مدرس ممل + نشاط غائب = طالبًا سلبيًّا
حاتم محمد عبد القادر**
نتاج الحفظ والتلقين
نتاج الحفظ والتلقين
تعتبر الأنشطة المدرسية التي يقوم بها الطلاب على هامش المقرر الدراسي الرسمي من أركان العملية التعليمية، إذ تعزز وتنمي قدراتهم، وتعمل على تنمية مهاراتهم وتوسيع مداركهم واكتشاف مواهبهم وتطويرها، وتعد هذه الأنشطة من الأساليب التعليمية التي تبعد الطالب عن أساليب الحفظ والتلقين التي تربت عليها أجيال كثيرة.
ورغم أننا في الألفية الثالثة، وهو ما يقتضي تطوير طرق التدريس وتعدد الأساليب التربوية لإتمام العملية التعليمية، والاهتمام بمحورها (الطالب) فإننا اليوم أمام نفس الطرق التقليدية في مدارسنا وعدم اهتمام المدرسة بالأنشطة الطلابية وتنمية مهارات الطلبة.
أساليب جديدة
يقول أ.د. محمد وجيه الصاوي، أستاذ أصول التربية الإسلامية ووكيل كلية التربية جامعة الأزهر: إن الناظر للعملية التعليمية يجد أنها تأخذ صورة نمطية أو رسمية تتمثل في عرض الدرس وأبعاده، ومتن الموضوع الخاص بالمادة المقررة في الكتاب الرسمي، وعند تناول الطلاب له يجدونه جافا، فتصبح المادة شبه رسمية وبها جمود، ولكن عندما يبدأ المدرس في تقديم بعض الأنشطة التي تساعد على فهم هذه المادة يزول هذا الجمود، فعندما يدعو مدرس مادة التاريخ مثلا الطلاب لجمع طوابع البريد، فيمكنه من خلالها التعرض لذكرى تخليد عظيم ولأحداث ومناسبات وطنية مهمة وغيرها، ويمكن أن تتحول هذه التجربة إلى هواية محببة لدى بعض الطلاب، وبهذا يكون الدرس قد تكاملت أركانه وأنشطته التي تساعد على الفهم، فيصبح التعليم مشوقا وبه متعة.
وللأنشطة المصاحبة للدرس عدة فوائد، يذكر د.الصاوي منها:
- تنشيط الطالب وتنمية مداركه.
- الاعتماد على النفس في البحث والحصول على المعلومة، وهذا هو التعلم الذاتي، وهو الفكرة الجديدة في التعليم، أي أن نعلم الطالب كيف يتعلم.
- توفير جهد المعلم ووقته في إعداد المادة.
- جعل التعليم مشاركة بين المعلم والطالب.
- مساعدة المعلم في اكتشاف المواهب.
- المنافسة الشريفة بين الطلاب من أجل مزيد من العلم.
- تنفيذ الطلاب الأنشطة لزملائهم الأقل منهم في المرحلة.
- تزيين الفصول بهذه الأنشطة.
أنشطة متعددة
أما هالة عثمان، مديرة دار حضانة، فترى أن هناك أنشطة متعددة يكون لها دور كبير في تنمية قدرات الأطفال كالنشاط الرياضي الذي يحسن صحة الطفل وينمي استعداداته الذهنية، وتقول: إن من المهم تعريض الأطفال لمجموعة كبيرة من الخبرات عن طريق الألعاب التي يكون لها مغزى علمي، فلعبة الصلصال تنمي قدرات أصابع اليد، وهو ما يساعد الطفل في عملية الكتابة، بينما تجذب الألوان الطفل وتخلق عنده روحا فنية، وهناك أيضا المكعبات والمسابقات التي تساعد الطفل على اكتساب مهارة المنافسة وتقوية دافع الإنجاز، أما مسرح العرائس فهو يدعم بعض القيم لديه، ويكسبه قيما جديدة عن طريق القصة؛ لأن أسلوب الأوامر والنصائح المباشرة قد يعطي رد فعل عكسيا لدى الطفل، كما أنه أسلوب ممل جدا لا يتقبله الأطفال.
وتضيف د. فدوى نور الدين أستاذ علم النفس بكلية رياض الأطفال جامعة حلوان: من المهم جدا أن يمارس الأطفال الأنشطة سواء في المدرسة أو في دور الحضانة، ومن الضروري أيضا أن تكون هذه الأنشطة متنوعة تشمل الرياضة والموسيقى والرسم وغيرها، بحيث يتعرض الطفل للكثير من الخبرات التي يستطيع من خلالها أن يتعرف على موهبته، فلن يتمكن أي إنسان من اكتشاف مواهبه إلا إذا قام بممارسة هذه الأنشطة والتعرف عليها عن قرب، حتى إذا لم يكن موهوبا فيها، فتعلم الموسيقى وقواعدها يجعله يستطيع أن يتذوقها ويميز بين الجميل والقبيح منها، نفس الشيء بالنسبة للرسم فقد لا يكون الطالب موهوبا فيه، ولكن بمعرفة بعض الأساليب الفنية والجماليات فإنه يستطيع أن يستمتع بالمعارض الفنية أو أي منظر جميل، وبهذا ننمي الذوق العام للأطفال منذ الصغر، وننشئ جيلا غير هذا الجيل الذي فقد الإحساس بالذوق وتدني مستواه الفني، وبمعنى آخر فإن التعليم هو المسئول الأول عن رفع مستوى الذوق العام.
مدارس اليوم ومدارس الأمس
وتعود عبير محمود، مدرسة علوم للمرحلة الابتدائية، بذاكرتها إلى الوراء وتقول: عندما كنا صغارا في المدرسة كانت الأنشطة العلمية التي نمارسها فيها أكثر من الآن بكثير، على الرغم من أن المنطقي أن تتطور الأمور للأمام لا العكس، فمعامل المدرسة الآن فقيرة جدا بالمواد الخام ومستلزمات التجارب، نحاول بأقل الإمكانات أن نوضح للأطفال بعض التجارب العملية؛ لأنها ترسخ في أذهانهم المعلومة بشكل أكثر ثباتا وهم في هذه السن، كما أنها تنمي قدراتهم واستعداداتهم العلمية والإبداعية، وتصبح العملية التعليمية بالنسبة لهم تجربة ترفيهية ممتعة تنشط الذهن ولا تشعرهم بالملل. أما أسلوب التلقين النظري فقد عفا عليه الزمن لأن كل الأطفال ينفرون منه في عصر المعلومات والفضائيات والإنترنت، وإذا لم يجد الطفل أن المدرسة مواكبة لهذا التطور فسوف يفقد تقديره لها وتفقد المدرسة مصداقيتها لدى الطالب؛ لأنها تعيش في عالم بعيد كل البعد عن عالمه الذي يعيشه.
أما د. ممدوح فضل الله، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، فيقول: هناك الكثير من الأنشطة المدرسية التي كانت موجودة في الماضي كالإذاعة المدرسية والمكتبة والرياضة والملاعب والاقتصاد المنزلي، كما كان هناك تعليم لبعض الحرف مثل: النجارة والسباكة، وهذه الأشياء مفيدة جدا لتوسيع مدارك الطلبة، وتكسبهم مهارة الحرف اليدوية التي تعد مهمة جدا للإنسان في حياته المستقبلية خاصة أنه سيحتاج مثل هذه الأمور في بيته أو مكان عمله... إلخ، كما أن الاقتصاد المنزلي مفيد جدا للفتاة منذ صغرها؛ لأنه يعلمها الكثير عن المطبخ وتدبير ميزانية الأسرة والأشغال اليدوية الجميلة مثل التفصيل والتطريز، وهذا كله يجعل أفق الطالب مفتوحا على عوالم كثيرة، وليس منصبا فقط على المنهج الدراسي الذي كثيرا ما يتميز بالتعقيد والرتابة، وبما أن هذه الأنشطة قد اختفت بشكل واضح فإن هذا مؤشر خطير على أن المجتمع يمر بحالة نكوص شديد ورجوع إلى الوراء؛ لأن الأطفال هم شباب المستقبل، وما يتم في المدارس الآن هو خنق لقدراتهم الإبداعية أو على أقل تقدير هو عدم وجود رعاية جادة لمواهب الأطفال.
وتختلف مع هذا الرأي أ. زينب عبد الوهاب مديرة إحدى المدارس الخاصة فتقول: إننا نحاول الاهتمام بالأنشطة المدرسية بقدر كبير، حيث لدينا حجرة مجهزة للموسيقى بها معظم الآلات الموسيقية، ويتسابق الطلبة على تعلم الموسيقى بشكل واضح، كما أننا نهتم بالأنشطة المدرسية المتنوعة، والمكتبة أيضا مفتوحة دائما لمن يريد القراءة من الطلبة، وندرك طبعا أن المدرسة عليها عبء كبير في تنمية مواهب الطلبة.
الطلبة.. ماذا يقولون؟
ويقول أحمد وليد، طالب بالصف الرابع الابتدائي: لا أمارس أي نشاط أو موهبة بالمدرسة لأن الحصص متلاحقة والمواد الدراسية صعبة ولا يوجد وقت لممارسة الهواية، أما وقت الفراغ فأمضيه أمام الكمبيوتر في البيت، وإن كنت في وقت ما أحب الرسم والألوان، ولكن مدرسين الرسم مملون جدا، فكل عام يطلبون منا رسم نفس الموضوعات دون أي تغيير، كما أنهم لا يعلموننا كيف نرسم أصلا!
وتؤكد على هذا الكلام نورهان حمدي طالبة بالصف الثالث الابتدائي بقولها: إن والديها لا يسمحان لها بممارسة أي نشاط مع أنها تحب الكاراتيه إلا أنه غير مسموح لها أثناء الدراسة ممارسة أي رياضة؛ لأنها تكون متفرغة فقط للمدرسة والدروس الخصوصية، وغير مسموح لها بغير ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
**صحفي مهتم بالشأن الاجتماعي، يمكنكم التواصل معه عبر بريد صفحتنا adam@iolteam.com