منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    ( مِلح غزة يمنع التعـفـن )

    (سلسلة) في ظلال تحرير الأسرى


    قال العميد : 1/3


    ( مِلح غزة يمنع التعـفـن )

    عبارة نورانية قالها العميد ؛ عميد الأسرى ! ومن منا لا يعرفه ؟! فقد توارثت الأجيال الفلسطينية ذكره وذكراه جيلاً بعد جيل ، واختزنتها في ذاكرتها الحيّة كنموذج على الصبر والمصابرة ، والتضحية والفداء ، ومراغمة السجن وقهر السجّان ، فكان هو الشعارَ صبراً واصطبارا ، وغدا حظ عدوّه في ركام صفحات التاريخ اندحارا واندثارا ، إنه عميد الأسرى البطل المحرّر نائل البرغوثي أبو النور ،الذي وقف بقامته البطلة ، وبهمّته العالية التي لم تنحتها العقود الثلاثة خلف القضبان، وقف في قريته كوبر وألقى خطابه التاريخي فكان هذا الخطاب نوراً على نور ! وأعْـزِز به حين قال : ( قد راهننا السجّانون قائلين لنا : سوف تتعفّن أجسادكم وأنتم خلف القضبان ) ثم استطرد أبو النور قائلا : ( وما درى القومُ بأن ملحَ غزة يمنع التعفّن ) إشارة إلى الشعب المجاهد الذي كان وراء الصفقة العظيمة التي حرّرت أجسادهم ، وصانتها من أن يمسّها عفن ، أجل حرّرت أجسادهم ، أما أرواحهم فهي حرة دوماً ، فلم تخضع للاعتقال يوما ، وكيف تكون روحٌ معلّقة بربها رهينة اعتقال لدى سجّانها ؟!
    ولما كان ذلك كذلك فإني تلقفت منه هذه المقولة ، وطرت بها فرحاً وفخرا ، وعساني في هذا المقال أعطيها مداها وحقها ومستحقها ! فكان أن قلت : العفن الذي عناه القائد المحرّر أبو النور هو عفن دون عفن ؛ ذلك أنّ للعفن مظاهرَ عديدة من حسيّة ومعنوية ، أخطرها هذه المظاهر الثلاثة : العفن الفكري ، والعفن النفسي ، والعفن السلوكي الحركي، وتلك منظومة متكاملة مربوطة أعناقها بأعناق بعض ، فإذا دبّ العفن في واحدة منها اصطلى بلظى شرره المتطاير باقي عناصر المنظومة ، ولمّا كان السلوك ترجمة للفكرة وتوَقدها ، ونفحة منبثقة عن النفسية وتوثّبها ، فإن العفن الفكري هو مربط الفرس ؛ ذلك أن سلوك كل إنسان وحالته النفسية ما هي إلا صدى لما عشش في عقله من فكر ورسخ فيه من قناعات ، فبذا غدا الفكر حجر الزاوية لكونه الباعثَ الحثيث على الحالة النفسية والسلوكية على السواء ، وعليه فالعفن الذي يصيب الفكر له طرفان يكمنان في : الإفراط والتفريط ، فالإفراط يورث غلوّا وقلاءً ( بُغضاً) ، والتفريط يورث تميّعاً وجَفاءً ، وكلتاهما عفن ! وقد يُقحم المرء نفسَه في دائرة الغلو تحت مطارق الواقع الثقيلة ،كردّة فعل على ظروف حاصرته ، وضواغط ثقيلةٍ أرهقته ، ونوازلَ من صُنع شياطين الإنس حاصرته .. وذا كله - أي الإفراط والتفريط الفكري- في خاتمة المطاف عفن ! وكون فئام من الشعب يرزح تحت نير هذه النوازل ثمّ يبقى متحليّاً باتزانه ، محتفظا بعنفوانه ، لم تنحرف بوصلته ، ولم تضل وجهته ، ولم يُرَق على أبواب الاستجداء السياسي ماءُ وجهه ، ولم تعفّر بتراب استعطاف اللؤماء صفحاتُ هذا الوجه الكريم ، ولم تتأرجح مبادئه أو تتميّع قيمه ، فذا كلّه ينمّ عن مضاد حيوي إيمانيّ ناجع تحلّى به واتصف ، ولعلّك عزيزي القارئ تكتشف بنفسك ماهيّة المضاد الحيوي الإيمانيّ هذا ومبعثه إذا أنعمت النظر في قصّة ذلك الرجل السائل المتسائل عن البعث والنشور، فقال فيه العزيز الغفور: { أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت ؟ قال لبثت يوماً أو بعض يوم ، قال بل لبثت مائة عام ، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه ، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس ، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما، فلمّا تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } (البقرة 259) سبحان الله ! الطعام والشراب قد أحاطت به وحاصرته كلّ ظروف التعفّن بقوّة وقسوة ؛ إذ مرّت عليه مائة عام وهو عرضة لهذه الآفات التي من شأنها أن تعفّن ذاك الطعام أيّما عفن ! بل لا يُبقي منه العفن شيئاً ولا يذر ! مع ذلك بقي على حاله { لم يتسنّه } أي لم يتغيّر بالتعفن ، بل بقي يُسمن ويُغني من جوع ! ولفظة ( يتسنّه) أصلها مشتق من ( السّـنة ) لأن مرّ السنين يوجب التغيّر ، لكنه لم يتغيّر ! فجعل المولى تبارك وتعالى عدم التعفن في ظِل هاتيك الظروف آية ، وأَمارة هداية ، فما السرّ في ذلك ؟ أي في عدم التعفّن ، السر هو : عناية رب العالمين ومعيّته ! كانت هي المُعقّمَ الحافظ لذاك الطعام ! وكذا شعبنا في غزّة الأبية ؛ تمرّ عليهم السنون العجاف حاملة بين طيّاتها الحصارَ والمناكفاتِ والرهاناتِ والاستفزازاتِ والضغوطاتِ والهزّاتِ والضرائبَ الباهظاتِ في الأموال والأنفس والثمرات ، وظلم القريب والبعيد ، لتصبح الظروف في ظل ذلك الواقع المشحون بتلك النوازل مهيّأة لأن تنزلق في أتونها أقدام ، وتضلّ في غياهبها أفهام ، وتطيش في رصدها وتحليلها أقلام ، وبالتالي تنحدر بالجميع في وهاد التطرّف الفكري والنفسي والحركي – وكل ذلك عفن - وإذا بنا نصحوا عليهم بعد هذا كلّه وقد شملتهم المعادلة الربانية : { قل جاء الحق وما يُبدئ الباطل وما يُعيد } ( سبأ 49 ) فكانوا الحق الذي سطع نجمه ، المشبع بالكرامة والأمل، وبات من راهن على استكانتهم ، وبَخَسَهم تاريخهم النضاليّ باطلا لا نجم له أصلا حتى أقول إن نجمه قد أفل ، وحسبك أنه في خضمّ تلك المواقف ، وما حملته لأهل غزة من مخاوف ، ما زلّت لهم قدم ، وما لانت لهم قناة ، وما شذ لهم فكر ، وما تشوّهت لهم عواطف ! بل بدّد الله بهم الأوهام ، وجعلهم آية بيّنة يعي مغازيها أولو اللّبّ والأفهام ، فما تفسير ذلك يا ترى ؟ إنه المضاد الحيوي الإيماني المتمثّل في عناية الرب جلّ شأنه ومعيّته ، معيّة يحوز عليها مَن استفتح بمفتاحها ؛ مفتاح التقوى والإحسان : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } (النحل 128) فكان هذا المضاد الحيويّ الإيمانيّ البلسمَ والترياق ! ولم يكن فيه مَن سَمِع كمن رأى ، ولا حتى مَن رأى كم رأى ووعى ، وهؤلاء كلّهم جميعاً لم يكونوا كمَن تجرّع فذاق ، فاستمتع بطِيب المَذاق ! بل وحملت الأقدار أهل غزة إلى ما هو أبهى من ذلك! حين جعلتهم للأمة كافة صمّام الأمان ، والحارسَ القيّمَ الذي يكلأ الأمة من أن يعتريها فضلا عن أن يتغلغل فيها التعفّنُ الفكري ، الذي يثمر سوءاً في المنهاج ، أو يتسلّل إليها التعفنُ النفسيّ ، الذي يورث التشوّه الخُلُقيّ والتميّع القيميّ وسوءَ اللجاج ، أو يلفّها التعفنُ الحركيّ ، الذي يتيه بالأمة ، ويشغلها عن هدفها الكبير، بل ويبعثر جهودها في كل سبيل وفجاج ، لا يؤول بها لا إلى تحرّر ولا إلى تحرير! فصانوا بذا وعيَ الأجيالِ ومشاعرَهم وآمالَهم وطموحاتِهم ومن ثمّ سلوكياتِهم ، صانوها من جانبي الوجود والعدم ؛ إذ بعثوا في فكر الأجيال والناشئة الجدد وفي عواطفهم وسلوكهم من منظومة المبادئ والقيم ما كان منها معدوماً مفقوداً ، وصانوا ورسّخوا في أذهانهم ومشاعرهم ما كان منها موجوداً ! وتلكم الخصال ما اجتمعت في أمة إلا استعصت على الانكسار ، وأفلتت من دوائر الترويض بالحصار، وكانت بحق مِلحَ البلد ، الذي لا يستغني عنه أحد ، وإلا تسرّب إليه العفنُ فانبَتّ أمرُه وفسَد !!

  2. #2
    Junior Member
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    ادنبرة
    المشاركات
    11
    أكثر اللهم إذاً من ملح الأمة !! والله لقد أتحفني معاني الكلمات النبيلة وفصاحة اللغة وبلاغة اللسان وجمال التعبير ودقة الوصف ، وما يليق بأهل غزة الا كل كاتب بليغ وعالم رفيع أمثالكم يمجد أمثالهم....
    جزاك الله خيراً وزادك رفعةً ونوراً.
    أم أحمد

  3. #3
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    شكراً جزيلاً لك أختنا الفاضلة ( أم أحمد ) على كلماتك النبيلة التي تحمل في طياتها مشاعر تفيض بالثقة فيمن كتب وكُتب عنه ، والمؤازرة الصادقة لمن وجّه الخطاب ومَن وُجّه له ، والحرقة على من خاطب و خوطب ، والغيرة عموما ً على الحق وأنصاره ، وتلكم الخصال ما اجتمعن في مربيّة فاضلة أمثالك إلا أثمر العطاء عن ذريّة أصيلة واعدة بإذن الله تعالى ! وإنا لمستبشرون ....

  4. #4
    ماكتبته أستاذي العزيز من ثمين يجب ان يدفعنا للتدقيق بكفيفة تربيتنا كي نوقن ان من سيأتي بعدنا اهل للتربية من جديد..
    دمت معطاء رائعا
    الف تحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #5
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    شكراً لك أستاذتي الفاضلة ريما الخاني على لفتتك الذكية ، وقد درجتُ في محاضراتي على إطلاق مصطلح ( الاستنساخ التربوي والدعوي) قاصداً به توريث الخبرات الدعوية والتربوية ، النفسية منها والتقنية ، حتى يظل الجهد الدعوي والعطاء التربوي موصولا غير مبتور ! فلا يأتي على الناس حينٌ من الدهر يتراجع فيه عطاؤهم الدعوي والتربوي على نحو يورث خللا ويُحدث فجوة فيقطع سلسلة الانجازات .... والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

  6. #6
    بارك الله لنا بك وبعطائك نستمر بالمتابعة فلاتحرمنا من ينبوع عطائك
    الف تحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #7
    Junior Member
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    ادنبرة
    المشاركات
    11
    السلام عليكم ورحمة الله
    شكراً لك على الإطراء بارك الله فيك
    ثقتنا بك أنت زرعتها وكنت دائماً أهلاً لها , أعانك الله على حمل الرسالة وأداء الأمانة
    أم أحمد

المواضيع المتشابهه

  1. مضمخ ٌ بالمعاصي!!
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-04-2008, 01:12 AM
  2. دموع لا ترى ....
    بواسطة صهيب توفيق في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 06-02-2008, 12:59 PM
  3. بلا دموع ...!
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-01-2008, 08:05 PM
  4. دموع ...
    بواسطة د/علاء زهران في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-25-2008, 01:59 AM
  5. دموع
    بواسطة فارس_إدلب في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-16-2007, 03:17 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •