سـلسلـة :
هندســة الـذات .. بآيات الغـزوات
غـزوة الأحـزاب (3)
( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) (10)
( من فوقكم ) : يعني بني قريظة وأسد وغطفان وهوازن جاءوا من أعلى الوادي جهة المشرق .
( ومن أسفل منكم ) كان ورود قريش من جهة المغرب .
وتأمّل الدّلالات النفسيّة للألفاظ : فلفظة ( فوق ) يقابلها ويضادها لفطة ( تحت ) ولفظة ( أسفل ) يقابلها ويضادّها لفظة ( أعلى ) لكن القرآن الكريم استخدم لفظة فوق مقابل لفظة أسفل احترازاً من وصف الأحزاب بــ ( العلو ) فلم يقل : ومن أعلى منكم ! مع أنه علوّ جغرافيّ ليس إلا ، ومع ذلك جرّد حالهم من لفظة العلو في هذا السّياق ؛ فالأعلون هم المؤمنون فقط ( وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران (139) أنتم الأعلون في عقيدتكم وفي منهجكم ، وفي نقاء سرائركم ، وفي منظومة قيمكم واستقامة سلوكم ، أمّا أعداؤكم فليس فيهم علوّ ولا سموّ ، إنما هو العلو الممقوت المذءوم المشؤوم المقرون بالفساد والإفساد في الأرض ، المجرّد من القيم الإنسانيّة ، العلوّ الذي كنهه وحقيقته : الوثوب على ديار الآخرين ، واسـتـباحة حرماتهم وأموالهم ، والولوغ في دمائهم ، وتدنيس مقدساتهم ، ونهب ثرواتهم ، تماماً كالعلوّ الذي نعت الله به فرعون فقال :
( وإنّ فرعون لعالٍ في الأرض وإنه لمن المسرفين ) وعلى شاكلة ذلك قوله تعالى ( ولتعلنّ علواً كبيرا ) .
وفي مقابل ( من فوقكم ) قال تعالى ( ومن أسفل منكم ) فلم يقل من تحتكم ، مع أنّ لفظةَ فوق يقابلها لفظةُ تحت ! وفي ذلك إيماء إلى أنهم أي المتحزبين ضد الحق هم الأسفـلون ؛ الأسفلون في مآربهم ، النـابعة من سُــفول مبادئـهم وسُــفالة مخططاتـهم .