بسم الله الرحمان الرحيم
الصقور والغراب
كنت مارا ليلا فوق أتانتي بإحدى الأرياف.. فاعترضتني مجموعة من الصقور تتهادى وتعرج مرتدية نظارات سوداء.. ماسكة ببعضها البعض فعرفت أنها عمياء. ثم ظللت أتابع بنظرى حتى وصلت لقائدهم الذى يرشدهم للطريق السليم، وأندهشت كيف يكون غرابا قائدا للصقور العمياء.
ويبدو أن هناك شخص أخر رآهم أيضا ذهب إليهم ليسألهم: كيف يقودكم غراب؟!
قالوا: إنه ليس بغراب، إنه قائدنا، وأخذ الغراب ينعق.
صاح الرجل: ألا تسمعون؟ إنه ينعق إنه غراب.
قالوا: إنك لا تفهم... إنه يغقغق، حتى يبعد عنا المعتدي.
وطال الحوار بين الرجل والصقور العمياء، لاحظ الرجل أن هناك بعض منهم ينظرون إليه وكأنهم يروه، ورأى أحدهم ينزع النظارة لينظفها.
فسألهم فى دهشة: أتبصرون؟!
وما أن سمع الصقور قول الرجل حتى أنهالوا عليه نقرا، وطرحوه أرضا. كانوا لا يريدون أن يعلم أحد أنهم يبصرون ولا يحبون أن يذكرهم أحد أنهم ماعادوا يحلقون.
وظلوا سائرين وراء الغراب حتى استوقفتهم دورية دجاج تحرس المكان، غريبة الشكل، آذانها كبيرة، وأعينها صغيرة، وأياديها باطشة.
أمروا القافلة بالوقوف وشرعوا في تفتيشهم والغراب ينعق.
سأل أحد الصقور كبيرة الدجاج: على أي شيء تبحثون؟
قالت الدجاجة: نفتش عن مواد قاتلة تنوون رميها علينا.
قال الصقر الأعمى المبصر: لم ننو هذا ولا نملك مواد قاتلة.
الدجاجة: بل تنوون وها أنا قد وجدت الدليل القاطع.
الصقر: إنه شعير نختزنه مع الطعام.
الدجاجة: بل تختزنونه لتستوحوا منه المبيدات.. سوف نودعكم السجون.. سوف نبيدكم جميعا.
فنادت الصقور الغراب: أيها القائد سيقتلوننا.. ولكن الغراب بدأ ينعق..
وأخذت الصقور تغقغق، إنه غراب لقد صدق الرجل.. فمنها من لم يبقى أمامه سوى أن يرتدي النظارة السوداء ويتخلى عن صفة الإبصار.. ومنها من استغنى عن نظارتة السوداء وواجه الواقع، ومنها من طار دون رجعة.. ومنها من انكسر جناحه وأصبح طريح عشه.. ومنها من نفض الغبار عن ريشه وأصبح حرا يحلق.. رغم أن المكان لم يعد مكانه بسبب التغيرات التي حصلت.. ولكن حبه لتلك الأرض جعله يقاوم أي فكرة تبعده عنها..