21 أذار يوم الشعر العالمي المصدر : قيس مصطفى 21/03/2009 كم نحن موسميون أيتها القصيدة
البشر كائنات موسمية حتى نخاعاتهم، مجرد مخلوقات تمشي على ساقين طويلتين، وتعشق فتح زجاجات الشامبانيا في أجواء صاخبة، يفعلون ذلك في أعياد الميلاد، وحفلات التخرج والأعراس أيضاً، وقد تترافق تلك الاحتفالات المبهجة مع تقديم الأضحيات في طقوس شعائرية رافقتهم منذ فجر التاريخ. إن موسمية البشر،
ورغبتهم الدائمة في الاستمرارية تجعلهم بحاجة مستمرة إلى أشياء من هذا النوع. وكل يحتفل على طريقته.
ثمة من يحتفل بأشياء أقل بهجة، ثم ينفجر بالضحك كتجل عن السعادة التي يعيشها، والبعض يعيشون سعادة الدنيا دون أن تفتر ثغورهم عن ابتسامة واحدة. لا تقل لي إن نساءنا يتزيَّن بيوم المرأة العالمي، ولا تقنعني بأن الولائم تقام في عيد العمال، ولا يضحكنَّ علي أحد بالقول إن الآباء يشترون الألعاب لأطفالهم في «يوم الطفل العالمي».. ما زلت أتذكر اختفاء اللون الأحمر في «عيد الفالانتاين» من ملابس كل من أعرفهم، جميعهم فعلوا الشيء نفسه في اليوم نفسه، وعن سبق الإصرار والترصد، ظلوا ساعات طويلة أمام خزانات ثيابهم لانتقاء ملابس لا تحتوي اللون الأحمر حتى لو كان تقليمة في قميص، أو درزة في بنطال. لقد بدا الجميع مضحكين وقتها عندما جاؤوا مرتدين ثياباً داكنة الألوان وكأن آباءهم قد ماتوا جميعاً في مجزرة جماعية.
الشعر بالنسبة للعشاق تحصيل حاصل، فهو يتجلى في أي حركة يقوم بها الحبيب (لسنا متأكدين من هذا الشيء)، وبالنسبة للعمال هو الوسيلة الأكثر نجاعة للتعبير عن رنين المعاول (لحظة!! إنها مجرد مزاودة على الطبقة العاملة، أو هي تقويل ما لم يقولوه) .. يمكننا أن نعتبر الشعر بالنسبة للعمال بمثابة أشياء لا أعرفها فلست من جماعة «يا عمال العالم اتحدوا».
لننتهي من المقارنات ولننطلق من فرضية هي أن الشعر يخص الشعراء وحدهم، وإذا كان هناك يوم للشعر العالمي، مثلما هناك يوم عالمي لأي شيء يخطر على بالنا فإن هذا اليوم لا ولن يعني إلا الشعراء.. فبالأصل يبخس الناس حقوق حامل هذا اللقب، والشاعر يجب أن يكون أزعر ومعتداً بنفسه، وعفريتاً يناطح برأس من دون خوذة ثوراً إسبانياً أو بقرة دنماركية. والشاعر هو شخص استثنائي يتصدق بكل ما يملك في جيبه لمتسولي الطرقات، وهو أيضاً المادة الخام التي تصلح ليمارس عليها الجميع فعل السخرية. وهو الذي لا يناله شيء إذا ما اقتسمت الأشياء، ثم يمضي من مكان القسمة راضياً.. بالله فليقل لي أحد ما معنى أن تكون شاعراً.. أنت مجرد مجنون..
إلى شاعر شاب..
قصيدة غير منشورة لمحمود درويش
لا تصدّقْ خلاصاتنا، وانسها/ وابتدئ من كلامك أنت. كأنك/ أوّل من يكتب الشعر/ أو آخر الشعراء/ إن قرأت لنا، فلكي لا تكون امتداداً/ لأهوائنا/ بل لتصحيح أخطائنا في كتاب الشقاء/ لا تسل أحداً: منْ أنا/ أنت تعرف أمّك../ أمّا أبوك... فأنت/ الحقيقة بيضاء. فاكتبْ عليها/ بحبر الغراب/والحقيقة سوداء، فاكتب عليها/بضوء السراب/ إن أردت مبارزة النسر/ حلّق مَعَهْ/ إن عشقتَ فتاة، فكن أنتَ/ لا هي/ منْ يشتهي مصرعهْ/ الحياةُ أقلّ حياة/ ولكننا لا نفكّر في الأمر/ حرصاً على صحّة العاطفةْ/ إن أطلت التأمّل في وردةٍ/ لن تزحزحك العاصفة/ أنت مثلي، ولكنّ هاويتي واضحة/ ولك الطرق اللانهائية السرِّ/ نازلة صاعدة/ قد نُسمّي نضوب الفتوة نضج المهارة/ أو حكمةً/ إنها حكمة، دون ريب/ ولكنها حكمة اللاغنائيّة الباردة/ ألفُ عصفورة في يدٍ/ لا تعادل عصفورة واحدة/ ترتدي الشجرة/ القصيدةُ في الزمن الصعب/ زهرٌ جميلٌ على مقبرة/ المثالُ عسير المنال/ فكن أنت أنت وغيرك/ خلف حدود الصدى/ للحماسة وقت انتهاء بعيد المدى/ فتحمّسْ تحمّسْ لقلبك واتبعه/ قبل بلوغ الهدى/ لا تقل للحبيبة: أنتِ أنا/ وأنا أنتِ/ قلْ عكس ذلك: ضيفان نحْنُ/ على غيمةٍ شاردة// شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة/ لا تضع نجمتين على لفظة واحدة/ وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ/لتكتمل النشوة الصاعدة/ لا تصدّق صواب تعاليمنا/ لا تصدّق سوى أثر القافلة/ الخُلاصة، مثل الرصاصة في قلب شاعرها/ حكمة قاتلة/ كن قوّياً، كثور، إذا ما غضبتَ/ ضعيفاً كنوّار لوز إذا ما عشقتَ/ ولا شيء لا شيءحين تسامر نفسك في غرفة مغلقةْ/ الطريق طويل كليل امرئ القيس/ سهلٌ ومرتفعات، ونهرٌ ومنخفضات/ على قدر حلمك تمشي/ وتتبعك الزنبق/ أو المشنقة!/ لا أخاف عليك من الواجبات/ أخاف عليك من الراقصات على قبر أولادهنّ/ أخاف عليك من الكاميرات الخفيّات/ في سُرَر المطربات/ لن تخيّبَ ظنّي/ إذا ما ابتعدتَ عن الآخرين، وعنّي/ فما ليس يشبهني أجملُ/ الوصيُّ الوحـــيدُ علـــيك من الآن: مستقبلٌ مهملُ/ لا تفكّر، وأنت تذوب أسى/كدموع الشموع، بمن سيراك/ ويمشي على ضوء حدسك/ فكّر بنفسك: هل هذه كلّها/ القصيدة ناقصة... والفراشات تكملها/ لا نصيحة في الحبّ، لكنها التجربة/ لا نصيحة في الشّعر، لكنها الموهبة/ وأخيراً: عليك السلام
¶ يصدر مطلع الأسبوع المقبل عن دار رياض الريس ديوان للشاعر الراحل محمود درويش يضم القصائد الأخيرة تحت عنوان «لا أريد لهذه القصائد أن تنتهي» ومنها هذه القصيدة.. ولعل في هذا الديوان هدية للجميع بمناسبة يوم الشعر العالمي.. القصيدة مأخوذة عن الحياة اللندنية.