لا أعرف لما إختار هذا المكان تحديدا لنتقابل فيه .
مرت سنون طوال منذ الرحيل الأخير ولم أحضر هنا وحدى أو بصحبة أحد .
لولا إصراره الغريب ورغبتى الملحة فى أن أعرف ما يريد ما وافقت .
فى الموعد تماما وصلت .. المكان تغير والأشخاص تغيرت .. حتى الرومانسية ما عادت كما كانت عندما كنا هنا .
- كم أحب هذا المكان !
- المكان أيضا يحبك فأنت من تضفى عليه جمالا ووهجا .
- كم أكره لحظة الفراق !
- لكنى أحبها لأنها تجعلنى أشتاق للحظة لقاء جديدة .
نظرت له طويلا وصمتت .
نفض رأسه من تلك الذكرى وإستعاد صرامة وجهه التى أصبحت سمة تغلب عليه الفترة الأخيرة .
دخل .. فاستقبلته الرائحة .. نفس الرائحة تفوح كانت تلك كالمخدر له .. كم كان بعشقها !!
- تأخرت اليوم !!
- كيف عرفت أنه أنت ولم تنظر نحوى ؟؟
- أأخبرك سرا ؟؟ لقد شممت رائحة المكان تفوح منك !
- كم أحبك !!
- لهذا المكان سر غريب !!
تثور الذكريات عليه وهو لا يحب ذلك .
المكان مزدحم إلا من مائدة يعرفها جيدا وكان يتمنى ألا تكون شاغرة !!
- يا لهذا الحظ التعس !!
جلس ناظرا فى ساعته بتوتر .
- لقد تأخر !! سأمنحه خمس دقائق لو لم يأتى سأغادر .
- ماذاا ستشرب يا سيدى !!
- لا لن أشرب فأنا سأغا...
- كوبان من عصير المانجو !!
تفاجأ بالاجابة فإذا به ينظر إليه دون ملامح محددة .
نظر إليهما النادل فأشار له برأسه موافقا .
تصافحا بحرارة سنوات فراقهما .
- أعلم أن هذا المكان يسبب لك ضيقا ولكنه أفضل مكان نلتقى فيه !
نظر إليه متسائلا !!
- لا تتعجب فأنا أعرف هذا المكان جيدا وأعرف ماذا يمثل لك .. ولى أيضا !!
لم يكن يملك من الكلمات شىء
- لا تتحدث فأنا من عليه التحدث الآن .. صدقنى لم أكن أقصد خيانتك !!
ما هذا الكلام الغريب الذى يحدثنى به !!
- أنت تعلم مدى صداقتنا ومدى حبى لك ولكن هى من فعلت كل شىء خططت لكل شىء دبرت لكل شىء وأنا كنت فقط أداة التنفيذ !!
ما الذى يتحدث عنه , ومن هى تلك المخططة والمدبرة ؟
- لقد كانت علاقتكما حديث كل الأصدقاء , التوافق الغريب بينكما , مدى التفاهم , حتى لقد كنتما تشبهان بعضكما , حتى الرائحة !!
كأنكما كنتما تستخدمان نفس المعطر !!
- ولكن فجأة وجدتها تهتم بى دون أى سبب , تهاتفنى وتسأل عنى فى كل مكان .
تعجبت من كل ذلك ولكن دعنى أصارحك لأنى لن أكون هكذا مرة ثانية .. لقد كنت أتمناها لى !!
نظر إليه بتعجب شديد !!
- لقد كانت هى الأجمل والأكثر ذكاء بين الجميع .. لماذا أنت بالذات تحصل على كل ذلك ؟؟
كنت أتمناها ولكن سرا كنت أحلم بها ولكن الأحلام لا تتحقق .. كنت أخشى صداقتك وأخاف أن أفقدك .. و .. ولكن
هى من أتتنى , وأصبح للحلم طريقا للتحقق .
وقتها لم أهتم بك أو بصداقتك أو بأى شخص فى تلك الدنيا اللعينة قهى كانت الدنيا والناس .
نظر إليه واجما غير مصدق ما يقول .
- بدأت تتحول منك إلى بدأت أشعر بلذة الانتصار , كنت أراك تموت أمامى وكنت أقوم بدور الصديق الوفى الذى يحاول معاونة صديقه وتضميد جراحه !!
حتى تركتك تماما وانهرت أنت تماما واخنتفيت واحتجبت عن الدنيا والناس .
وقتها حدث ما لم أكن أتوقعه !!
كان يهم باستكمال حديثه الذى لم يتوقف , ولكن حضر النادل وهو يحمل كوبا المانجو .
لم تفارق عينه عين صديقه .. كانت متوترة تحاول الدموع الوثب منها ولكنه يجاهد كى لا تفر منه .
نظر إلى كوب المانجو المندى فلم يتمالك نفسه وسقطت منه دمعة خائنة !
- ياله من مسكين لم يتخلص بعد من آثارها !!
- وهل تخلصت أنت من فراقها أيها المهزوم المخدوع ؟؟
كان السؤال فى الماضى هل تخلصت من فراقها واليوم أصبح فراق وخيانة
يالى من ساذج !!
نظر إليه وهو يحاول تضميد جراح قلبه ولم يكن يملك سوى النظرات .
- ما حدث أنه فى يوم فراقكما تركتنى !! دون مقدمات أو أسباب .
- لم أفعل شىء لها لقد أحببتها حقا وساعدتها فى التخلص منك .
أصابت تلك الكلمة هدفها تماما , لأول مرة منذ جلوسهما يود أن يخنقه , سقط قناع الصرامة الهش عن وجهه , ظهرت ملامحه الحقيقية .
حزينا ومتوترا , مخدوعا ومقتولا كل هذا محفور فى وجهه .
- لا أعرف لما أحكى لك الآن , ولكن ما أريده منك فقط .. أن تسامحنى !!
هم بأن يقذفه بكوب المانجو ولكن فجـأة إقتحم المكان رائحة يعرفها جيدا , مهما مضت السنون لن ينساها .
بحركة واحدة وكأنهما متفقان عليها سابقا تحولا نحو مصدر الرائحة ..
فإذا بها تدخل متأبطة ذراع رجل ينظر إليهما ويضحك !!
يحيي هاشم
23/12/2006