الزجل الرسمي الأمريكي في عهد أوباما
لم يعد المحللون السياسيون العرب، ولا حتى البسطاء من العرب، يعلقون آمالا على التغيير فيمن يشغل الكرسي الرئاسي الأمريكي، وقد أقلعوا عن تلك الفكرة منذ عدة عقود، ليس فيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية، بل وحتى الكيان الصهيوني ودول غرب أوروبا، وحتى كل العالم عدا البلدان العربية، التي يتعهد السياسة والاقتصاد والثقافة فيها رجل (فطحل)، حتى لو كان ذلك الفطحل لم يدخل مدرسة ابتدائية.
مع ذلك يستهجن العرب تصديق أنفسهم في إظهارهم الإيمان بتلك المقولة، فتقييم المسائل يعود لمراسيم وقواعد متعارف عليها منذ الأزل في بلادنا، فنحن من أطلقنا على الدول أسماء تخص عشائر وقبائل فهذه دولة الأمويين وهذه دولة العباسيين وهذه دولة البويهيين وهذه دولة السلاجقة وهذه دولة العثمانيين الخ.
وأحياناً نضيق المساحة في التسمية، فتصبح دولة هرون الرشيد ودولة المأمون ودولة الأخشيدي. ولا أظن أننا ابتعدنا الآن كثيرا عن تلك القواعد، فلو تجولنا في البلدان العربية لرأينا شعار (الله ـ الوطن ـ الملك) أو شعار (الشعب الفلاني في خدمة الشخص الفلاني) وقد تجاوز هذا الشعار المرور بالوطن، ويظنون أن الله لا يغضب إن تم تجاوزه طالما أن الشعار يخدم أولي الأمر.
إذن، كيف سيفسر العربي الطريقة التي تُدار بها الولايات المتحدة؟
لقد توصل أحدهم الى نظرية (الزجل)، ومن لا يعرف الزجل، فهو فن شعبي أُنشئ في الأندلس ثم انتقل الى المشرق العربي، ولا يزال هذا الفن شائعاً في لبنان. وتقوم فكرة الزجل على الجلبة التي يحدثها الزجالون والذي أُخذ اسم الفن منها، حيث يتم انقسام الزجالين الى مجموعتين يختارون موضوعا محدداً ويبدءون بالتفاخر أو التباهي بقضية عن طريق الزجال الرئيسي، ثم يعاونه فريقه بارتفاع أصواتهم والدفوف التي في أيديهم لتعطي للزجل تلك الهيبة. ثم يقوم الفريق المقابل بالرد على الفريق الأول دون الخروج على الموضوع.
عند التدقيق بنظرية الزجل تلك وإسقاطها على الحالة الأمريكية، نجد أن صاحبنا قد توفق في ابتداع ذلك التفسير عن الأداء الأمريكي الذي يلتزم بموضوع بعينه في كل مرة، ويتبارى الفريق الذي بالحكم مع الفريق الذي خارج الحكم، وأمام وسائل الإعلام، بعكس حالة الزجل اللبناني الشعبي الذي يجري في ساحات عامة أو في المسارح بأحسن الأحوال.
وكون نظرية الزجل تلك قد لاقت استحساناً، فإن صاحبها سيوغل في الإضافات: فيقول نحن نتذكر أسماء الكثير من الرؤساء الأمريكيين، منذ عهد جورج واشنطن حتى الآن، لكننا لا نستطيع أن نتذكر أسماء وزراء الخارجية الى ما قبل (جون فوستر دالاس)، والحالة تلك تتشابه مع ما مررنا به نحن العرب، فقليلون جدا من يعرفون اسم وزراء المعتصم أو الواثق أو حتى المنصور.
فيعود الى نظرية الزجل، فيقول: أن الرؤساء الأمريكان هم كالزجالين الذين يشتهرون بطبقات صوتهم العالية، ولكنهم في حالة الرؤساء سيعوضون بدل طبقات الصوت العالية، بقضية حادة تبقى مقترنة مع صورة الرئيس، فمنهم من تقترن صورته بالحرب الأهلية ومنهم من تقترن مع الحرب العالمية الأولى ومنهم من تقترن مع القنبلة النووية التي أنهت استسلام اليابان، ومنهم من يقترن بالحرب الفيتنامية أو العراقية الخ.
لكن لم يُحسم لحد الآن أن الزجل، يعلو درجة على (العتابة) أو (السويحلي) أو (نايل) أو حتى (الميجنة) وهي ألوان ننفرد بها نحن العرب!