منذ عشرين سنة غابت الطفلة بنت العاشرة عن الحي الذي تقيم فيه مع الأهل فتسا ءل الأطفال
عن غياب زميلتهم لكن مع صمت الأهل وحيرتهم عن كيفية الإجابة وعدم استطاعتهم أن
يقولوا للفتيات الصغيرات أن صديقتهم لن تستطيع اللعب معهم و لن تسير معهم إلى المدرسة
منذ اليوم وبحزن شديد ودموع لا يرغب الأب أن يراها الأطفال الصغار في عينيه بأن لن
تجلس معهم على المقعد الدراسي منذ اليوم و لن تركض معهم في باحة المدرسة و لن
تشاركهم أحلامهم ....أنا ذكرى لن تذهب معكم يا أطفال كلمات قالها والدها كانت كالصاعقة
على مسامع الأطفال الذين جاؤوا ليسألوا عن صديقتهم ذكرى .....ذكرى في العاشرة من عمرها .
وبين يوم وليلة أصبحت عاجزة عن الوقوف ترقد في سرير لا ترى من خلاله سوى سقف
الغرفة ولون الجدار الداكن ...جرت الدموع من العينين الصغيرتين على خدودها بيضاء فكانت
دموعاً ساخنة مليئة بالخوف من المستقبل المجهول لهذه الطفلة ..مرت الأيام والسنين على هذه
الطفلة لا يستطيع قلمي أن يصيغ جملاً ومعاني تجسد ما عانته ذكرى من مرض و الأم
...لكن لإيمانها أن جوهر الإنسان هو الروح الطيبة ..وان الإنسان يستطيع أن يوصل للعالم
ما يريد أن يقول لكن عليه أن يجد الوسيلة ...فكان الفن لغتها للعالم
أمسكت ذكرى قلم الرصاص بدأت ترسم ما في مخيلتها من مخزون عن العالم المجهول بالنسبة
لذكرى سواء ما كانت تشاهده عيون طفلة .كانت لوحة تريد أن تقول بها أن السماء زرقاء
صافية والأشجار مثمرة والأزهار تزينها الفراشات والعصافير خلقت لتطير وان الطبيعة هي
أمها التي احتضنتها صغيرة ....تجلس وحيدة على السرير تمسك قلم الرصاص وورقة بيضاء
وتترك العنان لمخيلتها وتبدأ الرسم لكن سرعان ما يشتد الألم فترتجف يدها الصغيرة فيسقط قلم
الرصاص على لوحة لم تكتمل بعد ...توالت الأزمات على قلب الطفلة الصغيرة فنال منها
المرض ما نال لكن مازال قلب الطفلة وعيناها الصغيرتان تبحثان عن بصيص أمل وخيط من
نور الشمس وتمر الأيام والسنون على ذكرى مليئة بالحزن والألم حتى تعود إلى ذكرى
الابتسامة بالتوظيف برعايةً كريمة من السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد وبما يخص توظيف ذوي
الاحتياجات الخاصة كان لذكرى نصيب بالتوظيف فعادت الابتسامة لذكرى فبدأت مسيرتها
الفنية في مقر عملها كان لي معها هذا الحوار :
- الطفولة هي المرحلة التي يمر بها الإنسان وتبقى في ذاكرته مدى الحياة فكيف إذا
كانت طفولتك هي نهاية وبداية الحزن ؟
كما قلت هي نهاية الفرح وبداية الحزن لا أذكر يوم من طفولتي إلا وأشعر أن قلبي
يكاد يتوقف خشية من أن تعود تلك الأيام كنت مادة لتجارب الأطباء لكن دون
تحسن هكذا عجز الأطباء عن تشخيص حالتي هكذا كانت طفولتي مليئة بالحزن والألم .
- أعلم أن جلوسك في السرير اضطرارا لا اختياراً هل أثرت حالتك الصحية على ميولك الفني ؟
بطبيعة الحال لقد طال جلوسي بالسرير بحيث أن الوجه التي أراها هي أهلي
وأصدقائي نادراً حاولت أن أفتح نافذة لكي أرى العالم الذي لا أملك منه سوى ما
كانت تراه عيون طفلة فكان الكتاب نافذتي إلى العالم وصديقي الذي لا أمل منه ولا
يمل مني تخيلت نفسي بطلة للروايات التي كنت أقرأها يغمرني الفرح والسعادة
أحاول أن أعبر عن ما بداخلي فأجد نفسي أرسم ما في داخلي من هواجس من هنا
شعرت أن الرسم هو لغتي التي أجيدها .
- ذكرى : لماذا أخترتي الرسم بالرصاص والبر تره (الصور الشخصية) مع أن هذا
-
- الأسلوب صعب نسبياً وماذا تشعرين عند نهاية اللوحة ؟
-
عندما أرسم أشعر أن بياض اللوحة هو هذا العالم المجهول المظلم وقلمي الرصاص
هو الذي يرسم النور في هذا الظلام.
البورتريه إذا كان صعب نسبياً أن لا أعرف لكن عندما أنتهي من اللوحة أشعر أن
حدود عيني هو خط الأفق الفاصل بين السماء والأرض .
- لديك مشروع لإقامة معرض حديثنا عن طموحاتك المستقبلية ؟
سوف نقيم معرض ثنائي في محافظة الرقة وخارجها والفضل يعود للسيد محافظ
الرقة الدكتور عدنان السخني على الدعم المادي والمعنوي الذي ساهم في تنشيط
الحركة الثقافية في المحافظة وله كل الاحترام والتقدير
- هل هناك تتطورات على وضعكِ الصحي وهل هناك استجابة للدواء
-
- لا يوجد تتطور لكن وقف عند حد ما والسبب يعود إلى أناس في هذا العالم مدوا لي
- يد المساعدة لهم كل الاحترام والتقدير
- ذكرى كلمة أخيرة لكي ماذا تقولين ؟
- أحب أن أقول للعالم أن يكونوا هذا الضوء الدافئ الذي يبحث عنه أمثالي من
المصابين ...و أقول للذين هم مثلي ارسموا وغنوا راقبوا الفراشات وهي تتطير
حاول وان تقلدوها أكيد رح يكون للحياة طعم ثاني
هذه هي أخر كلمة قالتها ذكرى وغادرت .
وأنا أقول للعالم أجمع أن الفن هو الوسيلة التي يهدف الإنسان من خلالها بوعي أو من
دونه لتحقيق توازنه النفسي إلى كل من يجد في الفن عالمه أقول له تعلم الرسم كي
ترسم طمأنينة الروح بين السماء والأرض تعلم الرسم كي ترسم جمال السماء وهي
تبكي على الأرض العطشى لتنمو وتنمو
الفنان التشكيلي
عبد الكريم الحسن