همام و سيف الماس

[بنان دركل]

السلام عليكم
--------------------------------------------------------------------------------
من منتديات منابر ثقافية -كتابة العضو ابداع
واهلا به معنا
همام و سيف الماس
كان يا مكان في يوم من الأيام في مدينه تدعى عصماء شاب شجاع أمينٌ و ذكي اسمه همام يعيش مع والديه و أخويه الطيبين سهل و فرحان و كل منهم له زوجة و أولاد و كان لهمام بنتين و غلام . و في يوم من الأيام توصل همام لابتكار يستطيع به تحويل التراب إلى ذهب و بلغ ذلك الأمر بطاش وزير الوالي و قد كان رجلاً شريراً و طماع يحب الذهب و يكنزه فساوم بطاش همام على ابتكاره عندما طلب الدعم المؤسسي لبحثه و مشروعه المهم لأنه تكبد الديون العظام ساعياً وراء إنجازه و أنهكت قواه المثقلة بالمسؤوليات العديدة و الديون
فرفض همام مساومة بطاش, فهدده بطاش
فقال له همام : إن لم تنتهي يا بطاش سأشكوك للوالي فهو رجل عادل و سوف أفضح أمرك عنده
ضحك بطاش بصوت عال و قال : إن فعلتها جنيت على نفسك فمن أنت ليصدقك الوالي و يكذبني؟؟ حينها ستكون عبرة كل من يقول لا لبطاش
و بدء بطاش يدبر مكيدةً لهمام كي يتخلص منه فأتفق مع طبيب البلدة أن يصف لهمام دواء يجعله ينفعل بسرعة و يتصرف برعونة و شيع بين الناس بأن همام مجنون . ثم أخذ يشي به عند الوالي بدعوى أنه يتكلم فيه بكلام سوء , و لعلمه بأن الوالي رجل ذو خلق و دين اتهمه بأنه يتعرض لبعض فتيات المدينة بما لا يليق و بأنه مصاب باضطراب نفسي ( و لم يقل مجنون لأنه يعرف أن الوالي سيرفض دعواه لأن هذا يعتبر صيالاً على همام و أيً كان رد فعل همام فلن يُنكر عليه لأن الشرع يبيح له رد هذه التهمة بما يستطيع مبتدءاً برد الفعل الأقل فالأقوى ) و لولا أن همام كان كثير الذكر و شديد الالتجاء إلى الله الذي زاده بسطةً في العلم و الجسم لبطش به الدواء شر بطشه و في تلك الأثناء أخذ بطاش يتقابل مع سهل و فرحان و يشكوا من همام بأنه حاول ضربه و بأنه أصبح خائفاً منه و يحرص أن يقفل على نفسه مكتبه في حال وجود همام في عمله خشية تهوره و أسقط بين يدي سهل و فرحان فهمام عرف بعقله و حكمته و بحله لصعاب المشكلات بالتأني و الصبر و الحكمة و بدءوا يتعهدونه بالسؤال عنه و بالنصح له أن يعالج أموره بالحلم و زادة حالة همام سوءاً فأصبح من نوم إلى نوم بلا راحة و يقاوم ما به ليقوم بواجباته الأساسية نحو زوجته و أولاده فهو يأخذهم إلى المدرسة و يعيدهم بنفسه و تأثير الدواء يلعب بأعصابه فظن أهله أنه محسودٌ أو مسحور فتعهده أخوه سهل بالقراءة عليه و رقيته بالقرآن فلم يجد عليه علامات مما ظنوا . و عندما شَكَّت زوجة همام في الدواء و الطبيب استغفر همام الله من شر ظنها و قال لها يا امرأة هذا طبيب يقسم على الأمانة و إن كان يخطئ ويصيب و ذات يوم قرر همام إيقاف الدواء فأصبح في أردى حال يشعر بدماغه يدور داخل رأسه و كأنه سيجن فراجع همام الطبيب و أخبره عن إيقافه للدواء فقال له الطبيب إياك و إيقاف الدواء فسوف يتلاشى دماغك !! فلم يزده ذلك فوق همه هماً أعظم من كل بلاء الدنيا و في أحد الأيام و عندما كان همام في طريقه إلى عمله فوجئ بأحد عمال بطاش و المدعوا جبار يتهجم عليه بالضرب و الدفع و الجذب و همام لا يرد ضرباته و لا يحرك ساكناً بل بقي هادئً ساكناً مبتسماً متمثلاً بقوله تعالى على لسان ابن آدم عندما قال له أخوه لأقتلنك !!؟(( لئن بسطت يدك إلىَّ لتقتلني ما أنا بباسطٍ يديَ إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين _ إني أُريد أن تبوأ بإثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار و ذلك جزاؤا الظالمين ))[1] و شاهد ذلك عدد من الناس الذين حالوا بين جبار و همام و لمح همام في أعينهم الخوف و عدم الرغبة في الشهادة معه ضد جبار و بعد يومين كرر جبار ثانيةً ما فعله سابقاً و عند خروجه من مقر عمله شاهد سيارة الشرطة فلم يكن منه إلا أن أبلغهم بما حدث فأخذ الشرطي جبار إلى المركز و حققوا معه و لم يطلب همام شيء سوى أن يتعهد لهم بعدم التعرض له فهو لا يأمن على نفسه القتل من قِبل جبار لكن بطاش بعلاقاته المتشعبة أخرج جبار من السجن دون تعهد و زور أوراق تفيد أن همام هو المعتدي و أذاع ذلك بين الناس خافت زوجة همام و بناته عليه و كتبوا كتاباً إلى الوالي يصرخن فيه مثل من قالت وآ مـعـتـصـــمـاه و بعثوه إليه مع ولدها البالغ من العمر تسع سنين و ذلك في الحفل السنوي الذي يحضره الوالي و تسلم الكتاب من الغلام و هو يسلم عليه عند مغادرته الحفل و توالت الأيام يعظم فيها تدبير بطاش للإيقاع بهمام و أبلغت الشرطة سهل و فرحان بأن مركز عمل همام رفع تقرير ضده عند الوالي
بأنه مصاب باضطراب نفسي و يرفض العلاج
وأنه يتكلم في الوالي بكلام سوء
و بأنه يتعرض لبعض فتيات المدينة بما لا يليق
و أنه وقع في أخطاء أكاديمية
لـــذ لـــــك :
[ يوقف همام عن العمل على أن يستمر راتبه و على ذويه الاهتمام به و الرد على ما ورد من تهم ضد ه ]
و اسودت الدنيا في وجه همام و أهله و أخذ إخوته يجمعون المعلومات من همام عن ما حدث له و هو يقول لهم: [ لا تتعبوا أنفسكم لا فائدة مما تفعلونه!! ]
و لم يوضح لماذا ؟؟ و لم يقتنعوا هم بكلامه المبهم
كان همام يعرف أن هذا تدبير أبرم بليل و أن الوالي ربما لا يدري عنه و أن بطاش سوف يسير الأمور لصالحه مهما كتبوا و قدموا من ورق فشبكة بطاش كبيرة يستطيع بها أن يسجن السجين دون تهمة و دون معرفة الوالي حتى يحصل منه على ما يريد و إن كان اعتراف على تهمة لم يفعلها ذلك المسكين .
و هو متأكد من أن الوالي إن أراد معرفة الحقيقة لا بد من أن يلتقي بهمام بنفسه و يسمع منه و سيلمس الصدق في كلامه و هذا ما لا يريده بطاش فإذاً لا جدوى من أي عمل فلماذا نقوم به لكنهم مقتنعين بأهمية الرد ليقدموا ما بوسعهم لهمام معتبرينه أمانة في أعناقهم
و بعد فترة علم سهل و فرحان بأن كتاب الاستنجاد الذي بعثت به زوجة همام و بناته للوالي قد وصل و أرفق بالتحقيق و استبشروا خيراً. و طال المطال بالجميع منتظرين النتيجة و تمر الشهور شهراً بعد شهر و الحال باقي كما هو
و يشاء الله تعالى أن يقدم لزيارة فرحان ضيف مهم من بلاد الأعاجم و لأنه لا يجيد لغته دعا أخوه همام لحضور العشاء الذي أقامه لذلك الضيف لعلمه أن همام يجيد لغة الضيف و تحدث همام مع الضيف طويلاً و هش إليه و بش و نفس عن نفسه قليلاً عما يحدث له من بطاش فلم يكن من الضيف إلا أن أخرج من بين ثيابه سيفاً مقبضه من الذهب و نصله من الماس له بريقٌ عجيب و وهجٌ مخيف و قدمه لهمام و قال له : هذا سيف الماس يا همام أقدمه لك هدية فإن ملكته لم يقدر عليك بطاش بإذن الله امسكه بيدك و قل بسم الله فأمسك همام بمقبض السيف ثم قال له الضيف انظر ليدك التي أمسكته بها فإذا بها ختمٌ ذهبي طبعه مقبض السيف عليها مكتوبٌ عليه ( هذا الرجل محصن بعد الله بسيف الماس ) و قال له: يا همام هذا السيف يعطيك ختم الحصانة في كل مكان في العالم مدة عشر سنوات و هو علامة لا تزول إلا بزوال الحصانة فرح همام و أهله و سكنت قلوبهم لكنه أبى إلا أن يطلع الوالي على ذلك و يستأذنه في ما قدمه له القائد الأعجمي.
و عندما علم بطاش بأمر سيف الماس جن جنونه وأخذ يفكر في ما سيفعل و بعد مدة طلبت الشرطة فرحان و حققت معه بشأن سيف الماس و هدده الضابط بالسجن إن لم يحضر سيف الماس من عند أخيه و خاف فرحان فكلم سهل و اخبره عما حصل فكلم سهل أمه لتحضر سيف الماس من عند همامو ذهبت الأم إلى همام لعلمها ببره لها و طاعته الدائمة لها و أخبرته بما حدث لأخيه و لم يستطع أن يصدق ذلك و قال لها إن كانت المشكلة عندي فلماذا يسجنون أخي هذه لعبة لا تخافوا أنا سأذهب بنفسي ثم نظر في عينيها الخائفة و قدم برها على نفسه و أعطاها السيف مقهوراً و هو يعلم أنه المتضرر الوحيد هو و عياله و لكنه أحتسب برها أجراً عند الله و قال في نفسه ستعرف هي فيما بعد أني على حق و لكن ليس الآن و ربما يكون قد فات الأوان و نظر إلى يده و هنأته ابنته جوهر على بره العظيم لأمه رغم أنها كانت تقول في نفسها ما لم يسمعه أحد ؟؟ و بقي لا يحرك ساكناً و ساعدته زوجته و بناته على التخلص من الدواء الذي كان أسيراً له طيلة عامين .
و بعد مدة عاد سهل إلى همام بفكرة زينها في نفسه الشرطي بوعزٍ من بطاش و هو يوهمه أنها الحل الأمثل.
قال سهل : يا همام لنذهب لطبيب نفسي يقيمك و يقدم تقرير بسلامة عقلك فينتهي ما أنت به من هم .
تبسم همام و صمت لعلمه أن هذا الحل ما هو إلا في صالح بطاش في ظاهره فيه الرحمة و من باطنه فيه العذاب .
و في حين غفلة من الجميع و بلا ميعاد و بعيدا عن عين بطاش ذهب همام مع زوجته لطبيب نفسي دله عليه صديق يعلم قصته و مؤمن بأنه مظلوم و حدثه لمدة ساعتين و سئلت زوجة همام الطبيب بعدها قائلة : يا أيها الطبيب أسألك بالله هل هذا الرجل مريض نفسي ؟
فقال الطبيب : لا
فقالت : أتشهد على ذلك ؟
قال : نعم .
قالت : أ تكتب تقريراً بذلك ؟
قال : نعم , و لكن لن يقبل إلا من جهة حكومية , و هذا لن يفيده في نفي دعوا مرضه فهناك نظرية حديثة في علم الطب النفسي تفيد أن و ضع المريض الآن هو وضعه أي أن الطبيب سيكتب في تقريره أن هذا الشخص سليم الآن و هذا يعني أنه ربما كان مريضاً من قبل و شفي . لكن بذلك يستطيع العودة لعمله .
فعلموا أنه أفضل ما يقومون به هو أن لا يفعلوا شيء و يتركوا الأمور تسير كما شاء الله لها و لم يعد لهم حيلة إلا حسبنا الله و نعم الوكيل و الدعاء على الظالم .
و في قلب همام شك يقتضي بأن هناك حلقة مفقودة و لا بد من أن شبكة العنكبوت التي يحرزها بطاش تتصرف بدون علم الوالي
و في الموقف العظيم يوم الحج الأكبر الذي ذهب همام إليه مع زوجته و أولاده ليشكروا الله على نجاته من ذلك الدواء المدمر مدت زوجة همام و بناته اكفهن بالدعاء لله قائلات :
اللهم انك أنت خالق الليل و النهار
و مقدر الأقدار و المنتقم الجبار
اللهم انصرني كما نصرت نوح
و قوني كما قويت موسى
و عافني كما عافيت أيوب
و اغفر لي كما غفرت لأدم و يونس
و أغنيني كما أغنيت داود
و مكني كما مكنت سيدنا محمد
و اجعلني من الصالحين
اللهم بدل همي بفرج و ظلمي بنصر و قدري بخير الأقدار
و انتقم لي من ( ع . ح. ) و ( أ. ب. ) و ( س. ب. ) و ( ص. إ. ) و ( ع. ع. ) و ( أ. ط. )
و كل من تابعهم و شاكلهم و شايعهم و أيدهم
و سكت عن رد ظلمهم سراً و علانية
كما انتقمت من فرعون و هامان و عاد و ثمود و كل ظالم و حسود
اللهم ذلهم و اقهرهم و افضحهم و افشل أمرهم
اللهم لا تبلغهم مرادهم مني ولا تمكنهم
اللهم فرق جمعهم و أحبط كيدهم و رد مكرهم عليهم
اللهم إنك إن تذرهم يزيدوا في طغيانهم و يضروا عبادك
فلا تُبلغهم مأمنهم و لا تبتلينا بغلبتهم علينا
فإنهم لا ينطقون إلا بإذنك و نواصيهم بيدك
و لا حول و لا قوة إلا بك
اللهم لآمين
و رغم ذلك لم يدعوا همام على أحد منهم و طلب منهم أن يكفوا عن الدعاء عليهم و أن حسبهم من خلقهم يجزي كل إنسان بما يستحق
فلم يكذب الشاعر في قوله
خلا لك الجو فبيضي و أصفري و نقري ما شئتِ أن تنقري
و يبقى الحال على ما هو عليه نسأل الله اللطف و الحماية و حسن العاقبة في الدنيا و الآخرة
[1] سورة المائدة آية 28-29
من ابداع-منارات ثقافية

[أبو فراس]

نفس جديد وطريقة سردية فريدة
رقيقة وذات عبرة
كتر خيرك ابداع
حكيم

[ذيبان]

انا كانت من تاليفك فخيالك واسع
مشكور والله يعطيك العافية...معاني راقية
ذيبان

[امير الليل]

مشكورة يا بنت الشام علي النقل الرائع و المميز