الخبب وقضاياه
من قلم غالب احمد الغول
@@@@@@@@@
نبدأ بالخبب عروضياً , وليس كما يريده أهل الموسيقى بالشكل المطلق . والفرق بينهما , أن العروض له الدقة والنظام , في زحاف التفاعيل وانتظام النبر , أما الموسيقى فهي تتحايل على الوزن الشعري , وتتماشى مع المقاطع بحرية تامة ,وتخلق النبر الذي تحتاجه دون أي تعقيد . وتسير في الإيقاع المطلوب دون النظر إلى القواعد العروضية .
ولذلك كان الخبب أكثر البحور شيوعاً قديماً وحديثاً , واستغلوه الشعراء والملحنون والموسيقيون وجعلوه مرتعاً لهم لسهولته ويسره وعدم تقيدهم بالممنوع والمسموح .
@@@@@
الخبب لغة : ضرب من العدو , ويقصد به نطقاً . ضرب من السرعة , لأن مقاطعه أسباب خفيفة وثقيلة لا تزيد على مقطعين ,وإن شئت جعلتها أربعة مقاطع على وزن ( مفعو لاتن ــ ــ ــ ــ ) مثالهما ( فعْلن بتسكين العين ) متكررة ثماني مرات للبيت الكامل هكذا:
فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن @ @ @ فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن
ــ ــ / ــ ــ / ــ ــ / ــ ــ ////////////// ـــ ــ / ــ ــ / ــ ــ / ــ ــ
2 2 /2 2 /2 2 /2 2 ////////////// 2 2 / 2 2 / 2 2 / 2 2
/ه/ه . /ه/ه . /ه/ه./ه/ه /////////////// /ه/ه. /ه/ه. /ه/ه. /ه/ه
وبيته من شعر على بن أبي طالب كرم الله وحهه:
إن الدنيا قد غرتنــــــا @@@ واستهوتنا واستلهتنا
ياابن الدنيا مهلا مهلا @@@ زنْ ما تأتي وزناً وزناً
ما منْ يوم يمضي عنا @@@ إلا أمضى منا قــــــرنا
@@@@@@@@@@@@@@@@@@
المقاطع أعلاه لها اتجاهان ( بعلم الإيقاع الشعري الموسيقى ) التي تبحث عن ( المقطع ذات الصوت القوي والذي يكون أعلى من الصوت المجاور له ,( اتجاه بنبر في أول التفعيلة وهذا هو الخبب الأول , واتجاه آخر يكون النبر على المقطع الثاني , وهو الخبب الثاني . كما سيأتي بعد قليل )).
يمنع أن يتجاور نبران يكون فيهما ( دم دم ) لهما الزمن نفسه وضربة الدف نفسها ,ولا بد من أن يكون أحدهما متميز عن الآخر , وهذا ما نسميه النبر الشعري الموسيقي . وتمثله ( السوداء المنقوطة التي تحمل النبر المتوسط ) ليتميز عن جارته (السوداء )التي تحمل وحدة زمنية واحدة , ولا يكتمل الإيقاع إلا بتوالي النبرات على أزمنة متساوية , تفصل بينها أزمنة متساوية تماماً .
ويعتبر الخبب من الوزن الموسيقي في (المقياس الثنائي ).
المقطع الأول منبور // يحمل النبر المتوسط ((( فعْ )))
المقطع الثاني غير منبور. (((( لنْ )))
وليس المقام هنا في الشرح الموسيقي , بل علينا تيسير المعرفة واقتصارها عروضياً , إذ يجوز تتابع الأسباب الخفيفة باتجاه نبري واحد هكذا :
~ ــ / ~ ــ / ~ ــ / ~ ــ النبر المتوسط على أول التفعيلة .
ويمكن للسبب الثاني الذي لا يحمل النبر أن يتحول إلى حركتين ( سبب ثقيل ) فيكون اتجاه الإيقاع هكذا :
~ ب ب / ~ ب ب / ~ ب ب / ~ ب ب المقطع الأول منبور .
وهذا ما نسميه (( الخبب الأول ))
@@@@@@@@@@
وأما الخبب الثاني ( فَعِلنْ ( ب ب ~ ) فله اتجاة معاكس للخبب الأول هكذا :
ب ب ~/ب ب ~/ب ب ~/ب ب ~ المقطع الثاني منبور
فهو الخبب الثاني .
ولا يجوز ( عروضياً ) الخلط بين الوحدين ( وحدة الخبب الأول مع وحدة الخبب الثاني ) أي لا يجوز ( عروضياً الوضع الآتي
ب ب ~ / ~ ب ب بسبب تجاور النبرين
أو لا يجوز الوضع الآتي عروضياً ( ~ ب ب / ب ب ~ ) بسبب تعدد المتحركات وتنافر النبرين.
ولو سمح العروض بالوضع أعلاه , فإن ذلك سيزيد من تعقيد العروض ويزيد من همّ العروضيين .
فانظر إلى تفاعيل الرجز ( المطوية ) الآتية:
يقول كتاب الكافي في العروض والقوافي صفحة ( 80 ) بيت الطي بحر الرجز :
ما ولدت والدة من ولـــد @@@
أكرم من عبد مناف حَسَبا @@@
ــ ب ب ــ ــ ب ب ــ ــ ب ب ــ / ــ ب ب ــ ب ب ــ ــ ب ب ــ
فاعلُ فعْلن فعِلن فعْلن فعِلن
لو اعتبرنا الأجزاء لبيت الرجز المطوي أسباباً خببية , لزادت قضايا العروض تعقيداً . بالرغم من جوازها موسيقياً .
وعندما نعتبر الأجزاء السابقة خببية , فإننا لا نفرق عندها بين الوزن الثنائي والوزن الرباعي , ثم لا نعرف إن كانت الأسباب المتحركة هي فواصل أم هي (حركة ووتد ), فإن كانت فواصل فإن وزنها لا يكون إلا ثنائي , وإن كانت ( حركة ووتد ) فيعني ذلك إنها رجزية , ولها حسابها الزمني في الموسيقى .
أما في زحافات الخبب , فإن الاختلاف كبير بين ما تفعله الموسيقى , وبين ما يقرره العروض .
فالموسيقى تحرك الساكن هكذا ( فا ) تصير ب ب )
بينما العروض يسقط الساكن هكذا ( فا) تصير ب )
وهذا الاختلاف يؤدي إلى خلل عروضي لا مثيل له , إذ ان تفعيلة مثل مستفعلن قد تحولها الموسيقى إلى:
ــــــ ــــــــ ب ــــــــ
ب ب ب ب ب ب ب وهذا شيء لا يقبله العروض بشي :
حيث يقول الدكتور عمر خلوف في هذا المجال ما يؤكد هذا الشرح :
وتقتصر زحافات البحور الخليلية على سقوط ساكن السبب أو إسكان متحرك الفاصلة..
بينما يتمثل زحاف الخبب بتحريك الساكن.
ويقول الدكتور عمر خلوف أيضا:
حيث يجوز أن تنقسم فيه النقرة (تنْ) إلى نقرتين (تتَ) مع الاحتفاظ بالمدة أو الزمن نفسه للنقرة (تن).
ويؤكد الكتور خلوف شرحنا السابق بقوله:
ويُسمّى هذا النمط من الأوزان في الموسيقى والغناء بالإيقاع الموصّل، أو (الهزج).
بينما تُسمى إيقاعات الشعر العربي بالإيقاع المفصّل.
والعروض الرقمي سار على المذهبين معاً , وبهذا فلن يصل إلى نتائج واقعية .
لأن الدكتور خلوف أطلق كلمته الصريحة بقوله :
((ولا يعني تأصيلنا لهذه الزحافات الخببية دعوة للكتابة عليها، فهي تميل إلى القبح في الشعر، كما أن (متعلن) قبيحة في بعض أوزان الشعر العربي.)) لكنه يتراجع عن هذا الاعتراف بقوله :
((أما أنه إيقاع غير سليم، فهو كلام لا يقبله صاحب ذوق كما نظن.)) ثم قال :
(((شأن الخبب كشأن غيره من بحور الشعر العربي
وصف بالضعف
ووصف بالخساسة
كما وصف بالركاكة والدناءة..
ووصف من جهة أخرى بالعذوبة والخفة والرقة والجمال..)))
ولكن الدكتور خلوف , لا يحبذ تعدد المتحركات المتتالية فقال:
((فهذا نمط في الوزن مخالف لكل ما نعرفه عن قواعد العروض.)))
ومن هنا فقد انزلق العروض الرقمي على أفكار موسيقية أبعدته ,عن الواقع العروضي , والتي ستؤدي في النهاية إلى قلب موازين العروض والسير في متاهات الأرقام التي لم تكتمل لحد هذا اليوم , وتعجز عن تفسير الفرق بين زحاف أسباب التفاعيل , وبين الأسباب الثقيلة التي زنته كل سبب ثقيل = زنة سبب خفيف , كما أرادها الخليل .
أي أن (( ــــ ب ب ــ ــ ب ب ــــ ))مستعلن مستعلن
(( 2 1 1 2 2 1 1 2 ))
يعتبرها العروض الرقمي ( أسباباً خببية )
بينما يعتبرها العروضي ( أجزاء لتفعيلة رجزية من غير أن يستعمل الأرقام )
لأن اتجاه المقاطع متعاكسة ( ~ ب ب / ~ ــ / ب ب ~ )
لاحظ كيف اختل انتظام مواقع النبر ؟؟
بالرغم من أن العروض الرقمي يسير في كثير من الأحيان طريق الصواب حين حدد للوتد المجموع بالرمز ( 3 ) وهذا أفضل ميزة يتعامل معها , لكنها لم تكتمل أيضاً , فعندما يصيب التفعيلة ( القطع ) فإنه لا يحسب حساب حركة الوتد المفقودة , ولا يعرف مكان سبب الوتد , ومن هنا فإنه لا يفرق بين ( المشعث والمكشوف والمقطوع ) تلك التفاعيل التي فقدت حركات أوتادها , ويعتبر العروض الرقمي نفسه في هذه الحالة ( عروض رقمي شامل ) .
ومن هنا فلا يستطيع العروض الرقمي أن يميز بين :
الرجز والسريع في الحالة الآتية .
ــ ــ ب ــ / ــ ــ ب ـــ / ــ ــ ــ سريع ورجز بآن .
ــ ــ ب ـــ/ ــ ــ ب ـــ / ب ــ ــ سريع ورجز بآن .
ــ ــ ب ــ / ــ ــ ب ــ / ــ ــ كامل وسريع بآن.
ولو حدد العروض الرقمي مكان حركة الوتد لأصبح عروضه شامل حقاً , لأننا لآ نعرف التفعيلة إلا من معرفة وتدها , أومن حركة وتدها المحذوف .
@@@@@@@@@@@@
عرفنا أن الخبب خببان , أول وثاني , ولا يجوز اجتماعهما معاً في قصيدة واحدة بالرغم من أن معظم شعراء العصر لا يتقيدون بشروط العروض , لأن أذنهم الموسيقية تعودت على استقبال هذا الإيقاع .
والآن أين الخبب من المتدارك ؟؟
هل الخبب يختلف عن المتدارك؟؟ أم أنهما مسميين لبحر واحد ؟؟
والجواب يكون كالآتي :
تبين معنا أن الخبب ثنائي المقياس الوزني ومؤلف من سببين أحدهما خفيف والآخر ثقيل , ويختلف الخبب كلياً مقاطعاً ولفظاً وإيقاعاً وزحافاً عن الخبب , لأن الخبب بلا أوتاد , بينما المتدارك له أوتاد ووزنه ثلاثي المقياس الموسيقي , وخماسي الأحرف .
وتفعيلته الرئيسة ( فاعلن ) ونبرها دائماً على أولها وتكتب هكذا :
( ~ ب ــ ) لكنها تلفظ هكذا (( فاااا علن )).
تتغير فاعلن عند الخبن إلى ( فعِلن ) (( ب ب ــ ) ومع ذلك يبقى نبرها على أولها , إذ لا مانع أن يقع النبر على المتحرك مع زيادة سكتة أو مد الحركة قليلاً بمقدار وحدة زمنية , لكي تتزن مع فاعلن .
((( ف ... علن )))
ونلاحظ هذه التفعيلة أنها تتواجد في حشو المديد ( سالمة من الزحاف أو مزاحفة )) هكذا (( فاعلن أو فعلن )) عند الإنشاد طبعاً .
ويرى بعض العروضيين أنه لا يجوز ( للتفعيلة فعلن ب ب ــ ) أن تتكرر إلا إذا كانت مخبونة هكذا (فعِلن ) بل لا بد أن تاتي تامة هكذا ( فاعلن ) كالمتدارك . أما إذا تكررت تفعيلتها المخبونة ( فعلن )) فلا يجوز ذلك على حد قولهم .
ولكني أرى أن فعـِلن إذا تكررت وشكلت قصيدة , فنحن هنا أمام خيارين , إما أن ننشدها خببية , بوزنها الثنائي
أو أن ننشدها بحرية بوزنها الثلاثي , بشرط أن لا تأتي في الحشو بسببين ( فعْلن ) بتسكين العين .
وهذا مثال على القصيدة مزدزجة الإيقاع :
أبكيت على طلل طربا
فشجاك وأحزنك الطللُ
أنتهي الموضوع بحمد الله
غالب احمد الغول 3/7/2010