قصة قصيرة (4) أم العروس !
قحطـان فؤاد الخطيب / العراق
لف المكان ذهول كئيب ، وصمت رهيب ، رغم أنــه صباح ربيعي باكر، وتحديدا الأول من نيسان ...... صعق المواطنون إثر سماعهم بأن أسدا شرسا فقد من عرينه بحديقة الحيوانات . جاء ذلك ضمن الأخبار العاجلة لمحطة تلفزيونية حكومية في العاصمة .
انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم .....الموظفون والعمال والحراس ورجال الأمن يغطون المكان شبرا شبرا ...... هذا يحمل بندقية كلاشينكوف تدعمها مخازن إطلاقات إضافية ، وذاك يخرج مسدسه بهستيرية محمومة ، وثالث يقطع أغصان شجرة اليوكالبتس بعصبية واضحة كي يقاتل بها الأسد !
نعقت صفارات الإنذار ، وتعالت أصوات مكبرات الصوت محذرة مرتادي حديقة الحيوانات رجالا وأطفالا ونساء بالتواري عن الأنظار فورا.
دب الرعب بين الأطفال والنسوة وكبار السن والمعاقين ، وعلا الصراخ والنحيب من الجهات الأربع ..... أضحى المكان السياحي ساحة معركة تنتظر ساعة الصفر ! استنفرت كل الهواتف النقالة ، ولاحت طوافات مسلحة تشق عنان السماء ......... يتسلق الشبان الأشجار هنا وهناك وقد امتلأت جيبهم بالحجارة وبأيدهم أغصان أشجار مبتورة سوف تستعمل كسلاح ضد الأسد ! لأول مرة يشاهد الناس سيارات مصفحة تجوب المكان مدججة بالسلاح . إذن ، الموضوع جد وليس هزلا !!
عم السكون المكان في بحر ثوان ، وتهامس الكل ، خوفا من أن يسمعهم الأسد ، محملين إدارة الحديقة مسؤولية ما آلت إليه الأمور من منغصات ورعب . فجأة صمتت مكبرات الصوت ، وتبعتها صفارات الإنذار . بدأ الضجيج يتلاشى تدريجيا ، فيما عروس تعثر فجأة بقشر موز ، وتسقط على الأرض ... يتسخ ثوبها ... ويتعذر عليها النهوض.. يصرخ بها شريك حياتها : "هيا ، انهضي . الأسد قادم لا محالة !" حاول أن يهدئ من روعها لكن دون جدوى . لقد أصيب بصدمة عنيفة غير متوقعة . تسابق المارة لاشعوريا لإنهاضها كونهم في حالة طوارئ قصوى لا تسمح بالتأخير. دخلوا الكشك دون استئذان وغلقوا نوافذه وبابه بإحكام . وبحثت العروس عن هاتفها النقال في حقيبتها فلم تجده . وتذكرت أنه كان في يدها قبل انزلاقها على الأرض . إذن هو حتما في الخارج . طلبت هاتف زوجها كي تطمئن أمها أنها بخير فإذا به بلا شحن ! فتبرع لها الشاب الذي ساعدها في النهوض بهاتفه . ثم اتصلت بأمها فإذا بالأخيرة لا ترد . ساورها الشك أن يكون الأسد أكلها !!
طمأنها زوجها بأن بيتها يبعد كثيرا عن حديقة الحيوانات. اتصلت بها ثانية وثالثة دون جدوى . ولعنت اللحظة التي قادتها إلى هذا المكان البائس ! وكان يطمئنها الزوج بين الفينة والفينة بان مكبرات الصوت سوف تزف لنا بشرى القبض على الأسد أو قتله لا محالة. شهد المكان ألوان شتى من القصص هنا وهناك وكلها تتمحور حول الأسد وكأنه موضوع الساعة لا غير !
ساد الرعب والخوف النفوس أكثر آنذاك . وأحس الكل بأنهم في الأسر وكأن لسان حالهم يقول "أما لهذا الظلام من صبح !؟"
في الوقت عينه كان وقع الخبر في وسط المدينة أليما خصوصا إذا ما كانت العروسة هي التي ذهبت لحديقة الحيوانات . أما أمها فكانت في وضع لا تحسد عليه ، إذ أطلت عليها جارتها وعكرت صفو يومها بالحوار المؤلم التالي :
- أتوقع أن ريمه وزوجها ذهبا إلى حديقة الحيوانات ، أليس كذلك ؟
- واعجبي ، كيف عرفت ؟
احمر وجه الأم وشعرت بأن ثمة مكروها ربما قد حصل !
- ريمه أخبرتني ودعتني هناك فاعتذرت . ولكن ، لماذا انفعلت كثيرا ؟
- أستحلفك بالله ما الأمر ؟
- أسد شرس فقد من حديقة الحيوانات . والكل في الإنذار !
- لكنني اتصلت بها ولم تجبني . أخشى أن يكون قد وقع ما ليس بالحسبان ! حاولت منعها من الذهاب وكأن حدسي أنبأني بما سوف يجري . بدأت تبكي وتضرب خدودها . أنا نادمة لأنني لم أصاحبها ... إنها وحيدتي .... آه إنها ........تلعثمت ....وتمتمت وهي تنظر إلى السماء . منظر مأساوي ، يفطر القلب ، ويدمع العين ، لا حل له . خارت قواها وسقطت مغشيا عليها رافعة أصبع الشهادة معلنة أنها تحتضر !
في حديقة الحيوانات انتهى البحث عن الأسد في كل مكان . وشارك في الحملة أطباء بيطريون إضافة إلى الكوادر الأخرى . ثم قاموا بعملية جرد الأسود وتبين عدم اختفاء أي منها . هنا ، أعلن المدير ، على مسؤوليته الخاصة ، رفع الحظر نهائيا عن طريق مكبرات الصوت . وبدأت الهلاهيل والزغاريد وسط حركة مئات الوافدين والكل يضحك ويبتسم . عثرت ريمه على هاتفها النقال ونقرت على أزراره طالبة التحدث إلى أمها . ولكن ، دون جدوى مرة أخرى !
مرت دقائق ، عادت بعدها مكبرات الصوت لتعلن :
جاءنا ما يلي من تلفزيون ..........
فقدان الأسد من عرينه هو كذبة نيسان ..... وكل نيسان وأنتم بخير !