موضوع قرأته في إحدى المنتديات بهذا العنوان وكان كاتبه:حسام الدين رامي نقشبند
ولفت نظري مافيه من نقاش حول السلفية وجذورها:


تبرئة الفكر الصوفي الدخيل في قضايا الناقد الوكيل
مقدمة:
أكثر من ينقد التيار الصوفي، هو التيار السلفي بمجمل اتجاهاته وتبعاته، وناقدنا الفاضل في كتاب: "قضايا الصوفية" الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله تعالى هو أحد نقاد السلفية المعتدلين ..
والسلفية عادتا هم الأثريين الحنابلة، وهم الذين أتبعوا ما كان عليه السلف أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، أو ما كان عليه أهل القرون الخيرية الثلاثة الأولى من صحابة وتابعين وتابعي التابعين ..
وهذا الاتجاه متميز وصحيح لحد كبير، إلا أنه يفقد صفة المعاصرة بالتآلف، إذ لكل زمان دولة ورجال، لأن هذا الاتجاه على ما هو عليه يورث المغالاة بالتبديع والتخلف الاجتماعي وهذه مشكلة السلفية اليوم، إضافة إلى الوقوع بمشاكل التجسيم من الناحية العقدية لأن السلفية يأخذون بظاهر النصوص السنية والقرآنية فيما يخص قواعد العقائد الخاصة بالجناب الإلهي ..
ولو دققنا بتوجهات السنة الشريفة لوجدنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالخلفية وليس السلفية فجعل من سنته وسنة خلفاءه الراشدين ومن بعدهم المهديين سنة واحدة، إلا أنه قيد هذا الأمر بشرطية إتباع خلفاءه وأخذ السنة منهم ..
وفي هذا المحور ترتكز محاور القضية ..
إلا أنه ولصعوبة إيجاد الخليفة الحق في زماننا لكثرة المدعيين فالأسلم العمل بالمنهج السلفي بالتبعية لا لتكامله المنهجي ولكن لتباينه الشرعي بالدرجة الأولى والأصولي نوعاً ما، ولأنه يعتمد على حفظ الأثر المحمدي الشريف، ولأن للتمسك بأصول السنة الشريفة، مدعاة كبيرة للنجاة ..
نعود إلى قضايا الشيخ الوكيل مع الصوفية فنجد الشيخ رحمه الله تعالى وعد بالإنصاف والعدل بإسراف وفق تعبيره بالتعامل مع قضايا الصوفية الشائكة ..
وسوف نتجاوز ما قاله الشيخ رحمه الله تعالى حول أصل كلمة التصوف واشتقاقاتها، لأنه أمر تكرر غير مرة ولأكثر من مرة في غير هذا الموضع ولم يعد قضية جوهرية للنقاش ..
وحول اعتراض الشيخ الوكيل رحمه الله على مقولة: ( من لا شيخ له فشيخه الشيطان )، التي وردت في "الرسالة القشيرية" للقشيري [ص: 181]، وفي "عوارف المعارف" للسهرودي [ص: 70] ..
نقول شرح هذه المقولة بالمقولة السلفية: ( لولا المربي ما عرفت ربي ) ..
فالشيخ المربي الرباني يربي في قلبك معاني المعرفة الإلهية ومن ثم يحفزك على التخلق بأخلاق الربوبية حتى يصبح مريده رباني تقي فينجو بعون الله من براثن الشيطان واغواءه اللعين، فإذا ما مسه طائف من الشيطان تذكر كيده ومكره فتبصر حقيقته فأعرض عنه واستعاذ بالله منه ..
ولا يكون ذلك إلا لمن كان له شيخ مرشد مربي ..
أما قول الهيتمي: ( ويتعين على المريد الاستمساك بهدي الشيخ، والدخول تحت جميع أوامره ونواهيه ورسومه حتى يصير كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء )؛ ورد في "الفتاوى الحديثية" للهيتمي [ص: 57] ..
نقول هذا الكلام صحيح إذا ما أيقن المريد بما وقر في قلبه من الحق، أن شيخه على حق، وأنه من أهل الحق، فلا يعرف الحق بالرجال إنما إذا ما عرف الحق بالفطرة الإيمانية السليمة، عرف أهل الحق، والحق المبين أجدر أن يتبع ولو بالمطلق ..
**********


أما عن اعتراض الشيخ الوكيل رحمه الله تعالى، على مسألة أن الذوق المعرفي الإيماني بأنه يأتي قبل الالتزام الشرع على أنه أمر خاطئ، فإنا نرد عليه بالسنة الصحيحة، والكتاب الكريم:
عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا )؛ رواه مسلم في "صحيحة" [ج1/ص: 62/ر:34]؛ وراواه الترمذي في "سننه" [ج5/ص: 14/ر:2623]، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ ووافقه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2623]،وقال: صحيح؛ ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 208/ر:1778]؛ بإسناد صحيح؛ بتحقيق الأرناؤوط في "مسند أحمد" وتحقيق أحمد شاكر في "المسند" [ج3/ص: 211]؛ وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:4309]؛ ووافقه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:3425]، وحكمه: [صحيح] ..
فوفق ترتيب الحديث أعلاه أن أذواق المعرفة الإيمانية أو التصديق القلبي، هي معرفة الله بمعرفة معاني ربوبيته ومن ثم الرضا به رباً وفقاً لهذه المعرفة ثم يأتي الرضا بالإسلام ديناً وهو الامتثال التام لأوامر الله تعالى وهو التشريع الإلهي، لأن الإسلام هو الاستلام لأوامر الله كاملة، وبناءاً على ما تقدم تأتي المعرفة لمقام الرسالة والإقرار التام أن حاملها هو النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ..
والدليل القرآني، قوله تعالى: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ .......} [المائدة : 93]
وهو تصريح إلهي صريح أن المذاق الإيماني إذا ما حصل فإنه يستدعي التقوى بالامتثال للأوامر الإلهية واجتناب النواهي أو الاستقامة على شرع الله، ثم الاستزادة من هذا الإيمان وعمل صالح العمل الذي يرضي الله عز وجل ..
والخلاصة نقول أن الذوق الوجداني المعرفي أو الإيماني يلزم صاحبة بالاستقامة على شرع الله وأي استقامة غير مبنية على معرفة الله، هي إما استقامة صورية ضعيفة قابلة للخرق أو ظاهرية مغايرة لباطنها المعاكس ..
يتبع إن شاء الله ..