من عجائب خلق السموات والأرض التي نتدبرها في آيات القرآن الكريم
قال تعالى :
( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) سورة البقرة
جاء في تفسير الجلالين ما نصه :
( ...بين تعالى من عجائب مخلوقاته ثمانية أنواع ؛)
أولها : قوله : (إن في خلق السموات والأرض) وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة ؛كلُّ سماءٍ من جنس غير جنس الأخرى
ووَحَّدَ الأرض لأنها بجميع طبقاتها جنس واحدوهو التراب
والآيات في السماء هي سُمْكُها ، وارتفاعها بغير عَمَدٍ ولا علاقة بينها وبين مايرى فيها من الشمس ، والقمر ، والنجوم
والآيات في الأرض ؛ مَدّها وبسطها على الماء وما يرى فيها من الجبال والبحار والمعادن والجواهر والأنهار والأشجار والثمار
والنوع الثاني : قوله تعالى : ( واختلاف الليل والنهار ) تعاقبهما بالمجيء والذهاب ، واختلافهما في الطول والقصر والزيادة والنقصان والنور والظلمة
وانتظام أحوال العباد في معاشهم بالراحة في الليل والسعي والكسب في النهار
النوع الثالث : قوله:( والفلك التي تجري في البحر ) والآيات فيها تسخيرها ، وجريانها على وجه الماء وهي موفرة بالأثقال والرجال فلا ترسب ،
وجريانها بالريح مقبلة ومدبرة ، وتسخير البحر لحمل الفلك مع قوة سلطان الماء وهيجان البحر فلا ينجي منه إلا الله تعالى .
والنوع الرابع :( بما ينفع الناس ) أي من حيث ركوبها والحمل عليها في التجارة وغيرها ؛ والآيات في ذلك أن الله تعالى لو لم يقوِّ قلوب من يركب هذه السفن لما تم الغرض في تجارتهم ومنافعهم ،
وأيضا فإن الله تعالى خصَّ كل قطر من أقطار العالم بشيءٍ معين وأحوج الكل إلى الكل فصار ذلك سببا يدعوهم إلى اقتحام الأخطار في الأسفار من ركوب السفن وخوف البحر وغير ذلك ؛
فالحامل ينتفع لأنه يربح ، والمحمول إليه ينتفع بما حُمِلَ إليه .
والنوع الخامس : قوله تعالى : ( وما أنزل من السماء من ماءٍ ....إلخ) والآيات في ذلك أن الله جعل الماء سببا لحياة جميع الموجودات من حيوان ونبات ، وأنه ينزله عند الحاجة إليه بمقدار المنفعة ، وعند الاستسقاء والدعاء ، وإنزاله بمكان دون مكان .
والنوع السادس : قوله تعالى ( وبثَّ فيها من كل دابة ) والآيات في ذلك أن جنس الإنسان يرجع إلى أصل واحد وهو آدم عليه السلام مع ما فيهم من الاختلاف في الصور والأشكال والألوان والألسنة والطبائع والأخلاق والأوصاف إلى غير ذلك ، ثم يقاس على بني آدم سائر الحيوان .
والنوع السابع : قوله تعالى : ( وتصريف الرياح ) والآيات في الريح أنه جسم لطيف لايمسك ولا يُرى وهو مع ذلك في غاية القوة بحيث يقلع الشجر والصخر ويُخَرِّب البنيان العظيم ، وهو مع ذلك حياة الوجود فلو أمسك طرفة عين لمات كل ذي روح وأنتَنَ ما على وجه الأرض .
والنوع الثامن : قوله تعالى : ( والسحاب المسخر بين السماء والأرض ) والآيات في ذلك أن السحاب مع ما فيه من المياه العظيمة التي تسيل منها الأودية العظيمة يبقى معلقا بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه ولا دعامة تسنده ، وفيه آيات أخر لا تخفى عمن تأملها وتدبرها .في الأنواع السابقة ( بما ينفع الناس ) لو جعل هذا من تمام النوع الثالث ( والفلك التجري في البحر ) .
والخلق في قوله تعالى ( إن في خلق السموات والأرض ) هنا بمعنى المخلوق إذ الآيات التي تُشَاهَدُ إنما هي في المخلوق الذي هو السموات والأرض فالإضافة هنا إضافة بيانية .
والله تعالى يخلق مالا تعلمون في بدء الخلق وحتى نهاية الدنيا الفانية
ليتدبر الناس ويؤمنوا ويوحدوا ربهم ويشكروه .
اقتباس وتصرف من كتاب :
(( الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية ) جاء في صفحة 154و155))