6- عذاب: حذفت ياء عذابي في موضع واحد:
في قوله تعالى: (أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ(ي) (8) ص
حذفت ياء عذابي في( ص ) لأن المراد بالعذاب عذاب الآخرة، وهو عذاب دائم مستمر، وهذه الآية تتكلم عن كفار قريش، وهم لم يذوقوا العذاب، وما حصل فيهم هو قتل أعداد يسيرة منهم في بدر وأحد والخندق ويوم فتح مكة؛ زادوا عن المائة ولم يبلغوا المائتين؛ قال تعالى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) القمر. وفيهم حق ما تأخر لهم من العذاب؛ (لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ(ي).
وغير ذلك أثبتت الياء لما لم يذكر تأخير العذاب،
كما في قوله تعالى: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ (156) الأعراف، جاءت هذه الآية بعد الرجفة التي أصابت السبعين من قوم موسى عليه السلام؛
(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّـاـيَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ... (155) الأعراف.
فالمراد بالعذاب هنا عذاب الهلاك في الدنيا؛ لقوله تعالى: (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ) فدل على أن المراد به الهلاك في الدنيا، فمن شاء عجل له العذاب، ومن شاء عفا عنه، أو أخر عنه العذاب ليوم القيامة.
وكما في قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(7) إبراهيم.
لما كانت الزيادة على الشكر تكون في الحياة الدنيا فكذلك العذاب على الكفر، وفي الآخرة يكون أشد.
وكما في قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ(50) الحجر فإثباتها في (الحجر) لعطفها على الآية السابقة: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49) وهو أمر بالتبليغ؛ أي أغفر لمن تاب وآمن وهذا في الحياة الدنيا، والتهديد والوعيد لمن أعرض وكفر، وأرهب الوعيد من كان على الأبواب معجل غير مؤجل؛ ليرتدعوا ويتوبوا، وإن كان عذاب الآخرة يوصف له رهبته.
وكما في قوله تعالى: (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(ي) (16)،(18)،(21)،(30) القمر
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ(ي) (37)، و(فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ(ي) (39) القمر
فإثباتها في (القمر) لما جاءت في كل مرة تعقيباً وتنبيها بما حل بتلك الأقوام من الهلاك في الدنيا؛ قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط.
7- عقاب: حذفت ياء عقابي في المواضع الثلاثة التي جاءت في القرآن الكريم؛
في قوله تعالى: (وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ(ي) (32) الرعد
وفي قوله تعالى: (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ(ي) (14) ص.
وفي قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَـاـدَلُوا بِالْبَـاـطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ(ي) (5) غافر.
العقاب في هذه المواضع هو الخاتمة السيئة لهم بالهلاك أو العذاب في الدنيا، ويمتد ذلك السوء لهم إلى الآخرة.
و العقاب في هذه المواضع غير العذاب في المواضع السابقة؛ فالعذاب في الدنيا قد لا يعذب به في الآخرة،
فمثلاً العذاب بالغرق، أو الزلزلة، أو الصيحة، أو الصواعق، أو الخسف، أو بالأمراض، وبالقحط، وغير ذلك؛ قد يقع بقدر الله على المؤمنين، وليس ذلك عاقبتهم، بل يعد الميت شهيدًا في بعضها. فلذلك يتميز العذاب في الدنيا عن العذاب في الآخرة وإن سمى كل منهما بالعذاب.
أما العقاب؛ فهو ما انتهى إليه الكفار من سوء العاقبة، ونهاية أمرهم في الدنيا على هذا الحال الذي لن يتغير في الآخرة، بل إن نهاية أمرهم بالعقاب دالٌ على ما يؤول إليه أمرهم في الآخرة، وعاقبتهم السيئة فيها، فلم يأت إلا بحذف الياء وجاء العذاب بحذف الياء وإثباتها.
8- ونذر : حذفت ياء نذري في ستة مواضع، وكلها في القمر؛
قال تعالى: (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(ي) (16،18،21،30) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ(ي) (39،37) القمر.
نذر جمع نذير فإذا تحققت نذر الله للكافرين في الدنيا فتمامها في الآخرة، ولا قاطع لها.
9- نذير : ذكرت نذيري مرة واحدة وقد حذفت ياؤها؛
قال تعالى: (أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ(ي) (17) الملك.
تأجيل العلم بالنذر لما تقع؛ هو مما يحدث في الآخرة، فحالها كحال حذف ياء عذابي في ص؛ (بل لما يذوقوا عذاب(ي). فحذفت الياء علامة لاستمرار ما حل عليهم في الدنيا ليكون أشد عليهم في الآخرة.
10- نكير: ذكرت نكيري في أربعة مواضع، وقد حذفت ياؤها؛
قال تعالى: (وَأَصْحَـاـبُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَـاـفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(ي) (44) الحج.
قال تعالى: (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَـاـهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(ي) (45) سبأ
قال تعالى: (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(ي) (26) فاطر
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(ي) (18) الملك
هذا ما حدث لفرعون، والذين كانوا من قبله، وهو مقدمة لعذاب الآخرة الذي لا ينقطع؛ فحذفت الياء علامة للاستمرار النكير عليهم.
11 - وعيد: ذكرت وعيدي في ثلاثة مواضع؛ وقد حذفت الياء فيها
قال تعالى: (وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ(ي) (14) إبراهيم
قال تعالى: (وَأَصْحَـاـبُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ(ي) (14) ق
قال تعالى: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ(ي) (45) ق
نذري ونذيري ونكيري ووعيدي كلها من باب واحد من باب عقابي الذي مر ذكره؛ فإنذار الله لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة، وإنكاره ما هم عليه بتغير ما كانوا عليه من النعم بالعذاب في الدنيا والآخرة، ووعيده لهم بإنزال العذاب بهم في الدنيا والآخرة، فمتى تحقق الإنذار والإنكار والوعيد في الدنيا، وانتهت به حياتهم، ولا عمل لهم بعد ذلك يصلح عملهم، ويعتبهم عند ربهم؛ استمر ذلك الأمر عليهم في آخرتهم؛ فلهذا الامتداد والاستمرار حذفت الياء في هذه الكلمات.
أبو مُسْلِم/ عبْد المَجِيد العَرَابْلِي
المدونه
http://arabli.maktoobblog.com/