سها جودت والشروط الجمالية للناقدسها جلال جودت، أديبة وقاصة وروائية وشاعرة وناقدة أدبية ومربية أجيال متميزة، ولدت في الأول من كانون الثاني 1954 في حي «الشيخ أبي بكر» بحلب، وترعرعت في أسرة متفاهمة، تولّت جدتها لأبيها مسؤولية تربيتها، فتشربت منها الكرم، وقوة الشخصية، والحنان، والأخلاق الفاضلة، ومحبة الآخرين، وتقديم العون لهم.
تلقت دراستها الابتدائية في مدرسة «ميسلون»، ثم انتقلت إلى مدرسة «الفتح» في حي «السبيل»، ثم مدرسة «سكينة بنت الحسين» التي نالت منها شهادة الدراسة الابتدائية، أما الدراسة الإعدادية فكانت في مدرسة «أسماء بنت أبي بكر الصديق» التي احتضنت طموحاتها، وغرست فيها حب المطالعة... ففي تلك الفترة قرأت الكثير من الأعمال الروائية المؤلفة والمترجمة، كما قرأت سيرة الملك «سيف بن ذي يزن» التي لا تزال عالقة في ذهنها حتى اليوم.
حين نالت شهادة الدراسة الثانوية، كانت ترغب في دراسة الطب، لكن مرض والدتها الشديد حال دون تحقيق هذه الرغبة، فاختصر والدها عليها الطريق بأن طلب منها الدراسة في معهد إعداد المعلمين الذي تخرجت فيه عام 1975 معلمة صف، ثم تدرجت إلى معلمة احتياط، فمديرة معاونة، فمديرة مدرسة، فأمينة سر، تلك الوظيفة التي لا تزال تمارسها حتى الآن.
بدأت الكتابة حين خط قلمها أول خاطرة جعلت دموع زميلتها تنهمر، وأصابعها ترتجف وهي تقرؤها، وكانت بعنوان «عيد أم»، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت في الكتابة دون توقف، تصدر الكتاب تلو الكتاب.
وإضافة إلى الوظائف التربوية التي أسندت إليها، فهي عضو في جمعية العاديات بحلب، ونادي التمثيل العربي للآداب والفنون، والنادي الثقافي النسائي، ونادي شباب العروبة للفنون والآداب، ومكتب الثقافة الفرعي في نقابة المعلمين، والاتحاد النسائي... وقد فازت بعدة جوائز أدبية منها: الجائزة الأولى في مسابقة فرع اتحاد الكتاب العرب بحلب، والجائزة الثانية لفرع نقابة المعلمين عام 1998 وجائزة البتّاني 1998، والجائزة الثانية في أدب الأطفال 2003 (مناصفة)، وجائزة الشاعر عبد الباسط الصوفي للإبداع 2005، والجائزة الثالثة في مسابقة المزرعة في السويداء 2007 عن روايتها «مثلث الرافدين».
آثارها الأدبية
1- رجل في المزاد- دار الثريا- حلب 2001.
2- السفر إلى حيث يبكي القمر ( رواية) اتحاد الكتاب العرب - دمشق 2004.
3- دماء الفرس (قصص قصيرة) الأصيل للطباعة - حلب 2005.
4- مثلث الرافدين (رواية) دار الرضوان - حلب 2008.
5- صلاة الماء (نصوص نثرية) -دار الفرقان للغات- حلب 2010.
6- قراءات في الأدب المعاصر - دار الفرقان للغات - حلب- بلا تاريخ.
1- قراءات في الأدب المعاصر
يبدو أن السيدة سها جلال جودت كتبت في معظم الأجناس الأدبية، فتنقلت بين القصة القصيرة، والرواية، والشعر المنثور أو قصيدة النثر، والنقد الأدبي والدراسات الأدبية، وحالفها النجاح في كتابة هذه الأجناس كلها، رغم أن النقد الأدبي الذي مارسته في كتابها «قراءات في الأدب المعاصر»، يكاد يكون وقفاً على النقاد من الرجال، لأنه من أشق الأجناس الأدبية وأصعبها، ولا أعرف إلا عدداً قليلاً جداً من الأديبات اللواتي مارسنه في الوطن العربي، فليس أشق على الناقد من إطلاق الأحكام النقدية، وتقييم الأعمال الأدبية، وإبداء وجهة نظر فيها، وبخاصة إذا كانت سلبية.
لقد توقفت عند المقدمة التي وضعتها سها لكتابها المذكور، وتحدثت فيها عن الشروط التي يجب أن تتوفر في الناقد الذي يعتمد في أكثر الأحيان على ذائقته وانطباعاته، وليس على أسس ومعايير معينة ومدروسة، فهي ترى أن على الناقد «أن يكون مطلعاً على ذخائر اللغة، وما تعنيه كل جملة أو كلمة.. وأن يملك الهدوء النفسي والأناة، لأن القراءة النقدية تحتاج إلى إمعان النظر...».
وترى أن على الناقد أن يختار الجو الملائم للقراءة، إذ لا يحق له أن يحمل المخطوط بين يديه، ويجلس للقراءة في جو مشحون بالضجيج والثرثرة، فيفقد صاحب الحق حقه في إصدار مخطوطه على نفقة إحدى الهيئات الثقافية الرسمية كوزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب مثلاً.
وتؤكد خطورة الذائقة الشخصية في تقييم المخطوطات التي يرسلها أصحابها للنشر في وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب حصراً، فيقرؤها نقاد غير أكفاء وغير محترفين، ويرفضونها لأنهم حكموا فيها أهواءهم الشخصية، وأذواقهم غير السليمة، وانطباعاتهم الفردية.
وتنهي مقدمتها الجيدة بقولها: لابد من الإشارة إلى نقطة هامة هي أن للاسم وجوداً في حياة الناقد الشخصية، كأن من شروط الموافقة على نشر المخطوط، قراءة الاسم أولاً الذي يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على صلاحية النص.
تُرى، هل طبقت سها هذه الشروط والمعايير التي وضعتها للناقد، والتزمت الحياد والموضوعية في قراءتها لقصص: فاضل السباعي، وطلعت سقيرق، وغادة السمان، ونادية كيلاني... وروايات: نادر السباعي، وبسام سرميني، وجمال خياط، وعدنان فرزات... ودواوين: أحمد كامل الخطيب، وعبد الكريم الكيلاني، وفواز حجو، وبشير دحدوح وغيرهم ممن تناولتهم في كتابها هذا؟.
2- صلاة الماء
كان آخر ما صدر للأديبة سها جودت عام 2010 كتاب «صلاة الماء»، وهو عبارة عن نصوص نثرية بالعربية، ترجم بعضها إلى اللغتين الانكليزية والرومانية، ونصوص أخرى من شعر التفعيلة، مثل «عند مجيئك» التي تقول فيها:
أعرف أنك تكتب اسمي الآن /يتماهى الشوق الظامىء في عينيك/نحو بحار الروح/والشمس الكبرى/تكبر.. تصغر/ يا شيخ البحر/وجهك حبة قمح/حبلى/بأوراق الورد...
وهي تجنح إلى الرمزية في معظم هذه النصوص، كقولها في النص السابق:
لن تدرك نجمي/حجزت خلايا الماء/في محراب الصمت!...
وترثي في نص «على قبرك وردة» الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، فتخاطبه بكلام شفاف ورقيق، نابع من قلبها النابض بالحرقة والألم على فقده قائلة:
أيها المسكون بحب أرض اسمها فلسطين /بحب وطن اسمه فلسطين/ بحب دمعة توسدتك إلى الأبد /ببكاء عشته طويلاً/جمر قلبك وزع شظاياه/ليحتفلوا بيوم ميلادك /بيوم رحيلك/بنبوءة الوجع الأسطوري/على أرض اسمها فلسطين..
وتتبلور الشاعرية الطلقة، وتترفق العواطف المتأججة في قولها: يا سيد الجرح المضيء/ من بعدك كم شاعر سيقول: «أحن إلى خبز أمي» لا جدوى من البكاء الآن/ سأفتح شرفات الأحلام/ لتشعل قصائدك الحنين..
وينبض حسها الوطني، ويبدو بأجلى مظاهره في نصها «كيف أرضى؟» الذي تعلن فيه أنها لا ترضى من فارس أحلامها إلا أن يكون بطلاً مقداماً، ومقاتلاً شجاعاً، يغني للحرية، ويدافع عن الوطن بالغالي والنفيس، فتقول:
كيف أرضى أن تكون فارسي في الغرام؟/كيف أرجو أن ينبت في رحمي وليد؟/يغني للحرية/للإباء /للشموخ/وأرضك العذراء/ تشوهت بأقدام وأدران الطغاة/ كيف أرضى أن تهرق الدماء/ وأنت في عرين الملك جامد؟..
إن معظم نصوص سها في كتابها «صلاة الماء» تدور حول الوطن العربي، وما يعانيه من فرقة وانقسام، وإرهاق وشقاق، وحصار، وتناحر، وضغوط خارجية.. كما في نصوص: «أنا يا بيروت ما عدت أعزل» و«طفل العراق» «لا قاتل ولا مقتول» و«إني شهيدك يا لبنان».. حيث تقول: لبنان يا سيد البحر/ ياعروس بلاد الشام/ اغتصب الغادرون مواويل الجبال/ فأذني للروح أن تغادر/ لتسكت الريح../ لبنان يا عروس الأبيض الكحيل/ انزعي البكاء عن العيون/ فاليوم يوم الشهيد..
أخلص من هذا الكلام إلى أن السيدة سها جلال جودت أديبة متميزة ومتمكنة من أدوات الكتابة، متينة اللغة، وارفة الخيال، بارعة التصوير، خصبة العطاء.. وقد استطاعت أن تنجح وتتفوق في كل ما كتبته من أجناس أدبية، وتبدع فيها أيما إبداع على الرغم من حداثة تجربتها.. فهي أديبة قديرة، وشاعرة موهوبة، قبل أن تكون مربية أجيال، ولو عزفت عن العمل في التعليم الذي يقتل الإبداع ويجفف المواهب وانصرفت كلياً إلى الأدب في سن مبكرة، لأعطت أضعاف أضعاف ما أعطت، ولأغنت المكتبة العربية بعدد أوفر من الكتب القيمة.
عيسى فتوحhttp://www.albaath.news.sy/user/?id=1046&a=92814