عالم الفلسفة عالم خاص جدا جدا لايفهمه الا من دخله.
لك شكري دوما.
تُناقش ماهية الفلسفة عادة في ثلاثة مستويات، مستوى لغوي ليس موضع اختلاف لما يستند إليه من دقّة لغوية وبيان كرونولوجي محدد، ومستوى عامي هو محل تعدد واختلاف باختلاف الناس في أرائهم واتجاهاتهم الفكرية والدينية والثقافية، ومستوى علمي لاعتبار سلطة العلم في توجيه الحياة المعاصرة والتحكم فيها وهو مستوى يهتم بالجانب المحسوس من الحياة ويقدم التجربة على النظر العقلي ويستهدف صياغة القوانين العلمية التي تتحكم في الطبيعة والإنسان الفرد والمجتمع والأمة، ويتجاهل الجانب الجانب الوجداني والميتافيزيقي والأخلاقي والديني الذي يدخل في تركيب الوجود البشري وكثيرا ما يقود تفكيره وحياته عامة.
أتجاوز الاختلاف بين مستويات ماهية الفلسفة وحقيقة التفلسف، وأناقش مفهوم الفلسفة في إطارين رئيسيين النسق والسياق. فمن جهة النسق تمثل الفلسفة عددا من الأبنية الفكرية والثقافية تتباين في درجة طرح المشكلات ومعالجتها على مستوى النظر والعمل معا.
أما من جهة السياق فهي ترتبط بتاريخ البشرية برمته كواقع معيشي وكفعل يسجل الفعل البشري وغيره في الزمان والمكان للذكرى والعبرة، وعندها فالفلسفة أنماط وأشكال ثقافية متباينة يصنعها الإنسان، وفي الحالين النسق والسياق أو النص والتاريخ فإن الفلسفة لا تعدو كونها أنماط شتى ومستويات عدة من التفكير حول الإنسان والثقافة والتاريخ، يمارسها الإنسان كل في مستواه.
فالفلسفة بالمعنى العامي طرق وأساليب ونظم معرفيه وفكرية لدى الناس جميعا، تختلف باختلاف النشأة والتكوين، كثيرا ما يغلب عليها طابع الذاتية والعفوية والسذاجة وتخلو من العمق والدقة واليقين والإبداع.
أما الفلسفة بالمعنى الخاص ولدى المختصين والمشتغلين بها فهي نمط متميّز من التفكير لا هو ديني ولا هو علمي ولا هو عامي بل يتميّز بالدرجة الأولى بدقة المشكلة - بفتح الميم- وسلامة الصورنة وكفايتها، وقوّة البرهنة، تبحث في السؤالين الرئيسيين: لماذا، وكيف؟ ويمثل سؤال الماهية منطلق التفكير الفلسفي وأرضية التفلسف لا هدفا رئيسيا.
فالفلسفة تكون وتقوم حين يمارس الإنسان التفكير، عندما يتحرك العقل باعتباره خاصية إنسانية، ولا يحيا بنو البشر إنسانيتهم خارج فضاء التفكير وفعل العقل، وبالتالي لا يحيا الناس خارج الفلسفة، فقط كل واحد من الناس يحيا التفكير الفلسفي في مستواه، يمارس التفلسف حسب إمكانياته الخاصة، يمارس التفلسف في صلة التفكير بالعقل وبالواقع وبالتاريخ، وصلة كل ذلك بدرجة الدقة والعمق والموضوعية والإبداع في ضبط المفاهيم ودقة التصورات ومعقوليتها وطرح القضايا وتحديد الإشكاليات الرئيسة والمشكلات الفرعية ومدى إحكامها وضبطها، وبناء الاستدلالات وإقامة الحجج وبيانها للإقناع.
في سياق الفلسفة ونسق التفلسف تلازم الفلسفة الإنسان وحياته عامة من غير استثناء جانب من جوانبها، مادامت تلازم التفكير البشري فعل العقل الإنساني والواقع الإنساني المعيشي المباشر في أي عصر وفي كل مصر، فهي ليست خاصة بفئة ما أو بعصر ما أو بأمّة ما أو بمرحلة ما من مراحل التاريخ، فحيث وُجد الإنسان وفكّر وقدّر وتأمّل وتدبّر ذلكم هو عين الفلسفة وروح التفلسف فهي شكل من أشكال الوعي الثقافي مثل العلم والدين والسياسة وغيرها، كما تشكل بذور أي وعي في الحياة الثقافية والحضارية، في الأدب مثلا قيل:"إذا كان الأدب فنّا وجمالا وتذوقا فإنّ الفلسفة بذور هذا الفن وهذا الجمال وهذا التذوق، وإذا كان الأدب نظرية وعلما ونقدا فإنّ الفلسفة ماء وسماد تربة هذه النظرية وهذا العلم وهذا النقد...".