للبيع .. بداعي السفر
الفكرة أنثى، والقرار ذكر، وللأنثى قدرة هائلة على إقفال حرية القرار. هذه الظاهرة موجودة عند الطيور وعند البشر. فأنثى (الحمام) كما (المرأة) لديها القدرة بإرسال موجات هرمونية تجعل (الذكر) أسيراً لصورتها وهيئتها ورائحتها وتصرفاتها، فلا يعود يُشغل نفسه إلا في التفكير بها وحدها، هناك من يطلق على هذه الظاهرة اسم (الحب) أو (الافتتان) أو (العشق).
في مثل تلك الحالات، يتكتم الذكر عن الإفصاح عن مشاعره، أو إعلان اسم معشوقته، لكن (هيمانه) يفضحه بأنه يعيش حالة استثنائية، وبعض المقربين منه يستطيعون التعرف على طبيعة تلك الحالة، لكن، دون تفاصيلها الدقيقة.
عندما يتم سؤال العاشق عن حالته ويُضغط عليه من أجل الإفصاح عما هو فيه، يقوم بإفشاء السر لأقرب المقربين إليه، ولكن دون أن ينتبه لتعليقات صاحبه، فيسترسل بالحديث وذكر مزايا محبوبته، حتى يترك صاحبه في جوٍ يبدو لمن يراقبهما بأنه أصبح يحسده على ما هو فيه من حالة (جوى وهيام) ويتمنى أنه لو كان في مكانه.
لا تنحصر تلك الظاهرة في مسائل العشق (الآدمي)، بل تتعداها الى ما سواها من مشاريع اقتصادية صغيرة أو متوسطة.
فتأسر فكرةٌ ما، شاباً يبحث عن تأسيس قاعدة اقتصادية، تتراءى له في لحظات بأنها ستفتح له أبواب الجنة، فيمعن في تلوين اللوحة التي رسمها عن تلك الفكرة. فقد تكون الفكرة المتاجرة بأجهزة الكمبيوتر أو أجهزة الهاتف المحمول أو مكتبة لبيع القرطاسيات، أو مزرعة في ضاحية يتربع على قمتها من فوق، بيت اعتلته صفائح من القرميد. فيجتهد في جمع المال وإنجاز ما أراد، فقد أسرته الفكرة وأصبحت تعتلي قمة تفكيره، وكأنه استخدم (تجميد الألواح) في برنامج (الإكسل).
وما أن يعيش تجربته الجديدة، حتى يكتشف بأنه قد تم تضليل نفسه من نفسه، فليس هناك أرباح، وليس هناك جنة. وهنا تبدأ ظاهرة (التخريب) حيث يهجر ذكر الحمام أنثاه، أو تنتهي حالة العشق الآدمي بين العاشق والمعشوق، كما تبدأ عملية (إنهاء حالة تجميد الألواح في الإكسل) لتلك الفكرة.
يحاول من يعزف عن فكرة اقتصادية التخلص منها بأقل الخسائر، كما هي الحال في مواضيع الطلاق، عندما يفكر الرجل الذي يريد فراق زوجته التخلص من حقوقها، فيتمنى أن تطالبه هي بالانفصال، حتى تتنازل عن حقوقها!
(للبيع بداعي السفر): هذه العبارة قد نقرأها على باب (محل تجاري) أو مزرعة أو بيت، أو نقرأها في الصحف اليومية بالإعلانات المبوبة.
هو نداء من صاحب الفكرة أو المشروع (الفاشل) الى (أعمى قلب) آخر ليحببه في هذا المشروع، فهو لا يريد القول لمن يطلع على الإعلان: بأن مشروعه فاشل وجالب للخسارة، لكنه يريد القول: أن السفر هو السبب في ترك هذا المشروع المربح الجميل!
وينطبق على من ينخدع بمثل تلك الإعلانات المثل القائل: ( يا مشتري الهَمْ مِنْ قلب صاحبه).