بسم الله الرحمن الرحيم
طبق آخر من أسرار الرسم القرآني في أسماء الأنبياء وغيرهم
بعد تقديم الطبق الأول، والذي ذكرنا فيه؛ أسماء الله تعالى وصفاته في أقسامها الثلاثة؛ التي نال الألف فيها الحذف، أو الإثبات، أو الحذف والإثبات ...
نقدم طبقًا ثانيًا من أسماء الأنبياء عليهم السلام وأسماء غيرهم.
والقاعدة في حذف الألف في أسماء الأنبياء وغيرهم؛ أنها إذا كانت أسماء خاصة بهم لا يشاركهم فيها أحد تحذف الألف لأنها علم عليهم وحدهم؛
وإذا كانت تفيد صفة سلب لا امتداد وزيادة.
أو تدل على الوقوف عند حد لا يخرج منه ولا يعداه،
في هذه الأحوال تحذف الألف من الاسم.
وإذا أفاد الاسم صفة امتداد وزيادة، وتميز لصاحبه فيها عن غيره، تثبت فيه الألف.
ومعظم هذه الأسماء لرجال من أقوام أعاجم، إلا أن هذه الأسماء لها جذور في العربية، ومنها تعرف سبب تسميتهم بها، والواقع يدل على توافق التسمية مع حياة وسيرة المسمى بها.
أسماء حذفت فيها الألف
1- إبراهيم : 69
قال تعالى : (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) النجم
جاء اسم إبراهيم عليه السلام من مادة "برهم" وهي في المعنى " البرعم"؛ وقد ساد الظن بأن "تارح" والد إبراهيم عليه السلام قد مات، ولم يترك من خلفه ذرية له، فكان كالشجرة الميتة؛ فإذا بهذه الشجرة يخرج لها برعمة وتحيا من جديد؛ هو إبراهيم عليه السلام، الذي رباه عمه "آزر" والعم يسمى أبًا وخاصة إذا ربى ابن أخيه، كما سمي إسماعيل أبًا ليعقوب عليهما السلام، ثم ليكون بعد ذلك برعمة تمتد عبر الزمان، ليكون إمامًا للناس، وفي ذريته انحصرت النبوة والكتاب.
2- إسحاق : 16
قال تعالى : (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـاـهَا بِإِسْحَـاـقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَـاـقَ يَعْقُوبَ (71) هود
إسحاق عليه السلام جاء اسمه من مادة "سحق" وهي في البعد الشديد؛ يقال أسحقت المرأة إذا بلغت من الكبر عتيًا؛ فكانت أبعد ما تكون عن الحمل والولادة؛ فلما أسحقت أم إسحاق ولدت إسحاق؛ فكان آية خاصة من آيات الله تعالى، وأصبح هذا الوصف له اسمًا علمًا عليه لا يشاركه أحد فيه؛ فأسقطت لذلك الألف من اسمه.
3- إسرائيل : 43
قال تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْءانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) النمل.
إسرائيل هو اسم آخر ليعقوب عليه السلام، واسمه جاء من السرء وهو بيض الجراد، ومعلوم أن بيض الجراد عدده في كل وضع للجرادة ما بين (400) إلى (500) بيضة، وتضعه الجرادة بيضها في خفاء في داخل الرمل. ولذلك سمي بهذا الاسم.
والستر والخفاء مشترك في استعمال كل الجذور التي فيها حرفان صحيحان؛ السين والراء، وكانت السين متقدمة على الراء، ومعهما أحد حروف العلة أو الهمزة؛
1. أسر: الأسير يظل بعيدًا عن أهله ويحصر في مكان يستره.
2. سأر: السؤر ما بقي من الشراب الذي ذهب وخفي، وسائر الناس؛ بقيتهم التي غابت ولم تحضر، أو لم تذكر.
3. سرأ: السرء بيض الجراد المدفون في الرمل ومستور فيه.
4. وسر: جذر مهمل لم يستعمل.
5. سور: السور يستر ما خلفه ويحفظه.
6. سرو: شجر يختفي الساق بين أغصانه الملتفة عليه، وسراة القوم رؤساؤهم الذين لا يصل إليهم ويخالطهم إلا الخاصة من الناس.
7. يسر: اليسر يغني عن الخروج على الناس ومزاحمتهم في طلب الرزق.
8. سير: السير التواصل في المشي على الطريق يجعل السائر يختفي فيه.
9. سري: السري المشي متسلحًا بستر الليل له.
10. سرر: السر كلام خفي يستر عن الناس ولا يعلمه إلا عدد قليل.
11. سرسر: السُّرْسُور الفطن العالم الدخَّال في الأمور؛ أي أنه يكشف الغامض منها والمستور.
12. سسر: مهمل
هذه شجرة من اثني عشر فرعًا ؛ تجتمع على معنى واحد، ويخصص الحرف الثالث والترتيب فيها؛ ما يميز كل جذر منها عن البقية.
ومن أراد معرفة سبب التسمية في الجذور التي فيها حروف العلة؛ عليه مراجعة كل الجذور التي فيها نفس الحرفين الصحيحين مع أحد حروف العلة، أو التي ضوعف فيها أحد الحرفين أو كلاهما.
وقيام هذه الجذور على معنى التفلت للسين والالتزام للراء؛ فالتفلت يغيب الشيء، وقد ينشره ويبعثره، لكن الالتزام يجعله متماسًا مع بعضه.
وعيش بني إسرائيل في كل زمان ومكان؛ قلة بين كثرة، لكنهم يظلون مجتمعين ولا يذوبون في المجتمعات التي يعيشون فيها.
ولذلك؛ فالمواضع التي ذكر فيها إسرائيل هي مواضع المنة على بني إسرائيل بما أنعم الله عليهم وأبقاهم على شدة ما يقع عليهم.
فكان هذا الأمر خاصًا لم يكن إلا لبني إسرائيل لذلك سقطت الألف من الاسم .. بالإضافة إلى ما فيه من السلبية عليهم.
4- إسماعيل : 12
قال تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَـاـبِ إِسْمَـاـعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) مريم.
إسماعيل عليه السلام اسمه من مادة "سمع" والسمع هو الاستجابة لما يصله من علم وأمر، فاستجاب لوالده (إبراهيم عليه السلام)؛ الذي أخبره أن رأى في المنام أنه يذبحه، من غير ذنب اقترفه؛ ولم تكن هذه الرؤيا اختبار لإبراهيم عليه السلام بقدر ما كانت بداية عهد لأمة في أعلى درجات الاستماع لأمر الله عز وجل، لتكون محل فخر واقتداء لذريتهما؛ ففي ذرية إسماعيل عليه السلام ستكون الأمة التي تحمل آخر الرسالات للبشرية جمعاء، وستتحمل هذا الأمة طواعية تنفيذ أمر ربها، وستقدم أبناءها طواعية للذبح في ميادين الجهاد في سبيل الله، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم، وكما فعلت الخنساء رحمها الله تعالى، وكما فعل رجال هذه الأمة في المواقع الكثيرة في تاريخها الذي امتد عصورًا طويلة، وسيستجيب الأبناء لهذا الأمر طواعية ورغبة في تنفيذ أمر الله تعالى، ويتسابقون فيه... غير عابئين بتحقيق مكاسب الدنيا ... فكان لا بد من أن يكون أبوهم أول المضحين فيه من غير تردد. فحملت ذريته هذه الأمانة من بعده وعملت بها، واستحق أبو عبيدة بن الجراح لقب أمين هذه الأمة؛ لقتله أباه المشرك الذي وقف في سبيل نشر دعوة الله.
فكان اسم إسماعيل عليه السلام من حدث لم يفتن فيه غيره، وبلاء استمر على مدى السنين؛ فسقطت لذلك الألف من اسمه.
5- سليمان : 17
قال تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـاـنَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) ص.
سليمان عليه السلام من مادة "سلم"؛ وهي في العلو والعزة ؛ فشجر السلم لا يستطيع أحد أن يعلوه بسبب شوكه، والسُّلَّم يمكنك من العلو على أعلى البيوت وأسطحها، والسلام اسم لله تعالى لعزته وعلوه، والسلام اسم للجنة لعلو مكانها ومنزلتها، والإسلام هو دين العزة والعلو لله بالعزة والعلو على شياطين الإنس والجن، وسليمان عليه السلام أخضع الله له الإنس والجن والطير، وجعله يعلو في السماء بالريح التي سخرها له، فاتصف سليمان عليه السلام بما لم يتصف به غيره وتعلق بسبب تسميته؛ لذلك سقط رسم الألف من اسمه.
6- صالح : 9
قال تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَـاـلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) الشعراء.
الصالح هو من يعمل العمل الصالحات ويبثبت عليها؛ أي يبقى على ما يحبه الله وتعالى ويرضاه من طاعته، ولا يخرج عن طاعته إلى معصيته، وكانت ثمود هي ذرية الناجين من عاد قوم هود عليه السلام، ثم تحولوا تدريجيًا إلى الكفر والشرك، وبقي صالح عليه السلام لم يخرج عن الإيمان فبعثه الله تعالى رسولا إلى قومه.
وسقطت الألف من اسم صالح عليه السلام، ومن كل وصف لشيء بأنه صالح؛ لأن الصلاح هو الثبات على ما هو خير وما فيه رضا الله تعالى، وعدم الامتداد إلى ما بعده من المحرمات والمعاصي والشرك والفتن والمغريات.
7- عمران : 3
قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَـاـلَمِينَ (33) آل عمران.
عمران هو اسم علم لوالد مريم عليها السلام، ومعنى عمران: الرجل التقي الخفي الذي لا يفطن له أحد، ولا يأبه به، لدرجة أن زوجه نذرت ما في بطنها لله دون الرجوع إليه، ولولا ما حدث من قدر الله تعالى لابنته مريم؛ ما سمع به أحد، ولما نال هذه الشهرة لارتباط اسم ابنته مريم به وهي أشهر امرأت عرفت في التاريخ؛ يكاد لا يجهل اسمها في الأرض إلا المجهول فيها... فهو حالة لا مثيل لها في التاريخ لذلك سقطت الألف من اسمه... فوق ما يدل عليه اسمه.
8 - لقمان : 2
قال تعالى : (وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَـاـنَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) لقمان.
لقمان اسم علم لرجل صالح وقف عند حدود ما يحبه الله ويرضاه، وهي عين الحكمة التي فيها صلاح أمره في الدنيا والآخرة ؛ ولذلك سقطت الألف من اسمه لأنه لم يمتد ولم يتجاوز عما لزم من الحكمة التي آتاها الله تعالى له، واستوعبها، وامتلأ قلبه بها.
9 - هارون : 20
(وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَـاـرُونَ نَبِيًّا (53) مريم.
هارون اسم يدل على الرجل الذي يكون أهلا لما يكلف به، ولذلك جاء اسم هارون عليه السلام ليدل على نظرة أخيه إليه بأنه أهل للنبوة ولوزارته، ومع أنه نبي إلا أنه لم يخرج عن طوع موسى عليه السلام، ولم يفعل من نفسه شيئًا دون الرجوع إلى موسى؛ فقد توفي قبل موسى عليهما السلام؛ ولذلك سقطت الألف من الاسم لوقوف صاحبه على ما يكلف به، ولم ينفرد بالأمر وحده.
وكذلك كانت النظرة لمريم بأنها أهل للطهارة والصلاح، ولن تخرج عن ذلك؛ فخاطبها قومها (يا أخت هـاـرون)، وحذفت ألف هارون كذلك لنفس السبب.
أسماء لملائكة
وردت أربعة أسماء في القرآن الكريم لملائكة فيها حرف الألف؛ ولم يخبرنا تعالى عن غيرهم، فهي أسماء علم عليهم ولا تمتد لغيرهم؛ لذلك سقطت الألف منها؛
1 – مالك : 1
(وَنَادَوْا يَـاـمَـاـلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّـاـكِثُونَ (77) الزخرف.
2 - ميكال 1
قال تعالى : (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلـاـئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـاـلَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـاـفِرِينَ (98) البقرة.
3 – ماروت : 1
4 – هاروت : 1
قال تعالى : (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـاـنُ وَلَـكِنَّ الشَّيْـاـطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـاـرُوتَ وَمَـاـرُوتَ (102) البقرة.
ومع أنها أسماء خاصة بملائكة إلا أن عملهم كان فيه سلب وليس زيادة؛
فخازن النار مالك يسلب أهلها الراحة والهناء، بما يصب عليهم بمن معه؛ من أنواع العذاب، إلى أن تكون غاية مطلبهم الهلاك للخلاص من العذاب.
وميكال المخصص بالأرزاق؛ ينقص لكل واحد نصيبه من الرزق من جملة الأرزاق التي لا عمل له في وجودها.
وهاروت من هرت العرض والثوب؛ أي مزقه، وعمله هو التفريق بين الزوجين، وهرت العلاقة التي بينهما.
وماروت عمله مثل هاروت، وهو من المرت؛ وهو القفر الذي لا نبات فيه، والإفساد والتفريق بين الزوجين مانع لإنبات الذرية منهما.
أسماء أشقياء حذفت فيها الألف
1 – الشيطان : 70
الشيطان اسم علم لإبليس خاصة، وهو اسم من مادة "شطن" وهي مادة تبعد الشيء عن الاعتماد على غيره؛ ولذلك سمي الحبل الثاني للدلو بالشطن لأنه يبعد الدلو من الاعتماد على جوانب البئر، لئلا يتمزق عند رفعه على جوانب البئر، وكذلك يثبت الشطن الفرس مكانه مع الحبل الآخر، وعمل الشيطان هو إبعاد الإنسان عن الاعتماد على الله تعالى، فلا يجد الإنسان بعد الله تعالى أحدًا يعتمد عليه، وكل من يعمل عمل الشيطان من الإنس والجن هو شيطان مثله، وإسقاط الألف ليس لعدم وجود المثيل؛ ولكن لأن عملهم سلبي في التراجع عن عبادة الله تعالى وتوحيده، ففيه نقص وليس زيادة وامتداد؛ ولا مفاضلة في صفات النقص، فلأجل ذلك سقطت الألف.
قال تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـاـبَنِي ءادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَـاـنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) يس.
2 - الطاغوت : 8
قال تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّـاـغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الزمر.
الطاغوت اسم لكل ما يعبد من دون الله عز وجل، وعمل في الصد عن سبيل الله، وإبعادهم عن طاعة الله تعالى والإخلاص له بالعبادة؛ فدوره سلبي في السوء كالشيطان، والشياطين من رؤوس الطواغيت؛ لذلك كتب الاسم بإسقاط الألف. لأنهم لا يزيدون من يتبعهم خيرًا، بل يسلبونهم نعمة الإيمان وإخلاص الطاعة لله والأجر الثواب.
3 - قارون : 4
قال تعالى : (إِنَّ قَـاـرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَءاتَيْنَـاـهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (76) القصص.
قارون اسم رجل من بني إسرائيل قريب لموسى عليه السلام؛ اختار أن يكون بجانب فرعون.
اسم قارون جاء من مادة قرن؛ وهي مادة تستعمل في اجتماع اثنين على خلاف، فهو يجتمع مع موسى عليه السلام في كونهما من بني إسرائيل، ولكنه خالف بني إسرائيل فاتبع فرعون بدل اتباع موسى عليه السلام، وقد سقطت الألف لعلمية الاسم عليه وحده ولسلبيته.
ومن نفس المادة؛ قرنا الثور وغيره؛ لاجتماعهما في الرأس واختلافهما في الاتجاه.
وكل نبي يرسل إلى قومه ينقسم قومه إلى قسمين؛ قسم معه ويؤمن به، وقسم يخالفه ويكفر به؛ وقد خص الله تعالى القسم المخالف بالتسمية؛ لأنهم هم سبب الخلاف كما في قوله: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ(36) ق.
وقوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ (17) الإسراء.
وكل هذه المادة مبنية على نفس الاستعمال، وقد شاع القول عن عقد الزواج بعقد القران؛ وهي تسمية خاطئة مخالفة لاستعمال الجذر.
4 – هامان : 6
قال تعالى : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَـاـهَـاـمَـاـنُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَـاـبَ (36) غافر.
هامان هو وزير فرعون وقد كان على نفس السلبية التي كان عليها فرعون؛ لذلك سقطت الألف من اسمه لتلك السلبية، ولكون الاسم علمًا عليه وحده.
ومن اسمه يدل على أنه مهيمن على رأي فرعون، وكان يعتمد عليه كثيرًا، فكان شريكًا له في الوزر والإثم، وفي الهلاك.
أسماء ثبتت فيها الألف
1 - إلياس : 3
قال تعالى : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّـاـلِحِينَ (85) الأنعام.
وقال تعالى : (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123) ، (سَلَـاـمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) الصافات.
إلياس من مادة "لَيَسَ" وهي للالتصاق في المكان وعدم التحول عنه؛ فالأَلْيَسِ: الّذي لا يَبْرَحُ بَيْتَه أو مَنْزِلَهُ، وإِبِلٌ لِيسٌ على الحَوْضِ، إِذا أَقَامَتْ عليه فَلَمْ تَبْرَحْه والأَلْيَسُ: مَن لا يُبَالي الحَرْبَ ولا يَرُوعُه. واللِّيسُ واللُّوسُ: الأَشِدَّاءُ. والأَلْيَسُ: الأَسَدُ، لِشِدَّتِه. لأنهم لا يبرحون أماكنهم عن جبن أو خوف.
ولَيْسَ كلمة دالَّة على نفي الحال، وتنفي غيرهُ بالقرينة نحو ليس خلق اللَّه مثلهُ . وبمعنى إلا كما في الحَدِيثِ: أَنّهُ قالَ لِزَيْدِ الخَيْلِ: ما وُصِفَ لِي أَحَدٌ في الجَاهِلِيَّةِ فَرَأَيْتُه في الإِسْلامِ إِلاّ رَأَيْتُه دُونَ الصِّفَةِ لَيْسَكَ أَي إِلاّ أَنْتَ.والنفي والاستثناء بليس؛ فيه بقاء الشيء المنفي المتروك، والمستثنى على حاله.
ودلالة اسم إلياس عليه السلام على أنه الثابت على موقفه من الإيمان أمام قومه، الممتد على حاله في رسالته، لذلك ثبتت الألف فيه لأنه موقف في الامتداد والإيجاب، وليس فيه السلب والتراجع.
2 - داود : 16
قال تعالى : (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَءاتَـاـهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء (251) البقرة
داود عليه السلام من مادة "دود" وهي مادة للانحصار في الشيء وإتلاف داخله،
والدود من نفس المادة، والتسمية له كانت من فعله العجيب، على ضآلته، فقد تجلت فيه قدرة الله تعالى؛ وكان من فعله:
- الدخول إلى لب النبات وإتلافه فينهار النبات من ذلك ويهلك.
- نسج شبكة لتكون شرنقة له تحميه في فترة تحوله، وانفراده فيها.
- تحوله مرة بعد مرة ليخرج منه فراشة تطير بدلا من أن تزحف على الأرض.
أما بالنسبة لداود عليه السلام؛
- فقد سمي بداود في القرآن الكريم بعد قتله لجالوت، وهو يمثل اللب بالنسبة لجيشه، فبدخوله إلى قلب الجيش وقتله لجالوت انهار جيشه وهزم.
- وصوته وصل إلى بواطن الجبال والطير؛ فرددت معه التسبيح.
- وهو تعلم صنع الدروع ونسجها، وهي تقابل صنع الشرنقة.
- وعند انفراده للعبادة يكون في معزل على الناس، فلم يصل إليه الشاكيان إلا بعد تسلق المحراب.
- وخرج منه الذي ورثه من بعده، وهو سليمان عليه السلام؛ الذي يسر الله له الريح تجري بأمره حيث أراد وأصاب، فكان تنقله بالريح بعد أن كان على ظهور الخيل.
فناسب هذا الامتداد الذي كان من داود عليه السلام ثبات الألف في اسمه، ووصف كذلك بذي الأيد لما نالت يداه جالوت وغيره.
قال تعالى : (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) ص.
3 - جالوت3
قال تعالى : (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـاـفِرِينَ (250) البقرة.
جالوت أحد جنود إبليس الذي جال في الأرض بالفساد فيها، ولطول يده في الأرض؛ سمي لذلك بجالوت من مادة "جول" ؛ ولذلك ثبت الألف في اسمه لهذا الامتداد الدال عليه اسمه. وكذلك له أمثال في الوجود على مر العصور؛ من هم فوقه، ومن هم دونه.
4 - طالوت 2
قال تعالى : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَـاـهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) البقرة.
طالوت رجل صالح أمده الله تعالى بالعلم والبسطة في الجسم؛ لذلك سمي طالوت من مادة "طول"، ولهذا الامتداد الذي كان فيه ثبتت الألف في اسمه .وكذلك ليس هو الوحيد الذي اتصف بهذا الوصف.
أسماء فيها ألفان متجاورتان
1- آدم : 25
قال تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه.
2 - آزر : 1
قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءالِهَةً إِنِّي أَرَـاـكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلـاَـلٍ مُّبِينٍ (74) الأنعام.
القاعدة في ذلك أنه لا اجتماع في الرسم لألفين أو واوين أو ياءين متجاورة.
ذلك لأن الألف تفيد الامتداد وحصول مدين متتاليين يعد مدًا واحدًا.
وكذلك الواو تشير إلى الباطن؛ فإن كان في داخل الجزء الباطن باطن آخر؛ فكلاهما يعد باطنًا واحدًا.
والياء تشير إلى التحول؛ فإن حصل للشيء تحول آخر، بعد التحول الأول؛ يعد تحولًا واحدًا.
لذلك كانت القاعدة رسم الألفين ألفًا واحدة،
ورسم الواوين واوًا واحدة، إلا إذا كانت إحدى الواوين مدية والأخرى حرفًا صحيحًا،
ورسم الياءين ياء واحدة؛ إلا في حالات خاصة وكان التحول الثاني لا يلغي الأول.
أبو مُسْلِم/ عَبْد المَجِيد العَرَابْلِي