلى نفسه وإلـى ربه وإلى دنيـاه«. " " ويقول إقبال في فرقتي الأشاعرة والمعتزلة: »وليس من شك أن البناة من مفكري الأشاعرة كانوا على طريق الصواب ،وقد سبقوا الفلسفة المثالية إلى قدر من أحدث أرائها،وإن كانت حركة الأشاعرة في جملتها لا غاية لها إلا الدفاع عن رأي أهل السنة بأسلحة من المنطق اليوناني …أما المعتزلة وقد قصروا إدراكهم للدّين على أنه مجموعة من العقائد متجاهلين أنه حقيقة حيوية –فلم يحفلوا بأساليب إدراك الحقيقة إذا كانت لا تقبل التصور،وأرجعوا الدين إلى نسق من المعاني المنطقية ،انتهى إلى موقف سلبي بحت،وغاب عنهم انه في ميدان المعرفة –علمية كانت أو دينية –لا يمكن للفكر أن يستقل تمام الاستقلال عن الواقع المتحقق في عالم التجربة .«" " ويؤكد إقبال على أن ماضي الفكر الإسلامي التشريعي قد خلا تماما من النقد والتمحيص، ويوافق أحد المجددين في رأيه بأنه إن » لم نستطع إضافة الجديد إلى التفكير الإسلامي العام فقد نوفق – عن طريق النقد المحافظ السديد- في كبح جماح حركة التحلل من الدين التي تنتشر بسرعة في الدين الإسلامي«." "
وينتقد "إقبال" التفكير الديني في الإسلام ويعيب عليه ركوده خلال القرون الخمسة الأخيرة، كما يعيب على المسلمين نزوعهم الروحي نحو الغرب، ويذكر ما قد ينجر عن هذا النزوع وهذا الإنهيار، فيقول:» فإن أبرز ظاهرة في التاريخ الحديث هي السرعة الكبيرة التي ينزح بها المسلمون في حيتاهم الروحية نحو الغرب. ولا غبار على هذا المنزع فإن الثقافة الأوربية في جانبها العقلي ليست إلا ازدهارا لبعض الجوانب الهامة في ثقافة الإسلام. وكل الذي نخشاه هو أن المظهر الخارجي البرّاق للثقافة الأوربية قد يشل تقدمنا، فنعجز عن بلوغ كنهها وحقيقتها «". " ويذكر "إقبال" لجمال الدين الأفغاني دقة بصره لتاريخ الفكر والحياة في الإسلام وسعة خبرته بالرجال والأحوال،ربط بين الماضي والحاضر، ولو اقتصر نشاطه على الإسلام كونه عقيدة وخلق وأسلوب في الحياة لكان العالم الإسلامي قويّا من الناحية العقلية فيأخذ المعرفة العصرية، ويقدم تعاليم الإسلام في ضوء هذه المعرفة. ويشير "إقبال" بما يتطلع إليه شباب المسلمين في آسيا وفي إفريقيا وما يريدونه من توجيه جديد بعقيدتهم، وهم يواجهون الفكر الأوروبي، » ولهذا لا بد من أن يصاحب يقظة الإسلام تمحيص بروح مستقلة لنتائج الفكر الأوروبي، وكشف عن المدى الذي تستطيع به النتائج التي وصلت إليها أوروبا أن تعيننا به في إعادة النظر في التفكير الديني في الإسلام، وعلى بنائه من جديد إذا لزم الأمر، أضف إلى هذا أنه لا سبيل إلى تجاهل الدعوة القائمة في أواسط آسيا ضد الدين على وجه عام، وضد الإسلام على وجه خاص – تلك الدعوة التي عبرت حدود الهند بالفعل، وبعض دعاة هذه الدعوة من أبناء المسلمين« ." "
إستراتيجية البناء:
إن محاولة "إقبال"الفكرية تستهدف تقدم الإسلام باعتباره رسالة إلى الإنسانية جمعاء، وعلى الأخص للمسلم ، في وقت سيطر فيه الطابع التجريبي المادي على المعرفة الإنسانية، فهي فلسفة تسعى إلى كشف قيمة الإسلام وقيّمه الذاتية عند الإنسان التجريبي، وهو الإنسان الغربي والإنسان المسلم ، وإذا كان المذهب الوضعي التجريبي مكّن صاحبه من السيطرة على قوى الطبيعة فإنه قد سلبه مصيره وروحانيته، وجعله أسير صراع مع نفسه ومع غيره في الحياة الاقتصادية والسياسية، يجد نفسه عاجزا عن الاتصال بأعماق وجوده فهو إن كان عقليا أو تجريبيا أو اشتراكيا ماركسيا يعيش في اضطراب وتوتر إما مع ذاته أو مع غيره. إن الطابع العقلي للفكر الغربي الحديث عاجز عن إشعال جذوة الإيمان الصادق، تلك الجذوة التي لا يستطيع أن يشعلها إلا الدين، فالدين استطاع دوما أن ينهض بالأفراد ويغير الجماعات ويحوّلها من حالة إلى أخرى، و"مثالية أوروبا لم تكن أبدا من العوامل الحيّة المؤثرة في وجودها، ولهذا أنتجت ذاتا ضالّة أخذت تبحث عن نفسها بين ديمقراطيات لا تعرف التسامح، وكل همّها استغلال الفقير لصالح الغني، وصدقوني أن أوروبا اليوم هي أكبر عائق في سبيل الرقي الأخلاقي للإنسان «. " "
ويختلف الفكر الإسلامي عن الفكر الغربي وعن مثالية أوروبا في أن المسلم له أراء وفهوم في الحياة و في الوجود انطلاقا من أعماق هذه الحياة وهذا الوجود وهي فهوم مرتبطة بأعماق النفس ،والأساس الروحي للحياة لدى المسلمين هو إيمان يمثل مقصد ومبتغى الدين، تُستغل الحياة كلها في سبيله. ويقوم الإسلام على مبدأ ختم الرسالة الإلهية وعلى مبدأ الاجتهاد في الأحكام، وهما مبدآن يجعلان أهل الإسلام أكثر شعوب المعمورة في الديمقراطية الروحانية والحرية، بعيدا عن الرق الروحي وما ينتج عنه من رق حيواني اجتماعي وسياسي واقتصادي، ويطلب "إقبال"مـن »المسلم اليوم أن يقدّر موقفه وأن يعيد بناء حياته الاجتماعية على ضوء المبادئ النهائية ، وأن يستنبط من أهداف الإسلام التي لم تتكشف بعد إلا تكشفا جزئيا تلك الديمقراطية الروحية التي هي منتهى غاية الإسلام ومقصده «." "
تلك الديمقراطية الروحية لا تتكشف للإنسان المعاصر إلا إذا أعاد النظر في ذاته وتفكيره ومحيطه والعالم، وأعاد بناء تفكيره وحياته الاجتماعية ضمن استراتيجية تقوم في أساسها على الحياة الروحية، وترتبط بالقيم الدينية،وتستفيد من التراث الفكري الإنساني والإسلامي، ومن الفكر الغربي الحديث والحضارة الأوروبية المعاصرة ،فالتغيير صار ضرورة ملحة في وضعيته وفي حياته الحاضرة ، لأن العالم صار في حاجة ماسة إلى تجديد نفساني ووجداني، والدين ليس مجرد عقيدة فحسب بل هو الوحيد الذي يقدر على تكوين الإنسان تكوينا خلقيا وسيكولوجيا يؤهله لتحمل المسؤولية الكبرى، ويمكنه من بلوغ السمو إلى مستوى جديد في فهم الكون والتحرر وامتلاك مبادئ وأسس علمية تسمح بالتحضر وتوجيه تطور المجتمع البشري، وفي هذا يقول "إقبال": » إن السمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله ولمستقبله من أين جاء وإلى أين المصير هو وحده الذي يكفل له آخر الأمر الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي وعلى حضارة فقدت وحدتها الروحية بما انطوت عليه من صراع بين القيّم الدينية والسياسية، والدين كما بيّنت من قبل من حيث هو سعي المرء سعيا مقصودا للوصول إلى الغاية النهائية للقيم فيمكنه بذلك أن يعيد تفسير قوى شخصيته هو حقيقة لا يمكن إنكارها«." "
ويصف الأستاذ محمد البهي محاولة إقبال لإعادة بناء الفكر الإسلامي بقوله:» كان "إقبال" دقيقا عندما عبّر عن حركته الفكرية بإعادة بناء الفكر الديني"في الإسلام دون التعبير بالإصلاح الديني لأن أية محاولة إنسانية تدور في محيط الإسلام ، لا تتعلق بتعديل مبادئ، طالما أن مصدره وهو القرآن له صفة الجزم والتأكيد والأبدية وأية حركة"إصلاحية" في "الإسلام" بعد ذلك هي إذن في دائرة الفكر الإسلامي حوله، وفي دائرة أفهام المسلمين لمبادئه، وأي تطور "للإسلام يجب أن يكون بهذا المعنى في دائرة أفهام المسلمين وتفسيرهم لتعاليمه، وليس هناك تطور للإسلام نفسه...وإصلاح الفكر الديني في الإسلام يقوم-عند إقبال- على طلب تغيير الوضع الذي وصل إليه المسلم الآن، ووصلت إليه الجماعة الإسلامية وهو وضع الضعيف المتهيب الحياة النافر من الواقع...يقوم على مكافحة الهرب من الحياة وعدم استطاعة السيطرة على المادة أو الطبيعة....« " "
تقوم فكرة الإصلاح والتجديد في فكر"إقبال" وفلسفته على إعادة النظر إلى الذات وتغيير مفهوم عالمها وإعادة بنائها انطلاقا من تعاليم الإسلام وقيّمه الذاتية ومن وضعية المسلم وظروفه الراهنة، وعلى تغيير مفهوم الواقع الطبيعي والاجتماعي على أساس أن الطبيعة ميدان لحركة الإنسان وسعيه ومعرفته، وبالتالي إزالة ما لديه من تصور عن كون عالم الطبيعة شرا ومخيفا، وعلى مبدأ الحركة في الإسلام الذي يقوم على شرح المبادئ الإسلامية، كمبدأ التوحيد من حيث هو تنفيذ لفكرة المساواة وفكرة الحرية وفكرة الاتحاد، وكمبدأ ختم الرسالات ومبدأ الاجتهاد وغيرها. إن التغيير أو الإصلاح بهذا المعنى هو الذي يميّز بين المذهب المادي الغربي الذي يسيطر على الطبيعة لكنه عرف الحقيقة في جزء منها فقط، وبين التفكير الإسلامي الذي يصل إلى معرفة الحقيقة المطلقة من خلال التجارب الإنسانية الواقعية والدينية والتاريخية باعتبار مصادر المعرفة ثلاثة: ،الواقع والدين والتاريخ.
إن إعادة بناء الذات والفكر يقوم أساساً وابتداء على تغيير ما بدخل الذات وهو أمر يقرره القرآن في الآية الكريمة :] إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم.[ " " يقول إقبال :» وفي هذا المنهج من التغير التقدمي لا يكون الله في عون المرء على شريطة أن يبدأ هو بتغيير ما في نفسه…فإذا لم ينهض الإنسان إلى العمل، ولم يبعث ما في أعماق كيانه من غنى وكف عن الشعور بباعث من نفسه إلى حياة أرقى، أصبحت روحه جامدة جمود الحجر، وهوى إلى حضيض المادة الميتة، على أن وجود الإنسان وتقدمه الروحي يتوقفان على إحكام العلاقات بينه وبين الحقيقة التي يواجهها«. " "وإذا كانت النصرانية في نظر "إقبال" عنيت في أول عهدها بالبحث عن مستقر للحياة الروحية، هذه الحياة لا تسموا عن طريق إمكانات العالم الخارجي وقواه، » وإنما يتجلى عالم جديد في داخل النفس ذاتها، والإسلام يقر هذه النظرة تماما ويكملها بنظرة أخرى هي أن النور الذي يضيء هذا العالم الجديد المتجلي على هذا النحو ليس غريبا عن عالم المادة، بل هو متغلغل في أعماقه«. " " وتكون تزكية النفس بالعمل وحده، لأن الحياة تضع النفس في ميدان العمل ولا يوجد من الأعمال ما يجلب اللذة ولا منها ما يورث الألم بل هناك أعمال تضمن للنفس الخلود والبقاء وأخرى تضمن لها الفناء والزوال فالعمل هو الذي يُعدُّ النفس للزوال أو يهيئها لحياة حرة مستقلة، » ومبدأ العمل الذي يكتب للنفس البقاء هو احترامي للنفس فيَّ وفي غيري من الناس." "والخلود لا يتحقق بكونه حقا نناله، إنما يبلغه الإنسان بما يبذله من جهد شخصي، والإنسان هو المخلوق الوحيد المرشح لذلك. وبما أن النفس خالدة فعملها دائم وحركتها مستمرة لا تعرف التوقف ولا الانقطاع، وهي جزء من العالم، والعالم بجميع جزئياته يعود في حركته إلى الحركة الإلهية، وهو تجلي"الإنية" العظمى أو "العلى الأعلى"، »على أن هناك درجات في تجلى الروحية أو الذاتية، وتجلى هذه الروحية يرتقي في سلم الوجود درجة درجة إلى أن تبلغ كماله في الإنسان، وهذا السر في تصريح القرآن أن الله أو الذات القصوى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد.« " "
إن العالم في نظر "إقبال" ليس جامدا ثابتا وليس خَلقاً مكتملاً، فهو قابل للزيادة والنماء، وهذا التغير في العالم يجعل الإنسان يسعى إلى ضمان التلاؤم بين ذاته وبين مستلزمات هذا التغير ويدفعه لاستعمال ما لديه من قوة التغلّب على الصعوبات. وامتداد الكون في الزمان والمكان» يحمل في طياته الأمل في أن الإنسان الذي يجب عليه أن يتفكر في آيات الله سيتم غلبته على الطبيعة بالكشف عن الوسائل التي تجعل هذه الغلبة حقيقة واقعة." " والغلبة تكون عن طريق تسخير قوى الطبيعة لخدمة أغراضه ومطالبه. ويتضح هذا في قول "إقبال":» والإنسان إذا استهوته القوى التي تحيط به فإنه يقدر على تكييفها وتوجيهها حيث شاء، أما إذا غلبته على أمره فإنه قادر على أن ينشئ في أعماق نفسه عالما أكبر يجد فيه منابع من السعادة والإلهام لا حد لهما ولا نهاية ولهذا فإن الإنسان في صميم كيانه كما صوّره القرآن قوة مبدعة وروح متصاعدة تسمو في سيرها قدما من حالة وجودية إلى حالة أخرى«." "ويضيف إقبال:» لقد قدر على الإنسان أن يشارك في أعمق رغبات العالم الذي يحيط به،وأن يكيّف مصير نفسه ومصير العالم كذلك، تارة بتهيئة نفسه لقوى الكـون وتـارة أخرى ببذل ما في وسعه لتسخير هذه القوى لأغراضه ومراميه«." "
لقد دعا القرآن في أكثر من آية إلى تأمل الطبيعة ليبعث في النفس الإنسانية الشعور بالذات الكلية التي تعد الطبيعة آية عليه. "والاتجاه التجريبي للقرآن" شكل في أصحابه شعورا بأهمية الواقع وقدْره، فاستطاعوا أن يصنعوا أسس العلم الحديث. إن التطور الحاصل في العالم يجعل حياة الإنسان تنبني بصورة جديدة، والجهد العقلي المبذول لتجاوز عقبات العالم يمكن الإنسان من التعمق في جزئيات التجربة الإنسانية، ويجد في آفاق الحياة وتجريدها ثراء وخصوبة، واتصال العقل بعالم الأشياء الحادثة هو الذي يدرب على النظر العقلي فيما هو مجرد.» والقرآن يبصرنا بحقيقة التغيير العظيمة التي لا تتسنى لنا بغير تقديرها والسيطرة عليها حضارة قوية الدعائم. ولقد أخفقت ثقافات آسيا بل ثقافات العالم القديم كله لأنها تناولت الحقيقة بالنظر العقلي ثم اتجهت منه إلى العالم الخارجي، فأمدها هذا المسلك بالتفكير النظري المجرد من القوة، وليس من الممكن أن تقام على النظر العقلي المجرد وحدة حضارة يكتب لها البقاء«." "
فالتغيير عند إقبال يبدأ في داخل النفس الإنسانية، لأن الإيمان ليس مجرد شعور فهو يماثل رضا النفس وقبولها واطمئنانها عن دراية وعلم وإدراك. ولأن الدين باعتباره عقيدة فهو جملة من الحقائق العامة لها تأثير في توجيه الخلق وتكييفه.»وإذا كانت غاية الدين وهدفه الأسمى تكييف الإنسان وهدايته في تدبيره لنفسه وفي صلاته بغيره، أصبح من الجلي أن الحقائق التي يشمل عليها الدين ينبغي ألاّ تبقى غير مقررة، فما أحد من الناس يغامر بالإقدام على عمل ما على أساس مبدأ خلقي مشكوك في قيمته«. " " فالتغير ميزة الكون والواقع تدل هذه الميزة على الأصل الروحي الأول لكل حياة، والإنسان مطالب بتغيير ذاته ووجوده الاجتماعي، ولكي يوفق الإنسان بين درجات التغير والدوام ينبغي أن تكون له مبادئ أبدية تنظم حياته الجماعية وتوجه أمورها، فالأبدي الخالد يثّبت وجود الإنسان في عالم التغير المستمر. » ولكنا إذا فهمنا أن المبادئ الأبدية تستبعد كل إمكان للتغير وهو في نظر القرآن آية من الآيات الكبرى على الذات الإلهية- فإن هذا الفهم يجعلها تنزع إلى تثبيت ما هو أساسي متغير في طبيعته وإخفاق أوروبا في علم السياسة وعلم الاجتماع يوضح المبدأ الأول، وركود الإسلام في القرون الخمسة الأخيرة يوضح المبـدأ الثانـي«. " "
فالإسلام لا يكون خصيما لفكرة التطور هذا التطور ليس تغيرا بحتا بل فيه عناصر تنزع للمحافظة على القديم، » فالإنسان في الوقت الذي يستمتع فيه بنشاطه الخالق ويركز جهوده باستمرار في كشف مسالك للحياة جديدة، يحس بالقلق عندما ينكشف له ما في ذات نفسه، ولا مفر له في خطوة إلى الأمام من أن يرجع البصر إلى ماضيه ، وهو يواجه نماءه الروحي في شيء من الخوف ، وروح الإنسان يعوقها في سيرها قدما قوى يظهر أنها تعمل في الاتجاه المضاد، وما هذا إلى ضرب من القول بأن الحياة تتحرك وهي تحمل على عاتقها أثقال ماضيها وأنه في أي تغير اجتماعي لا يمكن أن يغيب عن النظر ما لقوى التمسك بالقديم من قيمة وعمل«. " "
والتجديد في نظر "إقبال" يصدر دوما من الحق اللاّمتناهي، مما يجعل تلقى الإنسان إيجابيا فيبدع ويجدد. ويقول "إقبال":» فالحياة واحدة ومتصلة والإنسان يسير دائما قدما فيتلقى على الدوام نورا جديدا من الحق غير المتناهي الذي هو)كل يوم في شأن( ومن يتلقى نور الهداية الربانية ليس متلقيا سلبيا فحسب لأن كل فعل لنفس حرة يخلق موقفا جديدا وبذلك ينتج فرصا جديدة تتجلى فيها قدرته على الإيجاد«. " " وعملية التجديد والإصلاح ليست من نصيب المسلم المعاصر في ظل الظروف القائمة بل تشترط تحرير الفكر، مع اتخاذ الحذر والحيطة، لأن حرية الفكر قد تؤدي إلى الانحلال. إن فكرة القومية العرقية التي تأثر بها المسلمون في العصر الحديث قضت على النظرة الإسلامية الشاملة العامة التي أروت نفوس المسلمين ، وزعماء الإصلاح في الدين والسياسة يأخذهم حماسهم خارج الحدود الصحيحة للإصلاح والتجديد إذا غاب ما يوقف جماح "حميتهم الفـتـية".
إذا كان المسلم يتلقى إيجابيا فتصير ذاته حرة طليقة تخلق الموقف الجديد دون أن تدوس على القديم، فإن التقوقع –عند إقبال- في القديم والجمود عليه يهلك النشاط الإنساني، » فهو يقضي على حرية الذات المبدعة ، ويَسدُّ المنافذ الجديدة للإقدام الروحاني.« " " ومهمة المسلم المعاصر جدّ ضخمة، » إذ عليه أن يفكر تفكيرا جديدا في نظام الإسلام كله دون أن يقطع ما بينه وبين الماضي قطعا تاما « ". "
خاتمة:
إن فكرة التجديد والإصلاح التي أرادها إقبال ودافع عنها وعبر عنها بـ"تجديد التفكير الديني في الإسلام" تمثل تفكيراً ومنهجاً يقوم على النقد وإعادة البناء وينتهي إلى دور الإسلام في توجيه حياة الإنسان ، وهي ضرورة لا بد منها للتخلص من الاستعمار الصليبي ولمواجهة الفكر الغربي المادي الإلحادي ولإزالة الضعف العام عن المسلم المعاصر ، وتنشد هذه الفكرة تأويل الوجود على أسس روحية، وتحرير روح الفرد، ووضع مبادئ إنسانية توجّه تطور المجتمع الإنساني على أساس روحيته. أي تغيير مفهوم الإنسان لعالم الطبيعة وتحديد مبادئ عالمية لضمان التغير والتجدد في المجتمع الإنساني، كل هذا يجري في الكون، ومن خلال سيطرة الإنسان على العلاقات بين وحداته: الإنسان، الوجود، والله. وإدراكه لظاهرتين أساسيتين هما ظاهرة تغير العالم وظاهرة حركة الإنسان ، هذه الحركة التي جعلت الحياة متجددة باستمرار، هذا التجدد يبدأ في داخل نفس الإنسان، في تفكيره ووجدانه ومشاعره ثم يتحول إلى خارج النفس ، فيكون عبارة عن تسخير في عالم الطبيعة بواسطة العلوم الطبيعية والصناعات، ويكون اجتهادا في الواقع الاجتماعي وفي الأحكام ، هذه الحركة وهذا التجدد في داخل النفس أو في الطبيعة أو في المجتمع هي من أصل واحد تعود إلى الحركة الإلهية، وتسعى إلى بلوغ الروحانية الإلهية التي هي مصدرها ومقصدها.
الهوامش:
1. - محمد إقبال:تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود، دار التأليف والترجمة والنشر، مصر، 1955، بدون ط، ص 3.
2. - المرجع السابق ك ص2.
3. - المرجع السابق ك ص2.
4. - المرجع السابق: ص9.
5. - المرجع السابق: ص190 –191.
6. - المرجع السابق: ص191.
7. - المرجع السابق: ص 9-10.
8. - المرجع السابق : ص10.
9. - المرجع السابق : ص176 .
10. - المرجع السابق: ص 13-14.
11. - المرجع السابق: ص14-15.
12. - المرجع السابق: ص 207.
13. -المرجع السابق:ص108.
14. - المرجع السابق: ص 217
15. - محمد البهي:الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، نقلا عن عبد الوهاب عزام: محمد إقبال سيرته وفلسفته وشعره، ص 1000 من منظومة (أسرار خودي) -مطبوعات باكستان، 1954ص434-435.
16. - قرآن كريم: سورة الرعد، الآية 11.
17. - محمد إقبال : تجديد التفكير الديني في الإسلام ،ص19-20.
18. - المرجع السابق: ص16.
19. - المرجع السابق: ص137.
20. - المرجع السابق: ص85.
21. - المرجع السابق: ص18.
22. - المرجع السابق: ص 19
23. - المرجع السابق: ص 19
24. - المرجع السابق: ص22.
25. - المرجع السابق: ص6.
26. - المرجع السابق: ص170.
27. - المرجع السابق : ص191 .
28. - المرجع السابق: ص141.
29. - المرجع السابق: ص211.
30. - المرجع السابق: ص211.