هل بقي من يصدّق بأن الكيان الصهيوني يمكن أن يحقق «السلام» مع الفلسطينيين خاصة، ومع العرب عامّة على الرغم من كلّ التنازلات التي تتبرّع بها (إقطاعية حمد العربية).!؟
وعن أيّ سلام يمكن أن نتحدث بعد 65 سنة من الاحتلال، وإعلان قيام (دولة إسرائيل)، والإمعان في الاحتلال، والتوسّع، وإلغاء هويتنا الفلسطينية وثقافتنا وتاريخنا.؟
المجازر مستمرة، منذ بدأت الغزوة على فلسطين في العام 1948، تلك الغزوة التي تَوّجت مراحل من التخطيط والاستعداد، والتي هيأت لها، في وقت سابق جداً، نظريات الصهاينة وثقافتهم ومفكروهم، ودعم بريطانيا «يوم كانت عظمى» وقوى الشرّ في العالم، لم تتوقف، ولم تخفت شهوة الاحتلال لابتلاع فلسطين، كلّ فلسطين، فاتحةً لاحتلالات أخرى واقعية على الأرض بالاحتلال المباشر للأرض العربية، أو باحتلال القرار الوطني والقومي للدول العربية.
ونحن أمّة لا تقرأ، ولو كنا نقرأ جيداً ونفهم ما نقرأ، وما بين السطور لأدركنا، منذ وقت سابق جداً أهداف ومرامي الصهيونية العالمية ومن ورائها الدول الطامعة بالهيمنة على ثرواتنا وأسواقنا الاستهلاكية المثلى، وهذا ما جاء على ألسنتهم وفي مدوناتهم ومحافلهم، ومن مثقفيهم وسياسييهم وعسكرهم.
ولا يمكن للتاريخ أن ينسى هرتزل وطلبه من الدولة العثمانية لامتلاك فلسطين.! ولا يمكن للتاريخ أن ينسى وعد بلفور، ولا تقسيمات سايكس بيكو التي ما جاءت إلا لتقسيم العرب أشتاتاً، ثم ورث العرب هذا الوعد وحفروه تقسيماً إلى أعماق أكثر غوراً وأكثر انفصالاً حتى أصبحت الأمّة العربية قبائل متفرقة «ممالك وإمارات ومشايخ ودويلات» ليسهل الاستفراد بكل دولة على حدة لتمرير المخططات آنفة الذكر، ولنا فيما يجري في حراك هذا (الربيع العربي) المثل على ذلك.
ولا يمكن لأحد أن يتجاهل التصريحات اليومية التي يطلقها الكيان الصهيوني على ألسنة السياسيين والعسكريين والمثقفين الصهاينة المعبّرين عن توجّه وأهداف الكيان بما لا يقبل أيّ لبس، ومن منا ينسى أو يتجاهل «اللاءات» الشهيرة التي تطلع علينا علناً من حكومات العدو المتعاقبة، ومن «معسكر الصقور والحمائم» ممن يدعون أنهم يسعون إلى «سلام» من خلال المفاوضات، وهي في حقيقتها لاءات تنسف كل ثوابتنا الوطنية وهويتنا وانتماءنا، ومن أهمها التمسّك بالمستوطنات وتوسيعها، وقضم الأراضي وبناء جدار ومناطق العزل العنصري، استكمالاً لتحقيق مرامي النكبة التي ألمّت بالشعب الفلسطيني في العام 1948.؟
أما مدينة القدس، وما يجري على الأرض من تغييرٍ لمعالم المدينة ومن حفريات، ومن مصادرة بيوت ووقفيات، ومن تهجير قسري لسكان القدس الأصليين، فهذا موضوع لا أتصوّر أن أحداً يمكن أن يضعه تحت عنوان «حسن النيّة»، أو تفكيكه من خلال المفاوضات، وهو عنوان لواحدة من اللاءات الخمس الشهيرة التي يرددها الصهاينة في كلّ مناسبة.
65 عاماً والقتل والتشريد والحصار والتجويع لم يتوقف، وحملات إبادة منظّمة لم تقتصر على الحال الفلسطينية، بل امتدت لتطول نارها دول الجوار، والدول الأبعد كي لا تقوم للعرب قائمة.
إن الضحك على «اللحى العربية» شغّال بأشكال متنوعة، ليس آخرها مُبتدَع «السلام» والطريق الوحيد إليه «المفاوضات»!! المفاوضات التي لم تحقق على مدى عقود شيئاً، بل أتاحت فرصاً أكبر لابتلاع المزيد، وشطب حق العودة المقدس.
في 15 أيار 1948 حلّت النكبة على الشعب الفلسطيني، وتفرّق في الشتات القريب والبعيد، لكنه بقي متماسكاً بحسّه الوطني، وحبه لفلسطين، ولا بد أن يحقق انتصاره مهما طال الزمن.
لقد زادت غربتنا سنة.. واقتربت عودتنا سنة..