روايات وقصص من الخيال العلمي

د. قصيّ الشيخ عسكر






إصدارات مؤسسة شمس للنشر والإعلام

متوافرة في

معرض القاهرة الدولي للكتاب

28 يناير - 13 فبراير 2010

سرايا 2




عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر كتاب "روايات وقصص من الخيال العلمي" للأديب "قصي الشيخ عسكر" رائد أدب الخيال العلمي في المهجر.
يقع الكتاب في 152 صفحة من القطع المتوسط، ويضم خمس قصص طويلة، هي: آدم الجديد - سُكَّان مختارين - الحاوية - قصة من عام 2784 - مدن الضوء. بالإضافة إلى ست قصص قصيرة، هي: البوم - دقائق الصفاء - اختراع - القرد - تداخل الحواس - سري للغاية.

عن الكتاب يقول الناقد والأكاديمي د. عبد الرضا عليّ

( قصص الخيال العلمي تحتاجُ إلى مُخيّلةٍ مكتنزةٍ بالثقافةِ الشاملةِ، والإطلاع المعرفيِّ الواسع، والقدرةِ الفائقةِ في صياغةِ الموضوعِ المُتخيّلِ، وتقديمهِ على نحوٍ مدهشٍ مثيرٍ وثّابٍ، فضلاً عن درايةٍ خبيرةٍ في التقنيةِ المناسبةِ لبناءِ الحبكةِ، بوصفها بوتقةَ الأحداثِ المتواليةِ التي ترتبطُ فيما بينها، بأزمنتِها المعيّنةِ لكي تؤصِّلَ النتيجةَ التي يبشّرُ بها النصّ، سواءً أكانت تلكَ النتيجةُ تبشِّرُ بانتصارِ الخيرِ، أم كانت تعلنُ عن اندحارِهِ..
وهذه القصصُ التي كتبها "قصي عسكر" قد تمثّلت فيها جميع تلكَ الضوابط والمواصفات التي ألمحنا إليها، لاسيّما قصصه الطويلة التي ركّزتْ على تقنيةِ المناجاةِ النفسيّة، أو ما اصطلحَ عليه بـ"المونولوج الدرامي" الذي كشف لنا عن وعي شخصيّات تلك القصص ولا وعيها وهي تحاور ذواتها باستغراق.
قصي عسكر مثقّفٌ شاملٌ، فهو شاعرٌ مبدعٌ، وقاصٌّ متمكّنٌ، وناقدٌ حصيفٌ، لذلك شكّلتْ مؤهّلاتُهُ المُكتسبةُ المتزايدةُ رافدًا مُهمًّا في تكملةِ استعدادهِ الفطريّ أو موهبتِهِ في صناعةِِ هذا المتخيّل السرديّ الجميل. )...


• • • • •

الناشر

<IMG height=65 width=132 border=0>


التوزيع عبر الإنترنت

<IMG height=34 width=120 border=0> / <IMG height=38 width=130 border=0>


الموزعون ومنافذ البيع
<IMG height=61 width=149 vspace=4 border=0>
<IMG height=500 width=350>

• • • • •




<IMG height=141 width=128>
د. قصيّ الشيخ عسكر

ithadkotab@maktoob.com


أديب وأكاديمي من مواليد العراق، عام 1951م. ويحمل الجنسية الدنماركية.
• دكتوراه في الأدب العربي من الجامعة الإسلامية، لندن.
• ماجستير في الأدب العربي من جامعة دمشق عام 1987
• دبلوم من جامعة دمشق عام 1983
• درس اللغة الإنجليزية لمدة ثلاث سنوات في معهد كامبردج في كوبنهاجن.
• عضو الهيئة التدريسية في كلية الآداب بالجامعة الحرة في هولندا
• حاضر في جامعة دمشق
• ألقى محاضرات عن الأدب الحديث في معهد الاستشراق في كوبنهاجن
• عمل مذيعًا ومقدم برامج في القسم العربي بالتلفزيون الدنماركي
• عمل مراسلاً لصحيفة الشرق الأوسط.
• أسّس اتحاد الكتاب العرب في الدول الإسكندنافية وتم اختياره لرئاسة الإتحاد
• يعد من الكتاب العراقيين والعرب الرواد في كتابة رواية الخيال العلمي
• نشرت قصائده وقصصه وبحوثه في كبريات الصحف والمجلات العربية مثل العربي والأهرام والشرق الأوسط.
• شارك في العديد من المؤتمرات والمنتديات الأدبية والفكرية في العراق والمغرب وسورية والإمارات والكويت والدنمارك وإنجلترا
• شارك في الكثير من الندوات التلفزيونية والإذاعية
• نشرت قصائده وقصصه وبحوثه في كبريات الصحف والمجلات العربية مثل العربي والأهرام والشرق الأوسط
• تمّ تدريس روايته " الشمس تقتحم مدينة الثلوج " في معهد الاسشراق/ جامعة كوبنهاجن، ووضعت في منهج الجامعة.
• تمّ تدريس روايته "نهر جاسم" في جامعة البصرة قسم اللغة العربيّة
• تمّ اعتماد روايتيه الاغترابيين وهما "آخر رحلة للسندباد" و"الموتى يزحفون" في المنهج المقرر لطلاب قسم الاستشراق في ألمانيا.
• نوقشت عن شعره رسالة ماجستير في جامعة البصرة بعنوان "شعر قصي الشيخ عسكر- دراسة فنية وموضوعية". كما تعد الآن عن أعماله الأدبية رسالة ماجستير في جامعة البصرة.
• كتب عن شعره وأدبه الكثير من النقاد والأدباء العرب

من إصدارته :
- رؤية : ديوان شعر، 1983
- صيف العطور الخرساء : ديوان شعر ، 1985
- رحلة الشمس والقمر : ديوان شعر
- المعبر : رواية ، 1985
- سيرة رجل في التحولات الأولى : رواية ، 1986
- المكتب : رواية ، 1989
- عبير المرايا : ديوان شعر ، 1992
- المختار : رواية
- شيء ما في المستنقع : رواية ، 1991
- نهر جاسم : رواية
- الشمس تقتحم مدينة الثلوج : رواية
- آخر رحلة للسندباد : رواية
- الموتى يزحفون : روايات اغترابية
- الأساطير الجاهلية وعلاقتها بالديانات القديمة : أطروحة دكتوراه.
- معجم الأساطير الجاهلية (قيد النشر)
- القصص الشعري العراقي (قيد النشر)
- قضايا مشتركة عند العرب والاسكندنافيين (قيد النشر)
- القاموس المشترك (عربي دنماركي إنكليزي) (قيد النشر)



- البريد الإلكتروني: ithadkotab@maktoob.com


• • • • •






قصة من عام 2784

من كتاب "روايات وقصص من الخيال العلمي"

لا شيء كان يتعامل مع الحلم وكأنه واقع سوف يحدث فيما بعد، فليس أمامه إلا أن يثني الضوء ثانية، من أجل أن يتحقق بدقة من الخبر القديم الجديد الذي اكتشفه أستاذه يوم ولادته، وأوكل إليه مهمة البحث فيه فيما بعد كي يُدرك من خلال التجربة الضوئية الجديدة أعماق المستقبل فيقرأ حوادثه وهي تمر أمامه بالتفصيل.

البروفيسور "رشاد" يضع لوحة المقياس أمامه، فينعم النظر في أحلامه وهو مولود ذو سبعة أشهر، طفل خديج وضع في الحافظة وثمت الدكتور "إقبال" الذي راح يترجم عبر جهاز يتصل برأس الخديج ما يرد من إشارات تنم عنها الأحلام، كانت نظرية الدكتور "رشاد" تذهب إلى أن جفن العين في حال النوم يمثل مرشحًا ومنصفًا للضوء، عندها تتحلل الموجة إلى أبعادها المستقبلية، وكلما كان الترشيح والتنصيف أقل كان الحلم أكثر وضوحًا وأبعد عن الغموض.
هذه الفكرة اقتنع بها وهو في سن العشرين عندما انتسب إلى الجامعة وناقش باهتمام آراء أستاذه الدكتور "إقبال" الذي راقب أحلامه وهو طفل في الحافظة، كان هناك اختلاف جوهري بين وجهة نظر يتبناها باحث حديث وأستاذ خبير لا يؤمن أساسًا بنظرية الترشيح والتنصيف بل يؤكد دائمًا أن الحلم يكون واضحًا إذا تعرض فرد ما لكمية ضوء طوال اليوم أكثر مما يحتاجها جسمه قبل النوم، لكن أهم شيء فعله الدكتور "إقبال" قبل وفاته هو أن سلَّم تلميذه "رشادا" لوحة أحلامه من يوم ولادته إلى آخر حلم له.
كان هناك حلم ما يتردد على اللوحة أكثر من غيره، ولم يكن بإمكان جهاز التحليل أن يدركه بل كان يحوله دائمًا إلى قسم الأضغاث، وتجسد الحلم في دائرة كبيرة جدًا بحجم التفاحة تستقر في أعلى اللوحة تقابلها دائرة صغيرة بقدر البذرة، الدائرة الكبيرة تتحرك باتجاه الصغيرة حتى تصل إلى مسافة أبعد من النصف عندئذٍ تتحرك الدائرتان كل منهما باتجاه الأخرى، فتتناثران في الفراغ.

وسأل البروفيسور "رشاد" أستاذه وهو يشير إلى الدائرتين:
- سيدي إني أسأل نفسي دائمًا لِمَ حولت هذا الحلم المبهم إلى قسم الأضغاث.
فقال الدكتور بلهجة الواثق من نفسه:
- الأحلام يا عزيزي انعكاس للواقع، يُشخصه العقل الباطن، وطفل حديث الولادة مثلك يكون انتقل من رحم الأم ذي الظلمة، إلى العالم الخارجي المتمثل بغرفة ولادة يملؤها الضوء، ولو أنك قارنت حجم الرحم بحجم الغرفة لوجدت ذلك الفرق بين التفاحة والبذرة وهو أول واقع واجهته وأنت تُطِلُ على العالم!

لم يقتنع قط بتعليل أستاذه الذي يُمثل المنهج الطلائعي، ويتمسك بكل منجز حققه في هذا المجال ويعده حقائق لا تقبل الجدل، في الوقت نفسه كان يثق بتجربته الجديدة في الضوء، التي جاهد أن تكون خاصة به حتى يتأكد من نجاحها فيذيع أسرارها فيما بعد، والحق إنه لم ينف نظرية سابقة ترى أن الأحلام جميعها انعكاس للواقع فالطريق العلمي الجديد الذي سلكه لا يُنكر أن معظم الأحلام انعكاس للواقع أي الماضي والحاضر، لكن بعضها يمكن أن يكون انعكاسًا لوعي السماء ذلك ما يمكن أن يطلق عليه اكتشاف المستقبل!
ربما يبدو من المحال تحقيق المعرفة تلك من دون أن نغير في شكل الضوء ذلك الخط المستقيم فالكون وهو سبب وجودنا بيضوي الشكل، الضوء عايش المستقبل قبلنا بملايين السنين.. الشعاع القادم إلى عيني من نجم مات قبل مليون سنة، ألا يعرفني حين يخترق جفني وأنا نائم؟ ألا يحمل إليَّ خبرًا سارًا أو إشارة تحذير؟ كيف أفهمه وهو مستقيم وأنا بهذه الصورة وكلانا يحتويه كون بيضوي الشكل؟

أسئلة كثيرة راودت ذهنه ودفعته إلى أن يقرأ رسالة السماء من خلال تغيير شكل الضوء فيوحد بينه وبين شكل الكون على الأقل كي نعرف ما يدور حولنا بعد سنوات، وأول ما فعله في تجاربه ثني الضوء تدريجيًا في حلقة تُشبه القوس وتسليطه على النائم المستسلم للحلم، تسليط حزمة ضوء مستقيمة على نائم ثم تحديب تلك الحزمة بجزء من المائة مليون، في المرة الأولى رأى النائم أشبه بالحفرة، مجرى، ساقية جافة ذات بريق، وفي المرة الثانية بزيادة طفيفة كانت هناك حفرة وبرفع نسبة التحديب قليلاً وجد النائم نفسه يسير في شارع وهو شارد الذهن مشغول الفكر وبعد بضعة أمتار قابلته حفرة تركها عمال الهاتف على الرصيف فزلت قدمه وهوى فيها.

بعد أقل من شهر علم أن طالب التجربة هوى في حفرة على الرصيف وفقد حياته، وجاءت التجربة الثانية لتزيل الشك من نفسه وتثبت صحة أبحاثه، ووسع من تحدب الضوء على متطوع آخر شاهد في الحلم وجه امرأة وطفل.. ثلاثة منفصلون لا تربطهم رابطة ما وكلما اتسع التحديب اتضح الثلاثة أكثر، المتطوع.. المرأة.. الطفل، ثم مر عام وإذا بالمتطوع يتزوج من امرأة مطلقة ذات طفل من زوجها الأول، هذا هو السر الخفي الذي غاب عنه ساعة رأى الصغير يقف جانب الأم ولم يكن ليتخذ مكانه بينهما وقد ظن من قبل أن الحلم ينبيء عن زواج ثم ولادة طفل في المستقبل هو نفسه طفل الصورة.

اقتنع البروفيسور "رشاد" أن الأحلام التي يعكسها الواقع من خلال الظلام والضوء المباشر غير المحدب قد تتحقق أو تخيب وربما تكون أضغاثًا، أما أحلام الضوء المحدب فكلها تنبيء عن المستقبل بصورة دقيقة وكلما زدنا في التحديب جزءًا من مئات الملايين ذهب الحلم أبعد وعرفنا ما يحدث بعد آلاف السنين، إنها إشارات السماء وانعكاس للعالم العلوي ذي الاسرار!

هنا كان عليه أن يعود إلى حلمه، طفل خديج ذو سبعة أشهر حلم بعد ولادته بدائرتين كبيرة وصغيرة، أما أستاذه الدكتور "إقبال"، فهو لا يقدر حينذاك أن يقدم أكثر مما قدم من اكتشاف وإبداع في الطب وعلم النفس وقف عند هذا الحد واقتنع بما وصل إليه، والبروفيسور "رشاد" وفق التجربتين السابقتين، وتجارب أخرى، استخدم فيها التحديب، اقتنع تمامًا أن حلمه لم يحدث بعد ولادته في الحافظة بل في الرحم البيضوي الشكل ولابد أن يكون هناك ضوء ما تسلل إليه عبر الأشعة وتوافق مع بيضوية مكانه، فتكيف الشعاع للمكان وسلَّمه رسالة مبهمة فخرج قبل وقته وبقي الحلم في دماغه محتفظًا بطراوته وسطوعه إلى ما بعد الولادة، حتى التقطته لوحة الخبير الدكتور "إقبال" الذي ألقاه في مجموعة الأضغاث.
وإذا كان لابد من أن يدرك الحلم واقعًا سماويًا يخص المستقبل، فسيكون حَريًا به أن يربط بين منهجه الجديد وولادته والرقم 7 المقدس عند الماضين، فهو شريك الماضين من حيث ولادته السباعية وتصوره يبحث عن وشائج خفية بين الرقم والمكان والزمن، من ذلك المنظور أراد أن ينسخ حلمه على نفسه ثم يجريه في عقل متطوع آخر، وفضَّل أن ترافقه رئيسة الممرضات في مكتبه بدلاً من أي طبيب آخر.

وفي اليوم نفسه قبل أن يأوي إلى فراشه طلب من الممرضة أن تبقى معه في غرفة شبيهة بالحاضنة الزجاجية، كان قد أعد كل شيء؛ خزانة الأحلام والحلم الأول على ألواح التسجيل، جهاز تحديب الضوء، ثم طلب منها أن تُسلط على دماغه حالما يوغل في النوم صورة الحلم الأول المخزون في لوحة الأضغاث ترافقها موجات من الضوء ثم تضغط على أزرار بارزة فيزداد بالتدريج تحدب الضوء المسلط عليه.
وها هو للمرة الأولى يكتشف سر الحلم من دون أن تفقه الممرضة أي شيء عن تجربته الجديدة، عرف أنه كان على صواب حين فضل أن ترافقه رئيسة الممرضات في مكتبه بدلاً من أن يختار أي زميل له لأنها ليس بإمكانها أن تناقشه أو تكتشف عماذا يبحث، وكان بالغ الحرص على أن يبقى كشفه الجديد في موضع سر وكتمان قبل أن يتأكد من نجاحه الأخير.

لقد رأى صورًا لأناس سقطوا في حفر أو تزوجوا وآخرين ذهبوا إلى حرب وتحقق من أزمات اقتصادية وكوارث واغتيالات ومؤامرات، كانت الأرض مرآة تعكس صورة السماء، كل ذلك رآه في عقول الآخرين وشاهده على الأرض أو سمع به، أما ما شاهده من مستقبل محصور في دماغه فهو شيء فظيع بعث الرعب في نفسه، ولكي يقطع الشك باليقين فإنه سلَّط حلمه على متطوع آخر، ثم راح يطبع نسخة الحلم ويجربها على أكثر من متطوع، فتأتي النتيجة واحدة لا غبار عليها.

البرفيسور "رشاد" ولد عام 1977، نزل من بطن أمه في الشهر السابع، تتجمع لدينا ثلاث سبعات، نحن الآن في عام 2007، نجمع وفق تحدب الضوء الأرقام 2007 + 777 = 2784، في البدء دخل الشعاع الرحم بتقعر قليل يمثل جزء من مائة مليون بالمليون، فرسم صورتين لكرتين واحدة كبيرة والأخرى صغيرة، ثم تحركت الكبيرة باتجاه الصغيرة من الأعلى، حتى وصلت إلى نقطة بدأت عندها الصغيرة بالتحرك، إلى هنا ينتهي الحلم الغريب، وحين استيقظ انكشفت له ملامح الحلم الذي نسخه في عقول آخرين فوصفوه له كما رآه ثم ثبت أحد الأزرار على سنة 2784، وغذَّا المخزون بضوء وصل به التحدب إلى مقدار هذه السنة، كان يقفز من فراشه هلعًا، فما حدث أمام عينيه لابد أنه جرى لآخرين طبَّق عليهم تجربته، إلى الحد الذي جعل رئيسة الممرضات تهرع إليه، وتسأله عما إذا كان يروم أن يوقف عمل الجهاز.
لم تكن تلك كرة كبيرة في الأعلى، بل كان كوكبًا كبيرًا، أما تلك التي تُشبه البذرة فهي أرضنا، كان ذلك الكوكب يتجه ضالاً فلكه نحو أرضنا، حتى وصل إلى مسافة بدأت عندها قوة جاذبيته تشد الأرض وتزعزعها عن مسارها فتحركت نحوه.. أخيرًا حدث الاصطدام العظيم وأصبح الكوكبان مجرد شظايا تتناثر في الفضاء.

وفق تلك التجربة تيقن البروفيسور "رشاد" أن المستقبل ضوء ملموم يصل إلينا بشكل أشعة كونية مستقيمة فإذا ما طوعنا الشعاع الضوئي لقاعدة التحدب الكونية بعثرنا كروموسومات المستقبل، فبدت لنا واضحة صريحة، كانت التجربة واضحة على الرغم من طبيعتها المعقدة، وأصبح البرفيسور "رشاد" نفسه لا يشك فيها قط، سبعة قرون تفصلنا عن النكبة وقتها سوف تنتهي الحضارة ونُصبح كلنا، الأموات والأحياء، شظايا تتيه في فراغ وظلام، راح يستعرض صور المتطوعين الذين خضعوا لتجربة الحلم الزمن، إنه هو الماضي يعيد ذاته في المستقبل، هناك من حلموا بالكوارث فحلَّت ومن رأوا أنفسهم يموتون فماتوا أو يعيشون بسلام ومازالوا على صلة به، مع ذلك رفض أن يضع نفسه في تجربة يقرأ عبرها أيامه القادمة وماذا يواجهه، هو على قناعة تامة في أن يظل محايدًا مثل المصور الذي يلتقط صورًا لأسد يطارد في الغابة غزالاً ونمور تحاصر فرائسها، مهمته لا تعدو التصوير والتطلع، وربما الفضول، لأنه لو تدخل كي يمنع كارثة أو ينقذ شخصًا من هلاك لكان قد أعلن الحرب على القدر نفسه، وهو بهذا الفعل يُعد الخاسر الأكبر في هذه المعركة غير المتكافئة منذ البدء.

تلك المخاوف دفعته إلى أن يلغي كل تجربة بهذا الصدد، حتى أنه أعرض تمامًا عن معرفة الطريقة التي ينتهي بها هو نفسه ذات يوم وشغله مصير محتوم ينتظر الأرض بعد سبعة قرون، لو نشر ما رآه لاتُهِمَ بلوثة، ولساءت سمعته وربما رجمه الآخرون، هل يُنقذ الأرض وهو يعيش عليها قبل سبعة قرون من موتها؟ سؤال وحيد استحوذ على تفكيره، كان يأمل في أن تصل البشرية خلال تلك القرون السبعة إلى حضارة راقية تُمكِّنها من تفادي الكارثة، عبر ما تملكه من مخترعات جديدة، ولم يكن أمامه بُد من أن يسجل تحذيره بأدق التفاصيل العلمية، ثم يتوجه إلى مركز الودائع ويوصي ألا يُفتح ملفه إلا بعد مرور قرن من تاريخ وفاته، كان على يقين تام من أن البشر بعد قرن سوف يتقبلون تحذيره لينقذوا الأرض من دمار آت في المستقبل البعيد.


</SPAN></SPAN>